هنالك الكثير من النماذج البشريّة الطريفةوالمثيرة، والتي لو تقصّينا معالمها وتابعنا سلوكياتها وحلّلنا عناصرها، نجدها فريدة ومميّزة تستدعي التأمّل والتفكير. من الصعب أن نصف هذه النماذج في كلمة واحدة أو إيجاد تفسير لها في القواميس اللغويّة المعهودة. اللاهث وراء الاعتراف لا شغل يشغل "اللاهث وراء الاعتراف" غير ان يثبت للمحيطين به انه قادرٌ وذو مرتبةٍ وأنه مهنيٌ من الدرجة الاولى وأنه يملك شبكة علاقات لا مثيل لها. يريدنا ان نقرّ بإنجازاته أو بثروته أو بمكانته أو بمواهبه أو بصلاحياته أو بوطنيتهأو بحسبه ونسبه او بأي أمرٍ يخصّه وعندما نتأخّر عن ذلك "الإقرار" يغيب صوابه, لكنّ تأخرنا لا يثنيه عن إعادة المحاولة في اطلاعنا مجددا، ان شئنا أم أبينا، على اعماله وعلى ما كتبت عنه الصحف وعلى الزيارات التي قام بها خارج البلاد، وكيف انه ساعد فُلان وأنقذ علان، وعندما يجد اننا غير مصغيين تماما لكلامه يخرج الهاتف الخليوي من جيبه ويطلعنا على صُوَرِهِ مع المشاهير وعلى عدد "اللايكات" التي تلقاها. ما لا يدركه "اللاهث وراء الاعتراف" ان الناس لها اسباب وشروط ومعايير خاصة بها لتعترف به والتي لا علاقة لها بحجم انجازاته وسموّ مرتبته. هنالك من الناس من لا تعترف بـإنجازات "االآخر" لأنه لا ينتمي الى فئتها أو حزبها او طائفتها او مدرستها. صحيح انه طبيب ناجح لكنه خريج جامعات مولدافيا. صحيح انه موسيقي بارع لكنه لم يتعلم الموسيقى في أي معهد عالي. وقدد تتوانى الناس عن الاعتراف بإنجازات "اللاهث وراء الاعتراف" لأنها تشك في مصداقية انجازاته وشرعيتها. صحيح انه صاحب ثروة طائلة, لكن الله أعلم كيف جمعها. صحيح انه يُشغل وظيفة رسمية رفيعة المستوى، والتي لم يصل اليها احد من ملّته، لكنه لم يصل اليها بكفاءاته وقدراته وإنما عن طريق "الواسكة" او "العمالة". هنالك ايضا دوافع أخرى كالحسد والغيرة واللامبالاة والخشية ان يُفسر الاعتراف كضعف او نفاق. هنالك مليون سبب لعدم اعتراف الناس بإنجازاته، لذا مطلوب من صاحبنا ان يخفف من شدة لهاثه وراء اعتراف الناس به ، وان يعي بأن المتلهّف على شيء يتعثّر بنهاية الامر بالوصول اليه. متقمّص الشخصية لا يتكلم بلهجة أهل بلده ويعتبرها تخسّ من مقامه، ويستعمل مفردات غير متداوله ليوهمك بأنه انسان مميز ومنفتح و "شايف دنيا". لا يأكل ما يحب وإنما ما اعتاد أكله الناس "المميزون" الذين يحاول تقليدهم، ولا يرتاد المطاعم التي اجمعت الناس على لذة اطباقها واعتدال اسعارها، ولا يسمع الموسيقى والاغاني التي يطرب لها قلبه وانما يستمع للموسيقى التي يسمعها الاشخاص "المميزون". يتنكر "متقمص الشخصية"لحاجياته ويكبت رغباته ويجمّد احاسيسه من اجل الظهور بشخصية مختلفة عن تلك التي هو عليها والتي قد تكون بعيدة كل البعد عنه. الاسباب التي تؤدي بصاحبنا الى تقمص شخصية الآخرين عديدة ومتنوعة فهنالك من يفعل ذلك من باب الرغبة بالبروز والظهور. هنالك من يعاني من مرض نفسي يجعله "مهووسا" بشخصية معينة الى درجة انه يقوم بإلغاء شخصيته وتقمص شخصية أخرى. هنالك من يستعمل الشخصية الجديدة التي يتقمصها من اجل الاندماج بمجتمعات اخرى على سبيل المثال هنالك من يتقمّص شخصية "رجل الدين" ليحظى بأصوات المتدينين في الانتخابات, وهنالك من يتقمّص شخصية "العصري" و "المنفتح" لكي يحسّن ظروف معيشته او يزيد من مبيعاته. مهما يبدو التقمص لشخصية اخرى بأنه مجدٍ ويعود بالخير على صاحبنا, غير انه عادة يعاني جدا من المجهود المطلوب لتقمص الشخصية التي اختارها لأنها تجبره على التظاهر بما هو ليس فيه، وتراه عندما يختلي مع نفسه او يتواجد في مكان لا يعرفه أحد ينقض على الأكل الذي يحبه فعلا وينزع عنه اللباس الديني وتوابعه ويرقص طربا على الموسيقى التي يحبها لكنه يعود لتقمص الشخصية التي اختارها عندما يظهر للناس. المُغالي بالتكتم نعتقد اننا نعرفه، لكننا لا نعرف عنه شيئا. لا نعرف عن طباعه وخصاله غير الظاهر منا ودائما يفاجئنا بشجاعته او بجبنه او بسخائه او ببخله. مع انه قريب منا واعتدنا اللقاء به كل يوم لكننا لا نعرف عن عن خططه ولا عن آرائه السياسية ولا مشاكله البيتية ولا مشاعره ولا عن ضعه المالي. تراه اغلب الوقت واجما ملتزما الصمت ومصغيا لكل متحدث، يأخذ ولا يعطي، يستمع ولا يتكلم إلا القليل المُلزم، وان سألناه عن أمر يخصه يبتسم ابتسامة صفراء او يقوم بحركة لاغية او الإشارة لنا بأن سؤالنا في غير محله أو بالإجابة بشكل مقتضب او غير مفهوم لكي لا نعاود السؤال. المغالي بالتكتم يمارس التكتم من بابين. الباب الاول عدم الاشهار بما لديه من ثروة او علاقات او مواهب لكي لا يتقاسمها مع من حوله فهو يعتقد انه لو صرّح عنها ستطلب الناس مساعدته او مؤازرته او ومشاركته، ولا رغبة له ولا استعداد في ذلك. إن قال انه صاحب ثروة يقولون له "اقرضنا" وإن قال انه يشغل مرتبة هامة يقولون له "ساعدنا في تعيين الولد.." وإن قال انه متقن للغة معينة يقولون له "ترجم لنا هذا المقال ..". الباب الثاني هو عدم البوح بضعفه او بإفلاسه أو بوضعه الصحي والتزام الصمت يريحه من عناء الشرح والتفسير للآخرين ويعتقد ان اشراك الناس بأخباره وبأحواله سيمس بمكانته الاجتماعية. لا بد من وجود اسباب اخرى تجعلنا متكتمين وغير منفتحين على الملأ تخص الخالق عز وجل وما اختاره لنا من صفات ومزايا وألّا ننسى ان هنالك اهمية للبيئة التي نحيا بها -الى أي درجة نسمح لأنفسنا بمشاطرتها اسرارنا؟ لردود الفعل: haj@netvision.net.il