هاتان قصّتان من ضمن سلسلة قصص سويدية للأطفال تحمل العنوان الرئيسي “ألفونس أوبيرچ” (Alfons Åberg) وبالفنلندية “ميكّو ملّيكاس” وإضافة ما مثل: غريب الأطوار؛ يبني طائرة حوّامة (هليوكوبتر)؛ ومولپيري؛ يحصل على صديق؛ يحيك الأحابيل؛ يذهب إلى المدرسة؛ يفرح؛ ودعوات عيد ميلاد؛ مستقيم نزيه؛ مفاجأة عيد ميلاد ميكّو ملّيكاس؛ ميكّو ملّيكاس جليس الأطفال؛ لا، يقول ميكّو ملّيكاس؛ طِر، قال ميكّو ملّيكاس؛ يلا قوام؛ يتعجّب؛ والنملة الحازمة.
كاتبة هذه القصص هي السويدية، چونيلا بيرچستروم (Gunilla Bergsröm) والترجمة الفنلندية بقلم كايا پكّانين (Kaija Pakkanen). تحوّل اسم هذا الفتى، ألفونس أوبرچ، في اللغات التي تُرجم إليها، إلى مثلا داوي في أفريكانس وبرهان في العربية وألفي أتكنس في الإنجليزية وإلياهو في العبرية. وُلدت الكاتبة والصحفية چونيلا بيرچستروم عام ١٩٤٢ في مدينة چوتنبورغ وكسبت شهرتها بكتابتها لهذه السلسة القصصية، التي تعود باكورتها إلى بداية سبعينات القرن الماضي، وبلغ عدد قصص هذه السلسلة زهاء الخمسة وعشرين كتيبا. تُرجمت هذه القصص إلى تسع وعشرين لغة وبيع منها ما يربو على الثمانية ملايين نسخة في شتى أنحاء المعمور، منها أربعة ملايين في السويد وحدها. تستمدّ الكاتبة ثيماتِها من الحياة اليومية ولديها ٱهتمام بعِلم النفس والسلوك الإنساني وينعكس ذلك في انتاجها. تقول الكاتبة عن نفسها إنها بمثابة “حمقاء، من الصعب إرضاؤها”. تعيش چونيلا مع زوجها في العاصمة السويدية استوكهولم وتقضي فصل الشتاء في موطن زوجها في إفريقيا الغربية. من القصص هذه التي ترجمت إلى العربية يمكن التنويه بـ “لماذا تغير برهان؟، ترجمة Muna Henning (منى زريقات هنينغ، مقيمة في السويد، من أصل أردني) وإصدار دار المنى التابع لها في السويد عام ٢٠٠٩ وعدد صفحاته ٢٤. وعن دار النشر ذاتها صدر أيضا “تصبح على خير يا برهان” و”برهان يحلق بعيدا” وينظر http://www.birehlibrary.org/WebOPAC/records/1/60501.aspx.
هنالك كتب أخرى في هذه السلسلة نقلت إلى العربية. هذه السلسلة معروفة جدا في فنلندا ومتوفّرة كاملة بالفنلندية ويتعرّف عليها الأطفال ويحبونها منذ السن الثالثة تقريبا فصاعداً لبضع سنوات إضافية. وقع تحت يدي مؤخرا كتيّبان من هذه السلسلة وارتأيت نقلهما من الفنلندية للعربية، أوّلا لأواكب نمو أحفادي وتطورهم العاطفي والفكري، وثانيا لأقصَ عليهم القصص ذاتها بالعربية العامية، لهجتي. ترجمتي هذه كانت بمثابة تجربة فريدة وممتعة. حافظت على الاسم “برهان” بالرغم من إمكانية إيجاد أسماء عربية أخرى أكثر ملائمة لشخصية هذا الفتى في الأصل السويدي مثل نبيه، نجيب الشاطر.
بُرهان، مجرّد عُقَد
هنا بُرهان، عُمرُه خمسُ سَنوات.
إنه مَشغولٌ الآنَ بربْطِ أشرطةٍ في شكْل الوُرود.
وِلْيم وميلا قادمانِ للّعب -
وبرهان تعلَّم البارحةَ فقطْ صُنْعَ العُقَد.
بنفسِه، دونَ أيةِ مُساعدة!
بينما ينتظِرُ قُدومَ وليم وميلا
يودُّ أن يصْنعَ شيئاً مُثيراً حقّا.
الأبُ مسرورٌ جدّا بهذا الأمْر.
حسنٌ أن يتعلّمَ ٱلصّاحبُ صُنْعَ ٱلعُقَد!
قبلَ ذلكَ كانَ الأبُ كلَّ مرّةٍ
ينْحَني لرَبْط رِباطِ حذاءِ برهان للتزلّج
لهذه القدَم
وربْط رِباط السُّتْرةِ وشال الدمية، الدبّ و …
(انتظرْ! أف! لا تحرِّك الرِّجْلَ!
والثانية أيضاً … أُفْ، يا سلام…)
الآنَ، تخلّصَ الأبُ من ربْط ٱلعُقد.
لا حاجةَ له أن يُشغِلَ نفْسَه بـٱلعُقد
أو ما شاكلَها. الآنَ برهان يتدبّرُ أمرَه بنفْسِه …
في كلّ الأعْمال
إنّه يربُِط رِباطَ حذائِه بنفسِه.
بـٱلضّبْطِ كما يُرام.
ويَصْنعُ أشْرِطةَ الطُّرودِ بإتقان
إنّها في غايةِ الرونْقِ والجَمال.
ويُلبِسُ دُمْيةَ الدُّبِّ بنفسِه.
بذوْقٍ رَفيع.
إنَّهُ يسْتطيعُ أن يُساعدَ أباهُ في
ربْط مَرْيوله! (في المعجم: مرْيلة ومرولة)
حسنٌ حقّاً، أن يتمكّنَ الصّاحبُ من كلّ هذا بنفسِه،
فكّرَ الأبُ مليّاً.
-
هل أسْتطيعُ أنْ استقْرضَ بكْرةَ خيطان؟ يسألُ برهان.
(إنها بكْرةٌ سَميكةٌ حقّاً ولذلك يستعْمِلُها عادةً الأبُ فقط.)
-
طبعاً تستطيعُ، يُجيبُ الأبُ
ويفكِّرُ كم جيّد أنْ
يتعلَّمَ الصاحبُ أن يتدبّرَ الأمرَ بنفسِه.
-
هيّا خذْ! طالما أنّك لن تُفَكْفِكَ البكرة.
-
لا بالطّبع. لقد صِرْتُ ماهراً، يقول برهان.
يُريدُ برهان أن يربِطَ خيطاً طويلاً
في مكانٍ ما. ربّما من خِزانة المطْبخ إلى أحَدِ الصناديق.
يا أبي، هل أستطيعُ ربْطَ خيطٍ منَ المطبخِ لأحدِ الصناديق؟
- طبعاً تسْتطيعُ، ردّ الأبُ.
(فكِّروا كم حسنٌ أن يكونَ الصاحبُ قادراً بنفْسه.)
- هل أستطيعُ أن آخُذَ بكرةَ الخيطان؟ يسألُ برهان.
- طبعاً تسْتطيعُ، يجيبُ الأبُ.
هل أستطيعُ أن أربُِطَ جرَسَ الطعامِ بالخيْطِ؟
يسألُ برهان ثانيةً.
- هيّا تفضَّلْ، اربُِطْ واعْقِد،
الأبُ يسمَحُ.
منَ الممكنِ ربطُ جرسِ الباب،
بحيثُ يُخشْخشُ ويُحذّرُ،
إذا ما أراد أحدٌ فتْحَ الباب.
عندَها هنالك حاجةٌ لخيْطٍ طويل،
لإحْكامِ تثبيتِ يد (مِقْبض) الباب.
برهان يربُِط ويعقِد.
عُقَدٌ جديدةٌ من جديد وخيوطٌ أطولُ …
… بشكلٍ يُجْبرُ الأبَ على التخطّي والقفْزِ فوقَها…
… والانْحناء من تحتها ...
… وهكذا لا يُمكنه الحُصولُ
على ملاعقِ الطّعام، لأنَّ الصناديقَ كافّةً
مربوطةٌ جيداً بالخيطان.
في الوقتِ ذاتِه رنّ جَرَسُ الباب!
شخصٌ ما يُحاولُ الدخولَ!
وليم وميلا قادمانِ للّعِب.
إلا أنَ بُرهان لا يستطيعُ أنْ يفْتحَ البابَ.
إذ أنّه ربَط هناك خيطاً.
- دَعْنا ندخُل!
يَصيحُ الولدانِ عبرَ شقّ (فتْحة) الرَّسائل.
انْتظِرا قليلاً! يردُّ برهان و…
الآنَ فقطْ يُلاحِظ كم مرّة
اليومَ قد قام بصُنع العُقَد وربْطِ الخيطان …
آه، يا سلام، ما أكثرَها!
لا عجَبَ في أنّ البابَ لا يُفتَحُ.
لكنْ كيف يتسنّى للضّيوف الدُّخول؟
وإذا بالأبِ في اللحْظة ذاتِها يتعثّرُ بالخيْط -
ويسقُطُ جاطُ الحِساءِ المملوءُ على المصْطبة -
وأخيراً ينفَتحُ البابُ …
-
يا للهَوْل! وليم وميلا يدْخُلانِ منَ الباب
ويريانِ ما أروعَ التليفريك (الحبْلُ الطويلُ المعلَّق
حيث عُلّقتِ الدُّمى في صناديقَ
إنّها في غاية الروْعة!
يُشاهدانِ فقطْ ذلكَ الحبلَ ويَنويانِ
اللعِبَ فوراً بغضِّ النَظَر
عن وُجُود خُيوطٍ وحِبال متنوِّعة
كان برهان اليومَ قد ربطَها.
إلا أنَّ الأبَ لاحظَ ذلكَ. فهو قد وقَعَ قبلَ قليل!
-
كَفى الآنَ، يقولُ الأبُ. - يجِبُ إخلاءُ (ضبّ) كلِّ شيء
باستثْناء الحبْلِ المعلَّقِ في الهواء
ويأْخذُ بمساعَدةِ الأولادِ …
فكُّ الخيوطِ، وجمعُها
وتنظيفُ المصْطبة.
ويستطيعُ برهان أن يربُِطَ
مريولَ أبيهِ النظيفَ!
بعدَ هذا يَهتمّ الأولادُ بالحبْل المعلّق
ويلعَبونَ ألعابَهم
الحلوةَ التي ٱخترعَها برهان