تحمّلتُ معها بعضاً من متاعبها

كانت زميلتي في الكلية، وكانت جامعة دمشق في مطلع سبعينيات القرن الماضي تضم نصف عدد طلاب كلية الآداب في وقتنا هذا. طلبت مني في أحد الأيام مرافقتها في رحلة العودة إلى بيتها في أحد أحياء دمشق القديمة، ورغم قناعتي بأن هذا الطلب لا يخفي نوايا أخرى، لكن سقف آمالي ارتفع إلى السماء.. تمنيت أن يتوقف الزمن.. وأن يبتعد بيتها كلما اقتربنا منه، لكنها استوقفتني عند مدخل الحي،وانسلّت يدها إلى داخل الحقيبة، وأخرجت "الإشارب" الفضي، وبحركة سريعة أصبح شعرها الذي كان ينسدل على كتفيها كشلال ساحر مكفناً، وعندما لمحت في عينيَ نظرات متسائلة قالت: إنه الثمن الذي يتوجب دفعه كي أتابع تعليمي.. فهل ارتحتْ..؟ لقد أصرّ والدي أن أضع الإشارب كباقي نساء الحارة إذا أردتُ متابعة دراستي الجامعية، وها أنا أنفذ طلبه كلما خرجت.. أو دخلت إلى الحارة. تجرأت يوماً ودعوتها إلى مشاهدة فيلم "ساكو و فانزيتي" في سينما الكندي، واستخدمت براعتي في شرح أهمية هذا الفيلم، فقصته واقعية.. ومخرجه مشهور. وهكذا أفلحتُ في إقناعها، على أن نذهب في عرض الساعة الثالثة كي لا تتأخر بالعودة إلى بيتها. وصلنا إلى دار العرض، وفوجئنا بالمصورين.. والكاميرات التي تصور مشاهداً لأحد البرامج التلفزيونية، ظننا أن الأمر لا يعنينا، لكن المفاجأة كانت عندما عُرض برنامج "عالم السينما" على شاشة التلفزيون بعد أيام، وكان أفراد عائلتها شهوداً على ظهورها برفقتي، ودون إشارب في إحدى اللقطات عند دخولنا إلى الصالة! صاحت أختها: أليست سمر ..؟ وقالت أمها: والله كأنها هي.. أما سمر فانتابتها بردية شديدة كادت أن تجمّد الدم في عروقها.. وراحت تتوقع الأسوأ ولسان حالها يردد "يخرب بيتك أنت والسينما، راحت علينا الجامعة".. لكن صوت أبيها حسم الأمر بثقة: شو أنتو مجانين.. هذه التي ظهرت لا تضع إشارب..