من الطبيعي ان نتساءل عن سبب تباطؤ المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة حول وضع معاهدة جديدة للحد من الاسلحة الاستراتيجية الهجومية، ذلك التباطؤ الذي لام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عليه الجانب الامريكي. العالم كان ينتظر من الرئيسين دميتري مدفيديف وباراك اوباما في قمة كوبنهاغن المناخية اعلانا حول التوصل الى معاهدة بديلة لمعاهدة "ستارت-١"، لكن ذلك لم يقع. فهل التباطؤ يعود فعلا الى بعض القضايا الفنية التي ادعى الامريكيون انها تحتاج الى مراجعة الخبراء، أم أن في الامر عائقا آخر؟
من المعروف ان الرئيس الامريكي يدعو الى عالم خال من الاسلحة النووية. وكان هذا الشعار واضحا اثناء حملته الانتخابية. لجنة نوبل هي الاخرى انتبهت الى هذه النزعة المسالمة في خطاب باراك اوباما عندما ادرجته على قائمة المرشحين لجائزة السلام. ماذا جرى اذن؟ في السادس عشر من كانون اول/ديسمبر، اي قبل يومين من لقاء الرئيسين الروسي والامريكي على هامش قمة كوبنهاغن، وجه واحد واربعون عضوا من اعضاء مجلس الشيوخ في الكونغرس الامريكي (اربعون جمهوريا والسيناتور المستقل جو ليبرمان)، رسالة شديدة اللهجة للرئيس اوباما انتقدوا فيها توجهاته لاجراء خفض ملحوظ للترسانة النووية "على حساب الامن القومي". ما ازعج الجمهوريين ايضا ان الكرملين والبيت الابيض قررا اجراء خفض للرؤوس النووية يفوق الاتفاقات الاولية التي توصل اليها الطرفان في جولات سابقة من المفاوضات. علاوة على ذلك فان المعارضين للصيغة الجديدة للمعاهدة يربطون بين توقيع الولايات المتحدة عليها وبين تعهد ادارة الرئيس اوباما باجراء تحديث للترسانة النووية الامريكية. بصيغة اخرى فانهم يبتزون رئيسهم: اذا اردت شراء موافقتنا اثناء تصويت الكونغرس على المعاهدة الجديدة، فعليك ان تدفع فاتورة تحديث الترسانة النووية وغير النووية وذلك لدى اقرار ميزانية الدفاع لعام ٢٠١١. ان ابرام المعاهدة في مجلس الشيوخ يتطلب غالبية مطلقة (٦٧ صوتا). ولدى الرئيس الامريكي في احسن الاحوال اصوات ٥٩ ديمقراطيا.
الرسالة الموجهة للرئيس الامريكي تضمنت ايضا استنتاجات وتوصيات لجنة خاصة يرأسها وزيرا دفاع سابقان هما ويليام بيري وجيمز شلسنجر. اللجنة أوصت بما يلي:
اولا، تحديث وتمديد مدة الخدمة للقنابل النووية من طراز بي-٦١ المحمولة من قبل القاذفات الاستراتيجية، كذلك بالنسبة للرؤوس النووية من طراز دبليو-٧٦ المحمولة من قبل صواريخ بالستية تطلق من الغواصات.
ثانيا، تمويل مشروع لتطوير جيل جديد من الرؤوس النووية.
ثالثا، تمويل برنامج جديد لمراقبة وحماية مواقع تخزين الرؤوس النووية.
رابعا، تمويل المشاريع الخاصة بتحديث مركز لوس الاموس للدراسات والصناعات النووية والكيمياء التحليلية ومنشأة أوك ريدج لتخصيب اليورانيوم ومرافق تخزين النفايات النووية.
وهكذا فان باراك اوباما امام خيار صعب، اما ان يلتزم باتخاذ تدابير تضمن للولايات المتحدة دور القوة الرادعة الاولى في العالم، متناسيا وعوده الانتخابية، او ان يسلم بهزيمة اجندته للرقابة على التسلح على ايدي واحد واربعين سيناتورا لا يقبلون باقل من تلبية شروطهم. خياران احلاهما مر.
سلام العبيدي
واشنطن