Translation

Exchange Rates

June 14, 2022


American Dollar 3.446 0.17%
Euro 3.594 -0.13%
Jordanian Dinar 4.860 0.17%
British Pound 4.172 -0.51%
Swiss Franc 3.466 0.12%
100 Japanese Yen 2.567 0.40%

Data courtesy of Bank of Israes

أحداث العام الهجري 1430

editorial board, 6/4/2011

أ.د/ فالح بن محمد الصغير المشرف العام على موقع شبكة السنة النبوية وعلومها

مدخل: - لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتفكير والتأمل في آيات كثيرة من كتابه عز وجل، سواء في مخلوقاته سبحانه الكونية، أو في آياته وشرعه أو فيما يجرى من أحداث حاضرة، أوفيهما جرى في التاريخ الغابر. - وكل هذه التأملات لتحقق العبودية له سبحانه لتلمس الحكم وتعميق الاستسلام له سبحانه، ولتقويم المسيرة الفردية، والجماعية، ولتبين مواضيع الخطأ، وجوانب التقصير، ومناطق الخلل. ومن ثم رسم الخطط المستقبلية على مستوى الفرد، والدولة، والأمة واستشراف مستقبل يبشر بخير وليس لمجرد النظر، لتعود الكرة نفسها، والخطأ يتراكم، والفجوة تزداد، والتقصير يصبح منهجاً يتعامل فيه. - والعام المنصرم 1430هـ الذي يوافق العام 2009م مرت فيه أحداث كونية قدرية، ، وأحداث عالمية، وأخرى إقليمية، وثالثة محلية ، وأحداث من فعل الإنسان نفسه بنشد فيها مصلحة حالّة أو مستقبلة ، أو يدرأ بها ضرراً متيقناً أو متوقعاً، وأحداث جديدة، وأخرى قديمة تتجدد. هذه الأحداث يمكن أن نتطرق إليها في هذه الكلمات من خلال أبعاد متعددة. البعد الأول: تذكير بها أو ببعضها. البعد الثاني: معالم واستنتاجات. البعد الثالث: ركائز في المناقشة. البعد الرابع: استشراف وآمال.

البعد الأول/ تذكير ببعض الأحداث: أ‌. أوباما تمضي سنته الأولى مع وعود وآمال. ب‌. استمرار الوضع في أفغانستان وعودة طالبان من جديد. جـ. اعتداء اليهود على غزّة ومذبحتهم الشهيرة واستمرار تسلطهم وبخاصة على القدس وتهويده. د. ارتفاع نسبة العنف في العراق. هـ. تجدد الاشتباكات بين فصائل الصومال. و. التلويح بتجريم حاكم السودان واضطراب وضع دارفور. ز. المصالحة اللبنانية الداخلية، والسورية اللبنانية. ح‌. تصاعد التفجير والتدمير في باكستان. ط‌. اعتداء الحوثيين على جنوب المملكة العربية السعودية.

ثانياً: على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية: أ‌. الأزمة المالية العالمية، وتنادي العالم لحلها، وبخاصة دول العشرين بما سمى بالأزمة المالية العالمية. ب‌. ارتفاع نسبة الفقر في كثير من الدول وبخاصة دول أفريقيا. جـ. ظهور عدد من المفاهيم لإعادة النظر فيها، وكمحاولة إسقاط بعض الاستدلالات لخلخلة المفاهيم المستقرة وبخاصة على المستوى المحلي والإقليمي. د. محاولة إظهار بعض الآراء الشاذة المخالفة حتى للفطرة. هـ. المناداة لبعض الأفكار التي تقود إلى إطلاق حرية الفرد من كل قيد. و‌. ارتفاع نغمة كثير من المصلحين لإعادة الدور الإسلامي بصوت خافت، والتنادي لإصلاح الوضع العربي والخروج من مآزق متعددة. ح‌. انتشار رقعة الجريمة والعودة إلى اختطاف الطائرات. خ‌. مرض انفلونزا الخنازير وتنادي العالم لمقاومته.

ثالثاً: أحداث كونية قدرية: أ‌. حصول حرائق في بعض من دول العالم المختلفة. ب‌. حصول زلازل في مناطق آخرى تعدت نسبتها (6) من مقياس ريختر. وأحدثت أضرار مادية وبشرية. جـ. حصول أضرار من السيول في غرب المملكة العربية السعودية لم تحصل في التاريخ القريب .


هذه نماذج فحسب لما حدث وما كان واضحاً وبيناً على مستوى الإعلام ووسائل الاتصال, تذكر هنا للتذكير والمساعدة في التأمل والتفكر لاستشراف مستقبل يُرجى أن يكون خيراً من الماضي.

البعد الثاني/ معالم واستنتاجات: ويقصد بها مجموعة من الاستنتاجات لا يلزم بالضرورة أن تكون سلبية مطلقة, ولا إيجابية مطلقة, ولا قطعية مطلقة, بل هي اجتهادية قابلة لمزيد من النظر, أو هي مجرد وصف يقود إلى نتائج إيجابية أو معالم تحذر من تكرار السلبيات, أو هي تأكيد لما هو مستقر عند بعض المتأملين. ومن ذلكم: 1- أن هذا الكون الفسيح كون متحرك لا يمكن أن يكون جامداً, يسير وفق سنن الله سبحانه وتعالى, ولذلك لا يعيش ما في هذا الكون ومن فيه, إلا بأن يكون متحركاً, فالشمس تجري, والقمر يسير, والكواكب سيّارة, والهواء متحرك, والأنهار تجري, والرياح تلقح السحاب, والأشجار تثمر, والبحار يعيش فيها مخلوقات متحركة, والطيور تسبح في الهواء. ومن هنا فالإنسان – الذي يريد العيش – لابد أن يكون متحركاً والأمة التي تريد التقدم لا بد أن تكون كذلك. فإن كان هذا الحراك وفق سنن الله، فهي الأمة القوية المنتصرة وإلا فحراك عبث يلطم بعضه بعضاً.

2- هذه الأحداث تنبئ أن مقود التحرك – غالباً- في يد الأعداء, وما كان كذلك إلا لحركتهم تحو تقدمهم المادي والتقني, وحديثهم في علو أمتهم, هكذا هم يمسكون بالمقود في أماكن هي وقود للعنف مما يدركه الجميع في أفغانستان, والعراق, والصومال, وفي محاولات في باكستان واليمن ولبنان لفتح ثغرات جديدة ولمآرب متنوعة. لكن لا يلام أحد يعمل وفق السنن بقدر ما يلام من فتح الباب على مصراعيه ليلج فيه كل أحد, ويعبث في داره كل أحد, وما قوي قوي إلا بقدر ما ضعف ضعيف.

3- كما تنبئ هذه الأحداث عن عدم استقرار في كثير من مناطق الصراع, بل تنبئ عن إيجاد مناطق أخرى, فقد ظهرت بوضوح باكستان واليمن مؤخراً مع بقاء العنف في أفغانستان, والعراق, والصومال.

4- كما تجلى هذه الأحداث أن القوي لا نسب له ولا حسب سوى تقديره لمصالحه فمهما حاول الضعيف أن يتسلى أو يتشبث بمسلمات لديه يظن أنها بداية انهيار للقوى فهذا مجرد تسلي ما لم يصحبه عمل جاد لاستعادة شخصيته وقوته, لا أقصد الحربية أو العسكرية, فحسب بل أقصد قبل ذلك إيمانه بشخصيته, وتمسكه بمبادئه, وبعوامل وجوده.

5- ومن المعالم المستنبطة: تسابق الأقوياء للتحالف ضد غيرهم ليشتركوا في صناعة استمرار الغلبة وقوة النفوذ, وإن كان للباطن أساليبه الخاصة, وعوامله التي يؤمل أن تزيد, أو تثبت قوته ولو بالتعالي على من هو أضعف منه.

6- ومن المعالم التي ظهرت بوضوح في هذا العام استخدام المبادئ للأغراض السياسية والتوسع لمناطق النفوذ, واستخدام السياسة لنشر المبادئ. ولإن ظهر هذا المعلم في أزمنة سابقة للنصرانية لكنه ظهر ظهور الشمس في رابعة النهار للسلطة الصفوية في (إيران) مما لا يدع مجالاً لمتشككٍ تشكك أيام حرب (حزب الله اللبناني مع إسرائيل) عام 2006 ليظهر بشكل آخر في شمال اليمن مع (الحوثيين) هذا العام, ناهيك عن الأعمال السياسية في كثير من دول العالم.

7- ومن المعالم التي أصبحت سمة يصعب أن تتخلف تفرق كلمة المسلمين على مستوياتهم المتعددة, سواء على مستوى الدول أو على مستوى الجماعات حتى المنسبة للدعوة الإسلامية, فضلاً عن قائمة المفكرين والعلماء, إلا أن بصيصاً من نور يدعوا للتفاؤل, ويحرك الساكن, ويحيي اليائس ليعود للحراك من جديد, ومن ذلكم: - الإجماع العربي والإسلامي إبان استمرار اعتداءات اليهود على غزة, وتناديهم لعمارتها. - هبة الشعوب المسلمة ضد اليهود مما حرك بعض الشعوب غير المسلمة وعدم قبولها للهمجية اليهودية. - المصالحة بين سوريا وشقيقاتها العرب. - المصالحة اللبنانية بعد تلك المحاولات اليائسة. - الإجماع ضد اعتداءات الحوثيين على جنوب المملكة.

8- ومن المعالم: شبه الإجماع بين العلماء والمفكرين وبخاصة في الدول العربية والإسلامية على شجب الفساد والإفساد الذي انتشر في السنين الأخيرة وبخاصة في جوانبه الفكرية والاجتماعية والاقتصادية مثل: - الإرهاب بكافة أشكاله الذي يقود إلى أزمة فكرية ضيقة, ورثت أشكالاً من القتل والدمار. - الفساد الاقتصادي المتمثل بيع الديون وهو من صور (الربا) والذي قاد إلى أزمة عالمية, دعت العالم الرأسمالي إلى إعادة النظر في مبادئه الرأسمالية. - الدمار العقلي بالتفنن في ضخ المخدرات والمفترات للعالم العربي وبالذات دول الخليج. - الفساد الأخلاقي الذي جعل العالم ينادي بالعودة إلى نظام الأسرة, وإعطاء المرأة خصوصيتها. - الفساد الإداري الذي ينبني عليه فساد في جوانب متعددة. - الفساد الفكري المتمثل في: محاولة خلخلة الثوابت الشرعية. التشكيك في بعض أحكام الإسلام. محاولة الإقصاء للمرجعية العلمية. التنادي لتقليص مهام المصلحين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. محاولة إيجاد مصادر أخرى للتشريع. وغيرها مما هو متداول بين أصحاب الفكر والقلم.


تلك جملة من المعالم والاستنتاجات لسمة هذا العام.

البعد الثالث/ ركائز في المناقشة: إن من علامات الخير, وحسن الأمل في الوصول إلى نتائج إيجابية في استقرارنا للأحداث وتأملنا فيه أن نعتمد على ركائز تكون منطلقاً للوصول إلى المراد من هذه التأملات. من منطلق: 1- بشريتنا, وإنسانيتنا. 2- أننا مسلمون ندين الله تعالى بدين الإسلام. 3- واقعنا الذي نعيش فيه بعجره وبجره. 4- ومصالحنا في المحافظة عليها, ولمعرفة مواطن الفساد لنتوقاها .

هذا كله يقودنا إلى: 1- التعرف على سنن الله سبحانه وتعالى ومنها على سبيل الإيجاز: أ- أن الكون يتحرك بقدرة الله تعالى, فعلينا التعامل مع الله تعالى لأجل ألا نخالف سنته سبحانه فنتيه ونضل. ب- أن الله تعالى ينصر من ينصره كما جاء ذلك في آيات كثيرة. ج- أن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فالتغيير الإيجابي يكون بإصلاح النفس أولاً. د- أن التمكين في الأرض يعتمد على تحقيق الغاية من خلق الله تعالى للإنسان وهي: - عمارة الكون المتماثلة بقوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون). - عبودية الله تعالى المتمثلة بقوله سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). هـ- أن هناك علاقة وطيدة بين الكون والإنسان فصلاح الإنسان صلاح للكون, انطلاقاً من قوله تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون). و- أن الهزائم في جميع الميادين تبدأ من الهزيمة النفسية قال تعالى: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم). ح- ومن سنن الله تعالى بناء هذه الحياة على التدافع قال تعالى: ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ). ط- ومن السنن أن النجاة للمصلحين الذين يجتهدون في إصلاح العباد والبلاد قال تعالى: (فأنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئس بما كانوا يفسقون). ي- ومنها أن الغلبة للمؤمنين, إذا قاموا بأوامر الله واجتنبوا نواهيه وعملوا بأسباب الغلبة مهما كانت قوة الأعداء الحربية والتخطيطية وعملوا بأسباب الغلبة.

2- التأكيد على أن المصدر الأساس للتشريع في كل جوانب الحياة هو: أ- القرآن الكريم, كتاب الله تعالى الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم تبياناً لكل شيء. ب- سنة رسوله صلى الله عليه وسلم المتمثلة في أقواله عليه الصلاة والسلام, وأفعاله, وتقريراته. ومن ثمِّ: في القواعد الشرعية المستنبطة من مجموع النصوص القرآنية والنبوية, والمحددة لمقاصد الشريعة وغاياتها الكلية والجزئية. وبناء على هذا: فالحيدة عنهما, أو تأويلهما على غير المراد, أو التكلف في استنباط المعاني على غير دليل سائغ ونحو ذلك هو بعد عنهما, ومن ثم الوقوع في محاذير فكرية وعملية. نعم قد يقول قائل: هذا كلام نسمعه ونعلمه علم اليقين لكننا نختلف في تنزيله على الواقع فكل له فهمه وتأويله: ويقال هنا: لذا فرّق الله تعالى بين فئتين: الأولى: هم جميع المؤمنين والمسلمين, علماء وغير علماء, مختصين وغير مختصين, فجعل لكل هؤلاء حق التعامل والتفكر في كتاب الله تعالى فقال سبحانه: (أفلا يتدبرون القرآن) وقال سبحانه: (ليدبروا آياته), فالتأمل والتدبر للإيمان وتعظيم الخالق وتعميق التوحيد من حق كل مسلم ومسلمة بل واجب عليهم. الثانية: العلم به وبحقائقه, وأوامره ونواهيه, وتشريعه على وجه التفصيل فهذا للعلماء العالمين به, لذلك جاء قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون), وقال تعالى في التحذير من القول على الله بغير علم: (... ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام). وعلى هذا: إن تنزيل الأدلة على الوقائع هو للعلماء وأهل الاختصاص وليس القرآن والسنة مجالاً خصباً لمن أراد كيف أراد؟!!. وعلى هذا -أيضاً- ونحن خضنا هذا العام أحداثاً كباراً أن نعود حقاً وبهدوء وعدم توتر إلى المصدرية الحقة لنجدد المعالم الحقة للمسيرة الحقة.

3- والنظر أيضاً في ضوء الواقع والأسباب المبنية على المصالح والمفاسد, الجماعية والفردية. فما حصل من نتيجة عكسية فهي بقدر الذي حصل من أخطاء وخلل وقصور في الواقع. فإذا اختلت الأمانة حصلت الأضرار المتعدية. وإذا وجد الغش والرشوة والتحايل وجد الفساد المالي. وإذا استغل المستغلون نفوذهم ضاع حق الضعيف. وإذا انتشرت المعاصي جاءت العقوبات. وإذا منعت الزكاة منع القطر من السماء. وإذا سمح للشبه والأفكار المنحرفة ضاعت الحقيقة. وإذا غُيّب العلماء, وسخر بهم ضلت الأمة الطريق. وإذا علت الفردية والأنانية تاهت المصلحة الجماعية. وإذا أخطأ الفرد ولم يتب تعددت الأخطاء وكثرت الفجوات. وإذا تساهل الناس في الصغائر ظهرت الكبائر. وإذا ضعف المسؤول وجدت ثغرة لا يسدها الصغير. وإذا شُكّك في المسلمات والثوابت تخبطت الأمة فتاهت وتفرقت. وإذا استهزأ الناس بالقادة وأهل العلم والرأي, قاد الأمة كل صوت مرتفع, ولو كان صراخاً.


  • هذا وأمثاله كثير - يقود لأخذ النفس والمجتمع بزمام المصدرية التي تعرفنا بالأسباب والعوامل التي تقود إلى أعلى المصالح وتقلل أكبر المفاسد. وهنا يأتي: (أهل الحل والعقد, والعلم والفكر, والتخصص) ليقودوا مسيرة النجاح.

رابعاً: استشراف وآمال: إن سياقنا لتلك الأحداث ، والسنن ، والمعالم ، والركائز يورث فينا آمالاً تفاؤلية ، واستشرافاً يحدوه استبشار يمكن أن يلخص في برامج وأعمال ، وأفكار ، تكون ثمرة لتلك التأملات ، منها :- 1- أهمية الوعي بأن تلك الأحداث – على تنوعها – من المهم أن يُنظر إليها بنُظرة شمولية من جميع جوانبها لا أنها سلبية مطلقة ، ولا إيجابية مطلقة ، بل تحدد المناطق الإيجابية والسلبية ، وفي النهاية إمكانية تفعيل مايكون ايجابياً ، ومعالجة ماكان سلبياً ، وعلى سبيل المثال : ماحصل من أضرار في الأحداث الكونية كالفيضانات ، أو السيول ، أو الزلازل ونحوها . فينظر إلى الإيجابيات من زاوية التبصر بوجود الأخطاء من البشر لئلا تتراكم ويصعب حلها ، أما السلبيات فظاهرة مما أحدثه في البشر والممتلكات والبنى التحتية فتعالج بالأساليب المناسبة . هذه النظرة مفادها : الوصول إلى :- أ‌- معالجة الحال والماضي بالممكن والمستطاع . ب‌- التخطيط السليم للمستقبل وعدم النوح المستمر على الماضي .

2- وماسبق في ( 1 ) يعيد للأذهان الطرح المتواصل من كثير من العقلاء والمختصين بضرورة إيجاد المشروع الحضاري للأمة المسلمة ، ويمكن صياغته على مستويات متعددة ، دولية ، ومجتمعية ، ومؤسساتية ، وجمعيات ، بل وأفراد والمهم أن يكون هذا المشروع أو المشاريع في خطوط متوازية ، لامتعارضة حتى تؤدي أهدافها ولو بعد حين . كما يمكن أن تحدد معالم كل مشروع بركائزه الأساسية الشرعية ، والمصلحية ، والوطنية . فيكون منضبطاً بضوابط الشرع ، ويحقق المصالح المرجوة منه ، وينفع الوطن والمواطن بل وكل مسلم . لست هنا بصدد تفصيله – فلعل له مقاماً آخر –ولكن المقصود أن ننطلق من تلك الأحداث بالتنادي لوجود هذا المشروع أو المشاريع الحضارية التي يكون من أهم أهدافها معالجة كثير من الخلل ، والنقص وقبله للوصول إلى أهداف عليا، ترفع شأن الأوطان والمجتمعات والدول المسلمة ، وتخرجها من مآزقها ومآسيها .

3- إن مما أفرزته مجموع تلك الأحداث التأكيد الجازم على أهمية العلم الجاد ، وأقصد بالعلم بشقيه الرئيسين :- أ‌- العلم الشرعي الذي يقود حركة الفرد والمجتمع إلى الغاية العظمى التي خلفوا من أجلها ، وإلى الصواب في الأعمال ، والسعي لعمارة الأرض العمارة الصحيحة. ب‌- العلم التقني بفروعه المختلفة والذي أصبحت المجتمعات بحاجة إليه ، ونقله إلى الصورة العلمية والعملية حتى لا تستمر التبعية لغير المسلمين في كل شيء . وإن من البشائر أن تجد كثير من براءات الإختراع بأيد إسلامية ، لكنها تحتاج إلى تفعيل . أقول : نعم توجد دور التعليم المختلفة بل والوصول إلى الشهادات العليا ، وهذا أمر ينضم إلى غيره من البشائر ، ولكن المراد هنا أن ننتقل إلى صورة عملية تراجع فيها الغايات والأهداف لا لمجرد سوق العمل أو الوظيفة وإنما ليكون منهاج حياة للفرد والمجتمع .

4- مما يذكر هنا العناية بكل مما يؤدي إلى تماسك المجتمع ، والتأكيد على وحدته وترابطه ، وسد كل منفذ يلج منه الشيطان لخلخلة المجتمع ومن ذلك :- أ‌- العناية بنشر المفاهيم الخاصة بهذا الموضوع ، والتي اعتنت بها كثير من الدساتير للدول المسلمة وأهمها : مرجعية القرآن الكريم والسنة النبوية ب‌- العمل على إشاعة مبدأ النصيحة والآمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستويات مختلفة ، وغني عن القول أن يكون آدابه وأصوله ، فالنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بذلك من أهم أسباب البقاء ، والنجاة كما وضح ربنا جل وعلا ذلك في مواضع كتابه ، بل هو أهم عامل للخيرية التي ننشدها كما قال سبحانه: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) الآية ، وعن تميم بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( الدين النصيحة) قلنا لمن يارسول الله؟، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم) رواه البخاري ومسلم. ت‌- تجديد العناية بالآسرة ( أباء وأمهات وأزواج وأولاد ) فلا شك أن الأحداث أثبتت ضرورة التربية الجادة وبخاصة في عصر انتشار كثير من وسائل الاتصال التي حملت كثيراً من الغث وقليلاً من السمين . ث‌- وتتضح الصورة أكثر بالحاجة إلى مزيد من الجمعيات الخيرية والتعاونية والدعوية المنضبطة بضوابطها ، فكم من حدث حصل هذا العام فألقي بعض اللوم على ضعف مشاركة الجمعيات ، وهذا يدل على ضرورة إشاعة هذا المبدأ ليشترك الجميع في نجاة سفينة الأمة ولايُلقى اللوم على فئة دون أخرى.

5- والأحداث تؤكد على أهل العلم والدراية والتخصص توعية المجتمعات كل فيما يخصه ومن ذلك ، التوعية بـ :- أ – سنن الله جل وعلا ، وأنها لا تحابي أحداً. ب-ثوابت الدين وأهمية استقراء وتعبد الله منها والعض على ذلك بالنواجذ. ج- المصالح العليا للوطن والفرد والأسرة، وللمجتمعات المسلمة. د- الأخطاء التي يقع فيها الناس وتحذيرهم منها ، ومن ذلك كبائر الذنوب مع عدم استصغار الصغائر. هـ - الأخطار المحدقة من كل جانب ، والوعي التام بها كخطر السحر والشعوذة ، والأفكار المنحرفة ، والغلو في الدين ، والاعتداء على الأنفس والممتلكات ونحوها. و – عظم المسؤولية كل فيما يخصه ، وأن الإهمال فيها من أهم عوامل فساد المجتمعات . ز – توضيح المفاهيم المستقرة ، والمفاهيم القابلة للنظر والاختلاف حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها.

6 – من ركائز استقرار المجتمعات التأكيد على المرجعية الإدارية المتمثلة بالحاكم ، والمرجعية العلمية المتمثلة بأهل العلم المعتبرين ، وعلماء السياسة الشرعية يسمون الجميع ( أهل الحل والعقد ) فإحياء دورهم من أهم العواصم من القواصم قال تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ). والقرآن الكريم والسنة المطهرة مليئان بالنصوص المشددة على عظم هذا المعنى ، الذي هو سبب للعصمة من كثير من المآزق والفتن، بل إن ما حصل من بعض انتشار كثير من المفاهيم الخاطئة هو بسبب محاولة إقصاء تلك المرجعيات والتشكيك فيها ، فتنبه فذلك أصل عظيم ، وهو من أهم الثوابت المستفاد من الأحداث .

7- كما تؤكد الأحداث : أن الوقت حان للابتعاد عن العاطفية المجردة ، أو المواقف الانفعالية ، أو ردود الأفعال ، فالحاجة قائمة إلى مراكز للدراسات والأبحاث الجادة المبنية على البحث العلمي والاستقراء والاستفادة من التجارب والخبرات السابقة والحالية ، وعلى المستويات الاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والتربوية . إن أي عمل أو برنامج لا يقوم على دراسة مستفيضة من أهل الشأن والخبرة ، مآله إلى أن يكون حبراً على ورق ، وتستمر الأمة في تبعيتها. إن من الغبن الفاحش أن يستفيد منا غيرنا فنجد كثيراً من عقول أبنائنا في الشرق والغرب ، ويسجل لهم براءات اختراع من هنا وهناك ، وتبقى أمتنا وبلادنا تنفي مثل تلك العقول .

8 – ومما تميله هذه الأحداث بأن الشباب هم عماد الأمة وسر نهضتها ، ومن أكبر عوامل نجاحها ، ومن عمق الخسارة أن يكون كثير من هؤلاء الشباب وقوداً لمعارك وحروب دامية ، أو أدوات تستخدم لمصالح خفية ، أو يستغلها حاقدون وأعداء ، بأي ثوب لبسوا ، أو بأي فكر زُين لهم . وما مشكلة الإرهاب في بلاد من العالم الإسلامي ناهيك عن العنف القائم في بعض الدول ، ومن ذلك إشعال الحوثيين في شمال اليمن . إلا شاهد واضح لإغراق الشباب في بحور مظلمة لانهاية لها :- هذا يحتم على العقلاء وأهل العلم مراجعة البرامج لهؤلاء الشباب ، وإيجاد البرامج المتنوعة المفيدة ، ويشرف عليها مختصون . فما انتشرت كثير من هذه الأفكار ، ولم يصبح هؤلاء لقمة سائغة إلا والفراغ من أهم العوامل. حان الوقت إن لم يكن مضى منه وقت كثير ليتنادى المسؤولون عن الشباب والتعليم والعلم والتربية لإيجاد تلك البرامج فتقل عوامل إيقاد النار بهؤلاء الشباب تأهيل عن أن هؤلاء الشباب هم اللبنة القوية لنهضة الأمة عن سلوكهم الطرق المستقيمة والجادة.

9- ولعل مما تمليه الأحداث التبصّر في مواقف كثير من الجماعات الإصلاحية والدعوية, والمتأمل يجد فجوات تحتاج إلى إعادة نظر وذلك من خلال مواقفها تجاه بعض الأحداث. وأضرب لذلك عدة أمثلة: أ- موقف كثيرين –جماعات وأفراد- من قضية (الإرهاب) التي انتشرت بعض البلدان الإسلامية, هذا الموقف الذي يمثل تردداً عجيباً مع ما يشاهدون من آثاره من الجرائم الكبرى كالقتل والتدمير للممتلكات وتخريب المنشآت. ب- موقف بعض الجماعات من قضية اعتداءات (الحوثيين) في بلدهم (اليمن) وعلى جنوب المملكة العربية السعودية التي لم يختلف أحد في معتقدهم, ولا في أطماعهم السياسية, ولا في خدمة آخرين من دول أخرى, فتأتي بعض الجماعات لتقول دعوا قتالهم وصدهم, وكأنها تقول: دعوهم يعبثون بنشر مذهبهم وأفكارهم واعتداءاتهم.


والسؤال هنا: هل ستسمر تلك المواقف؟ ويسير تلك الجماعات على نفس التفكير والآراء دون تأمل ونظر من مختلف الأبعاد, ودون الإفادة من التجارب السابقة, بل بدون الولاء العقدي الذي تمليه عقيدة الإسلام. أقول: لعل أحداث هذا العام المنصرم تحيي في تلك الجماعات, والقيادات الفكرية والعلمية أن تعيد النظر في تأصيلها لأعمالها الدعوية، والفكرية، وبرامجها العلمية، وتكييف مواقفها من كل حدث, وأن تسهم في الأعمال الإيجابية. ولعل مما يفيد في ذلك: أ- دراسة الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وإعادة دراستها بشيء من العمق وسعة الأفق. ب- دراسة القواعد الشرعية الكبرى, وكيفية تنزيلها على المسائل الحادثة والنازلة. ج- إعادة دراسة قواعد التعامل مع الواقع (إن صح التعبير) من خلال النظر في المصالح والمفاسد. ه- تحديد الثوابت والمسلمات وما لا يجوز فيه الاختلاف. و- التعمق في دراسة السياسة الشرعية وقواعدها ومحاولة التنزيل على الواقع. ز- نقد الذات من واقع الديانة لله سبحانه، وتبصر الحق, و (الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل). أقول:وقد مر وقت كافٍ على تلك المناهج، فالمراجعة أصبحت مرضاً لا يقبل التأخير، وأما الوقوف على الماضي فيعنى مزيداً من تأخر الخطوات نحو الخلف.


10- ولعل من باب تأكيد المؤكد أن أشير إلى أمرين في غاية الأهمية لهما أثر كبير في مسيرة الحياة وتوجهها نحو الإيجابية والنماء هما: أ- تجديد الإخلاص لله سبحانه وتعالى في جميع الأعمال, ونحن نعلم أن للإخلاص أثراً في نوعية النتاج، وكميته, وأثره على الآخرين وجودته وقبوله, ولذلك جاء التركيز على هذا المبدأ العظيم في كتاب الله تعالى في آيات كثيرة وبأساليب متعددة, ومن هنا فإن كثيراً من الخلل والضعف والتقصير جاء من ضعف الإخلاص, بل إن كثيراً من السلبيات في المبادئ بدأت من ضعف الإخلاص كالرشوة والتزوير, وعدم إحسان العمل, والكذب, وأكل أموال الناس بالباطل. إننا وقد مرّ في هذا العام المنصرم أحداث كبيرة لها آثار سلبية – بحاجة إلى تجديد الإخلاص في جميع أعمالنا, وإعادة النظر في سلوكياتنا تجاه أعمالنا فنخلص فيها, ومهما حاولنا علاج مشكلاتنا – على مستوياتها المختلفة – دون أن نجدد هذا المبدأ الكبير فلن نستطيع علاجها على الوجه الصحيح ولنتذكر أن الإخلاص بعني الجودة: ( إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه) قاله عليه الصلاة والسلام. ب- العودة إلى الله جل وعلا, وتشغيل استشعار مراقبة الله تعالى لنا في كل صغير وكبير فقد قال سبحانه :(فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره). إن هذه المراقبة تزرع الخوف من الله تعالى, ومن ثم عدم التقصير المتعمد, فنحن وقد مرت بنا أحداث ظهر فيها تقصير كبير, بحاجة إلى إحياء مبدأ المراقبة الذاتية, وهذه المراقبة لا يحييها إلا الخوف من الله تعالى, واستشعار عظم المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع كل بحسبه ووضعه, وقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم), وقال عليه الصلاة والسلام: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ثم عدد -صلى الله عليه وسلم -أصنافاً من باب التأكيد, والله سبحانه ندب المؤمنين إلى التوبة والإنابة فقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا). إننا مهما حاولنا علاج مشكلاتنا أو السعي إلى الرقي دون أن نستشعر خوف الله جل وعلا ومراقبته لنا فلن نصل إلى مستوى ما نطمح إلى الوصول إليه على مستوى الأفراد والمجتمعات ولا يعنى هذا ألا يكون هناك أجهزة مراقبة ومتابعة بل يجب أن يكون لتكون عوامل مساعدة لعدم التقصير، لكن الأصل هو الخوف من الله تعالى المؤدي إلى المراقبة الذاتية المنتجة.


وبعد: فكل ما سبق ما هو إلى محاولة استقرائية لبعض أحداث العام المنصرم لاستشراف مستقبل يحمل تفاؤلاً – مهما كانت الأحداث مزعجة وموجعة- واستبشاراً ما وُجدت عزيمة وتخطيط وشعور بالمسؤولية ونية صادقة. سدد الله الخطى