جاءت صيحة كارل ماركس "يا عمال العالم اتحدوا" شعاراً اتخذته الأحزاب الشيوعية منطلقاً لتوحيد الطبقة العاملة في هذا الكوكب، لكن لم يدرك فلاسفة الجدليات المادية والتاريخية، أن فقير الصومال، يختلف عن المعوِز الأندونيسي، وأن بروليتاري لندن أكبر من برجوازي نيكاراغوا، وأن الفواصل في المؤثرات الاجتماعية والأديان والتقاليد والموروث الثقافي والتاريخي هي موانع طبيعية في تلاقي تلك الطبقة..
لقد غزا الفكر الماركسي معظم دول العالم بما في ذلك قلاع الرأسمالية عندما نشأت أحزاب شيوعية كانت مؤثرة في إيطاليا، وفرنسا واليونان وألمانيا وغيرها، ولولا طبيعة أنظمة تلك الدول الديموقراطية لوصلوا للحكم، لكن سيغيرون جلودهم لأن ثقافة الحرية تتناقض ودكتاتورية البروليتاريا، وحتى الذين انخرطوا في الثورات الوطنية ذات الاتجاه اليساري أدركوا أن الوطنية والقومية والدين وحتى البيئات الاجتماعية فواصل حادة..
نفس الاتجاه أعجز الكنائس الأوروبية عن أن تتوحد تحت راية بابا واحد، عندما انفجرت الكنائس على بعضها في حروب بين الأرثوذكس، والكاثوليك، والبروتستانت مع فرق أخرى، لأن طبيعة المجتمعات غالبة بصورة عامة، وربما الاستثناء الوحيد بدولة الخلفاء الراشدين الذين خرجوا عن سلوك الدول بوحدة نقية ومثالية، دخلت مرحلة الخصومات مع بدايات الفتنة الكبرى، وحالات الانقسام بين الفرق، وعناصر التشدد والانفتاح و«الثيوقراطيين» و«الراديكالين» ضد العلمانيين والليبراليين، وحتى الإصلاحيين، ولعل البيئة والتقاليد يلعبان الدور المؤثر في التربية والسلوك والانغلاق، والانفتاح، حتى إن التلازم بين القبيلة ، والدين يعطي المنهج صورة مغايرة لجوهر الدين وعقيدته..
لنأخذ الانشقاقات التي حدثت بين السوفيات الذين قامت ثورتهم على العنصر العمالي، والصينيين الذين اخترق زعيمهم «ماوتسي تونغ» مسلّمات السوفيات لتقوم ثورتهم على الفلاحين والذين هم في نظر السوفيات برجوازيون صغار، وكانت سبباً في انقسام حاد بين أصحاب الأيدلوجيا الواحدة، لدرجة القطيعة..
أما أصحاب العقائد الأخرى فلم يكن الجامع بينهم إلا العرق، ولذلك وجدت الطبقية العرقية بين السادة والعبيد، والدماء النقية والمنبوذون، وخاصة في الهند، ولا يزال إيقاع القبيلة في المجتمعات العربية والأفريقية قائماً تصنف عليه فئات المجتمع بمقاييس ما يشبه الفصل بين الأعراق والأجناس، وهو نفس الخلل الذي أدى إلى الحروب ولا تزال الصومال وباكستان، والسودان، نماذج لأزمات متلاحقة وموروثة..
عموماً توحيد المجتمعات خارج الأيدلوجيا والتصنيفات الأخرى لا بد أن يمر بثقافات متعالية وقوانين، وتجارب، ولا يتحقق إلا بوعي يماثل ما يحدث الآن في الاتحاد الأوروبي والنافتا..