هنادي زحلوط
بعد آلاف السنوات على قيام المجتمع السوري التي برهن فيها على أنه مجتمع العيش المشترك، وبعد عشرات السنوات على قيام سورية كدولة معاصرة تسعى للنهوض بسواعد أبنائها كافة، والمصادقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل، نستيقظ فجأة لنرى مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي رمته فوق رؤوسنا "أيد خفية" كلفتها الحكومة السورية لصياغته، ينسف المجتمع محطما إياه إلى طوائف ومذاهب يزدري بعضها بعضا، إلى "رجل" يملك، و"زوجة ومطلقة وأرملة" تتحول إلى تابع وسلعة وخادمة متعة، قائلا "لا" للقيم الإنسانية ولحقوق الإنسان جميعها!
وإذا كنا اعتدنا بديهية أن الأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع، فإن هذا القانون يهدم الأسرة من الداخل وصولا إلى تحطيم المجتمع برمته، عبر مواد أقل ما يقال فيها أنها طائفية وتمييزية وإقصائية!
وعوضا عن أن يتم بناء الأسرة كمؤسسة اجتماعية تعلي من قيم المساواة والعدالة بدءا من الزواج، فإن مشروع القانون الجديد يجرّد السوري من إنسانيته رجلا كان أم امرأة محوّلا إياه إلى "كائن طائفي" معرّيا إياه من مواطنيته ومعلياً من سلطة الطائفة لتصبح السيادة لها، عوضا عن سيادة الدولة فيما يختص بأمور الزواج، أهم عقد شراكة في المجتمع على الإطلاق!
يطالعنا مشروع القانون الجديد في المادة 13 منه والتي تنص "عند اختلاف طائفة الزوجين تكون المحكمة الروحية المختصة بالنزاع المتعلق بالحقوق المبينة في المادة السابقة هي محكمة الطائفة التي ينتمي إليها الزوج" وفي هذا مخالفة واضحة وتناقض مع ما ينص عليه الدستور من مطالبته بالمساواة الدينية بين الرجل والمرأة!
أما في المادة 15 فيرد فيه أن المحكمة الشرعية تختص في الأمور الآتية:
1-الإذن للنائب الشرعي وغيره في الأحوال التي يوجب فيها القانون إذن القاضي الشرعي.
2-تنظيم الوصية والوقف الخيري والحقوق المترتبة عليه.
3-إشهار الإسلام وعقود الزواج وتثبيتها والطلاق والمخالعة.
4-حصر الإرث الشرعي ونصب النائب الشرعي لناقص الأهلية وعديمها والمحكوم عليه بعقوبة جنائية.
5-المساعد القضائي للأصم الأبكم أو الأعمى الأصم، أو الأعمى الأبكم إذا تعذر عليه التعبير عن إرادته.
6-فرض النفقة وإسقاطها بالتراضي.
7-نسب الولد بإقرار أبويه.
8-جميع الأمور الإدارية والمالية المتعلقة بالقاصرين والمحجور عليهم وبإثبات الأهلية.
وفي هذا توسيع لسلطة المحاكم الشرعية بدلا من تقليصها لمصلحة سيادة المحاكم المدنية وسيادة الدولة وقانونها المدني!
وأما فيما يختص بالنيابة العامة الشرعية فقد ورد في المادة 21 تدخل النيابة في بعض قضايا الأحوال الشخصية: على النيابة العامة أن ترفع الدعاوى أو تتدخل فيها إذا لم يتقدم أحد من ذوي الشأن وذلك في كل أمر يمس النظام العام وأهمها:
1-الزواج بالمحرمات حرمة مؤبدة أو مؤقتة.
2-إثبات الطلاق البائن.
3-فسخ الزواج.
4-الأوقاف والوصايا الخيرية.
5-دعاوى النسب وتصحيح الأسماء والمفقودين وتصرفات المريض مرض الموت بناء على طلب من ذوي الشأن فيما يتعلق بالمريض.
3-ويكون للنيابة في هذه الأحوال ما للخصوم من حقوق.
4-تعتبر النيابة العامة ممثلة في الدعوى متى قدمت مذكرة لإبداء رأيها فيها، ولا يتعين حضورها إلا إذا رأت المحكمة ذلك.
5-وفي جميع الأحوال لا يتعين حضور النيابة عند النطق بالحكم وفي جميع الأحوال التي ينص القانون على تدخل النيابة يجب على المحكمة إبلاغ النيابة كتابة، وإذا عرضت أثناء نظر الدعوى مسألة تتدخل فيها النيابة فيكون تبليغها بأمر من المحكمة.
6-تمنح النيابة بناء على طلبها خمسة عشر يوماً على الأقل لتقديم مذكرة من تاريخ إرسال القضية إليها وللنيابة حق الطعن في الحكم ولو لم تكن قد تدخلت.
وإذا كان مصطلح "النظام العام" لم يحدد بدقة، فإن صلاحيات النيابة العامة الشرعية الواردة في هذه المادة لم تترك لنا إلا أن نترحم على أيام القانون المعمول به حتى هذه اللحظة الذي كان يعقد أمام قاضي المنطقة في المحاكم العادية و كنا نطالب أمام مواده بصياغة قانون زواج مدني يكرّس قيم المواطنة بما لا يتعارض مع ممارسة المواطنين لحرياتهم في إقامة طقوس الزواج الديني كما يرتئون!
وتناقضا مع اتفاقية حقوق الطفل التي تشدد على أن الفرد طفل قبل بلوغه الثامنة عشر، وخلافا مع أسس المنطق السليم تورد المادة 44 و 45 من مشروع القانون:
المادة 44
1-تكمل أهلية الزواج في الفتى بتمام الثامنة عشرة، وفي الفتاة بتمام السابعة عشرة من العمر.
2-يحق للقاضي بناء على طلب من اكتملت أهلية الزواج لديه أن يطلب من الأب ميسور الحال أن يزوجه تحقيقاً للمصلحة.
المادة 45
1-إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة أو المراهقة بعد إكمالها الثالثة عشرة وطلباً الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما.
2-إذا كان الولي هو الأب أو الجد اشترطت موافقته.
فهل يعقل أن تكون الفتاة بعمر الثالثة عشرة، مهما كان طولها أو عرضها، قادرة على بناء أسرة مع احتمال أن تصبح أما بعدها بأشهر، وقبل إكمالها الرابعة عشرة؟ هل يستطيع الطفل تربية طفل آخر بكل ما تحمل كلمة تربية من معنى؟ وفي حال كان الطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، فأي رعاية وتربية سيلقى هذا الطفل؟ وأي "بلوغ وعقل" يقبل بهما القاضي كشرط في مثل هذا العمر لإتمام هذا الزواج ومباركته؟
وكما في القانون الساري المفعول فإن المرأة في مشروع القانون القادم تبقى قاصرا مهما بلغت من العمر وبغض النظر عن مؤهلاتها وخبراتها فإنها لا تزوّج نفسها بل يزوّجها وليّها، في انتقاص سافر من حقوقها كإنسان وكفرد فاعل في الحياة والمجتمع والدولة التي تجلس في مناصبها الوزارية والنيابية نساء لا يملكن حتى حق تزويج أنفسهن!
تقول المادة 53 من مشروع القانون العتيد:
المادة 53
1-إذا زوجت الكبيرة نفسها من غير موافقة الولي فإن كان الزوج كفؤاً لزم العقد وإلا فللولي طلب فسخ النكاح.
أبمثل هذا القانون نريد للمرأة أن تتمكن من خياراتها؟ وإذا كان هذا قانوننا في العام 2009، فأي مستقبل ينتظرنا؟
ليس هنالك بديل لنا عن رفع الصوت عالياً كمواطنين، رجالاً ونساءً وأطفالاً في وجه مشروع القانون الذي يتربص بنا جميعاً، ومن المطالبة بمشروع قانون يتفق وإنسانيتنا، وينظر إلى حقوقنا المدنية كمواطنين في دولة قانون، وليس ككائنات طائفية يأكل بعضها حقوق بعض!
وإن كنا عازمين حقا على المضي قدماً في مسيرة تطوير مجتمعنا فلا بد من قانون زواج مدني يحترم حقوقنا وخياراتنا في العيش وبناء الحياة، وإلا فالاستسلام لمثل هذا القانون الوحشي الذي سيقضي على ما تبقى لنا من إرادة في الحياة بكل خياراتها!
هنادي زحلوط، (مشروع قانون "الأحوال الطائفية": لا خيار أمامنا إلا رفضه حفاظاً على ما تبقى لنا من حقوق الإنسان) عن موقع "الثرى"، (6/2009)