يجلسان معا يستمتعان بلحظات من الحب، يعلو صوت أغنية تنبعث من شاشة التلفاز المعلق في الزاوية الأخرى من المقهى تسكت للحظات تستمع للأغنية الجميلة تمتد يدها بحركة عفوية لتداعب أناملها الصغيرة خصلات شعرها المنسدل على أكتافها، تغيب نظرتها وابتسامة صغيرة ترتسم على وجهها لتتباعد شفتاها وتبدأ بالغناء مع المطربة، هذا المشهد لم يستغرق أكثر من دقيقتين مرتا على حبيبها الذي يراقبها مذهولا وكأنهما شهرين... ينتفض فجأة ويمسكها من ذراعها، يهزها بقسوة، يغدو شخصا آخر غير الذي تعرفه، غير الذي أحبته... يصرخ بها غير آبه بالموجودين في نفس المكان ويسألها معاتبا مهددا رافضا مستنكرا جرأتها على الغناء والشرود في حضرته، يسبح خياله بعيدا.... لابد وأن هذه الأغنية أعادت إليها ذكرى ما مع شخص من الماضي كانا معا يحبانها ويستمعان إليها وهو يلعب بشعرها بينما هي مستلقية في أحضانه!!!! ذُهلت الفتاة وهي تستمع للسيناريو الذي كتبه خيال حبيبها... حبيبها الذي لا يتردد عن الغناء مع أي أغنية تعجبه في المطعم في السيارة في الشارع وفي أي مكان ولا يتوانى عن مدح جمال جسد هذه المطربة أو التغزل بتلك الفتاة المارة في الشارع دون أن يخطر ببال حبيبته أنها قد تشبه صديقته القديمة أو أن تلك الأغنية أو ذاك المكان يحمل ذكرى ما! مشهد يتكرر مرات عديدة لنرى هذه الفتاة ومثلها كثيرات بعد تلك " العلقة الساخنة " تتأبط ذراع حبيبها وتغمره بحبها وحنانها المتجدد يوما بعد يوم متناسية ما حصل معها، غافرة ما قد يحصل في المستقبل. لا اعلم إن خلقت المرأة بهذه الطبيعة العاطفية المفرطة فتسامح وتغفر وتنسى وتعتبر أي غلطة يرتكبها رجلها في حقها نزوة عابرة وهي مستعدة دائما لقلب الصفحة بيدها ليبدأا معا من جديد أم أنها اكتسبتها فيما بعد نتيجة عوامل طبيعية وبشرية ومجتمعية وتربوية وتقليدية وذكورية و... و.... ولماذا تعتبر أي هفوة صغيرة من المرأة أو مجرد سوء فهم لموقف حصل يمكن له أن يدمر الرجل الجاهز دائما ليدمر علاقة دامت لسنوات طويلة مفضلا تمزيق الكتاب بيده على أن يقلب الصفحة ويبدأ من جديد! و لا نعلم إن كان دافع من أطلق عليهن لقب "الجنس اللطيف" هو الطبيعة الفيزيولوجية للمرأة أم أن هناك غايات مخبأة ظهرت نتائجها فيما بعد، فهذا المخلوق اللطيف عليه أن يكون لطيفاً لدرجة نسيانه وغفرانه لأي اهانة أو جرح أو عنف بكل أشكاله. و لكن لماذا يتم التجاهل أن هذا الجنس اللطيف القادر على غفران اكبر جرح قد يتعرض له من الطرف الآخر فأنه بالمقابل يُجرح ويتألم وله الحق بالغفران هو أيضا! الرجل لا يستطيع التخلي عن المرأة شريكة حياته، يريدها أم وأخت وابنه وزوجة وصديقة، يطلب منها الحب والحنان والعطف والاهتمام والرعاية، يتوقع منها الغفران والنسيان لكل أخطائه، عليها أن تثبت له دائما أنها تستحق تسمية "الجنس اللطيف" فتكون لطيفة في كلامها وأفعالها وأفكارها و.... و... ومع ذلك كثيرا ما يعامل هذا الجنس اللطيف بكل قسوة. لا يستطيع أي رجل أن يتخيل عدم وجود امرأة في حياته، يبكي على صدرها في لحظات انكساره، يحتاج دعمها وتشجيعها في كل خطوة يخطوها في عمله، يحتاج أن يرى ابتسامتها في لحظات فرحه، وأن تصفق له في لحظات نجاحه، أن تكون ملهمته وغايته ووسيلته، أن توفر له كل وسائل الراحة والأمان وتغمره بحبها وحنانها ولا تتخلى عنه، تستمر في دفعه من الوراء حتى يتقدم إلى الأمام ويحقق النجاح لأن الرجل وإن كان لا يستطيع الاستمرار بالحياة دون وجود المرأة لكنه يريدها دائما وراءه وليس إلى جانبه.... نعرف جمعيا نماذج كثيرة عن نساء ضحين من اجل نجاح أزواجهن ولم نسمع عن رجال وقفوا بجانب زوجاتهم حتى يحققن النجاح ومن هنا نجد أن مقولة "وراء كل رجل عظيم امرأة" لم تأتِ من عبث ولم يقل أحد "وراء كل امرأة عظيمة رجل"!! و طالما سمعنا عن نساء تميزن وانطلقنا إلى الأمام بعد ابتعادهن عن الرجل وهذه ليست قاعدة ولست أدعو إلى خراب البيوت لكن هذه حقائق وعلى المشككين والمشككات أن يقرؤوا في سِيَر الكثير من النساء.
حنان عارف، (... فمن وراء المرأة العظيمة إذاً؟)