تقول الكاتبة إليزابيث هيرلوك: إذا عاش الطفل في بيئة تخيفه.. تعلم أن يكون متوجسا للشر، وإذا عاش في بيئة تشجعه.. تعلم أن يثق بنفسه، وإذا عاش في بيئة تكرهه.. تعلم أن يحارب الآخر، وإذا عاش في بيئة توفر له الأمن.. تعلم أن يتعامل بصدق.. لعل هذه الأسطر الصغيرة تعطينا فكرة عن تنشئة الأطفال والبيئة التي يجب أن تتوفر لهم.أما بالنسبة لما تخفيه هذه الأسطر خلفها فهي ظاهرة العنف ضد الأطفال، حيث تعد ظاهرة العنف من أكثر الظواهر التي تسترعي الاهتمام سواء من الجهات الحكومية أو المدرسة أو الأسر. والعملية التربوية مبنية أساساً على التفاعل الدائم والمتبادل بين الطلاب ومدرسيهم حيث أن سلوك كل منهم يؤثر في الآخر ولعل أهم الأسباب التي تقف وراء ظاهرة العنف، أولاً طبيعة المجتمع الأبوي والسلطوي/فعلى الرغم من التطور الذي يمر به مجتمعنا إلا أن جذور السلطة الأبوية مازالت مسيطرة فعلى سبيل المثال استخدام العنف من قبل الأخ الكبير أو المدرس هو أمر متاح ومقبول في إطار المعايير الاجتماعية السليمة وحسب النظرية النفسية الاجتماعية فان الإنسان يكون عنيفاُ عندما يتواجد في مجتمع يعتبر العنف سلوكاً ممكناً ومتفقاً عليه. وتشير الدراسات أن الطالب خارج المدرسة يتأثر بثلاث محاور وهي العائلة- المجتمع- الإعلام وبالتالي يكون العنف المدرسي هو نتاج للثقافة المجتمعية العنيفة. ومن ثاني العوامل التي تعتبر من أسباب العنف هي المجتمع التحصيلي/ففي كثير من الأحيان نحترم الطالب الناجح فقط ولا نعطي أهمية وكياناً للطالب الفاشل تعليمياً وكثيراً ما نرى أن العنف ناتج عن المنافسة والغيرة والطالب الذي يعاقب من قبل معلمه باستمرار يفتش عن شخص يمكنه ان يصب غضبه عليه. وثالث العوامل هي العنف المدرسي الذي هو نتاج التجربة المدرسية هذا التوجه يحمَل المسؤولية للمدرسة من ناحية خلق المشكلة وطبعاً من ناحية ضرورة التصدي ووضع الخطط لمواجهتها والسلوكيات العنيفة التي هي نتاج المدرسة يمكن تقسيمها إلى: تغيرات مفاجئة داخل المدرسة والجو التربوي بشكل عام: فعدم وضوح القوانين وقواعد المدرسة ولا يعرف الطالب حقوقه (إذا كان له حقوق) ولا واجباته واكتظاظ الصف بالطلاب والمنهج الذي يعتمد على التلقين والطرق التقليدية كل هذا يخلق العديد من الإحباطات عند الطلاب والذي يدفعهم إلى القيام بمشاكل سلوكية إضافة إلى استخدام المعلمين للعنف والذين هم نموذجاً للطلاب. إحباط وكبت وقمع للطلاب حيث نجد أن متطلبات المعلمين والواجبات المدرسية التي تفوق قدرات الطلاب وإمكانياتهم فنحن كما ذكرنا من قبل في مجتمع تحصيلي والتقدير فقط للطلاب الذين تحصيلهم عالي. عوامل كثيرة تؤدي إلى إحباط الطالب وتقوده الى العنف فعلى سبيل المثال: 1- عدم التعامل الفردي مع الطالب وعدم مراعاة الفروق الفردية داخل الصف 2- لايوجد تقدير للطالب كانسان له احترامه وكيانه 3- عدم السماح للطالب بالتعبير عن مشاعره فقد يقوم المعلم بإذلال الطالب وإهانته إذا أظهر غضبه. 4- التركيز على جوانب الضعف عند الطالب والإكثار من انتقاده 5- الاستهزاء بالطالب والاستهتار بأقواله وأفكاره ووجود مسافة كبيرة بين المعلم والطالب حيث لا يستطيع محاورته أو نقاشه حول علاماته أو عدم رضاه من المادة 6- وأخيراً المنهج ومدى مراعاته لاحتياجات الطلاب هنا المسؤولية لا تقع كاملة على المعلم فالمعلم الذي يستلم صف فيه 40 طالب لن يستطيع التركيز على جميع الطلاب إذاً النصف الثاني من المسؤولية يقع على الأهل من حيث توفير جو آمن وبيئة تشجعه وتثق به بالإضافة إلى إشباع حاجاته النفسية من الحب والحنان والعطف والانتباه إلى أن العقاب يجب أن يكون في الحدود المعقولة فالهدف من العقاب هو إصلاح الخلل السلوكي وليس معاقبة الطفل في شخصه او كرامته. إذاً البيئة غير المواتية التي تفتقر إلى النمو الشامل المتكامل يمكن أن تشوه الرسالة الوراثية المحددة مسبقاً.وإذا كنا مقتنعين أن الأطفال هم صانعين الغد وكل المستقبل وان هذا الغد يبدأ اليوم تصير دراسة واقع الطفل ومشكلاته واستكشاف سبل هذه الأخطار ضرورة لازمة.
رنا نصر، (هل تساهم الآلية المدرسية في تكريس العنف ضد الأطفال؟!) خاص: مرصد نساء سورية