بعد شهور من الانتظار والترقب العربي، انتهى لقاء الرئيس الأمريكي أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى مزيد من الغموض حول مصير العملية السلمية، ولم يجد أغلب المراقبين جواباً على السؤال الرئيس اليوم: فيما إذا كان أوباما سيمارس ضغوطاً حقيقية تؤدي إلى نتائج ملموسة على بنيامين نتنياهو؟! أوباما بدا، بعد اللقاء، متمسكّاً بموقفه الداعم لإقامة دولة فلسطينية، ومطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان، فلم يتأثر بطروحات نتنياهو حول عدم أهلية الفلسطينيين، والدفع باتجاه حكم ذاتي وتسوية تركز على القضايا الإقتصادية اليومية بدلاً من الولوج إلى قضايا الحل النهائي وما تستبطنه من إشكاليات عميقة مرتبطة بالقدس والأرض والمستوطنات واللاجئين.
قراءات مختلفة للنص والموقف! عدم قدرة نتنياهو على إقناع أوباما برؤيته السياسية، يعده مراقبون أردنيون إنجازاً جيّداً، ويسجّل - حسب رأيهم - بالدرجة الأولى للملك عبد الله الثاني، الذي سبق نتنياهو للقاء أوباما، مؤكداً على أهمية "حل الدولتين"، وعلى خطورة طروحات نتنياهو على الأمن الإقليمي بأسره.
لكن في الوجه الآخر، الأكثر مدعاة للقلق، فإنّ نتنياهو خرج بعد اللقاء بتصريحات تؤكد على رؤيته، التي لا تؤمن بالدولة الفلسطينية، وتدفع نحو حكم ذاتي فقط، ما يعني أنه لم يلمس هنالك موقفا أمريكيا حاسما يدفعه إلى التراجع عن عناده ومواقفه التي تنسف العملية السلمية من جذورها، وتخلق حالة عميقة من الشك فيما تمّ تحقيقه على أرض الواقع من اتفاقيات سلام مع كل من الفلسطينيين والأردنيين والمصريين.
المفارقة التي صدمت النخبة السياسية الأردنية، أنه وبالتزامن مع انعقاد لقاء أوباما- نتنياهو، كانت الهيئة العامة للكنيسيت الإسرائيلي تمرر موضوع اعتبار "الأردن دولة فلسطين" بمبادرة من النائب المتطرف أرييه إلداد، وبدعم من الائتلاف الإسرائيلي الحاكم. وقد أحال النائب في معرض طلبه ذلك مفهوم "حل الدولتين"، "لكن على طرفي النهر". مضيفاً "إنني اقترح الاعتراف بالأردن على أنّها فلسطين، لهم (الفلسطينيون) دولة وهي في الأردن، والفلسطينيون الذين يريدون دولة فلسطينية عليهم الانتقال إلى هناك..".
ثمة وجهتا نظر لدى النخبة السياسية الأردنية، المقربة من "مطبخ القرار"، في تقييم لقاء أوباما- نتنياهو، ومستقبل التسوية السلمية، الأولى تدفع أنّ إدارة أوباما ستضغط على إسرائيل نحو تقديم تنازلات جوهرية وإقامة دولة فلسطينية، أما الثانية فتدعو إلى الاستعداد للإعلان عن نعي التسوية السلمية..
نتنياهو يفشل في التأثير على أوباما المحلل السياسي الأردني، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة نبراسكا بالولايات المتحدة الأمريكية، د. حسن البراري يرى أنّ "أوباما صمد على موقفه بتبني حل الدولتين، باعتباره الحل الوحيد المقبول من قبل الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي". وهذا بحد ذاته فشل كبير لنتنياهو، الذي عجز عن صوغ رؤية الإدارة الأميركية الجديدة نحو الشرق الأوسط.
ويشير البراري، في تصريحات خاصة لسويس أنفو، إلى ظاهرة نادرة الحدوث خلال زيارة نتنياهو، تتمثل بالاستقبال النقدي الحاد من الصحافة الأمريكية الرئيسة لنتنياهو، وهو مؤشر مهم في تحول الموقف الأمريكي. ويذهب البراري إلى أبعد من ذلك، في تحليله للمشهد العام، بالإشارة إلى أنّ دور اللوبي الإسرائيلي نفسه لم يعد قادراً على خلق زخم سياسي لأطروحاته في أروقة الإدارة الأمريكية.
فيما إذا كانت الإدارة الأمريكية قادرة هذه المرة على ممارسة ضغوط على إسرائيل لدفعها نحو التسوية النهائية، يجيب البراري بالإيجاب. ويرى أنّ أوباما كان صارما واضحاً في حديثه حول "حل الدولتين"، ما يعني أنّ الإدارة الأمريكية ستدشن استراتيجية جديدة للمضي في التسوية السلمية على هذا الأساس.
ويضيف البراري أنّ "تصريحات أوباما بمثابة الإنذار لنتنياهو لإعادة النظر في حساباته، والعودة إلى تل أبيب لترتيب بيته الداخلي وفقاً لرؤية الإدارة الأمريكية، لا ما حاول تسويقه هو هناك في واشنطن".
في المقابل، يقلل البراري من خطورة قرار هيئة الكنيسيت الإسرائيلي مناقشة قرار اعتبار الأردن فلسطيني، مشيراً إلى أنّ هذا موقف مجموعة متطرفة، فيما تأخذ القوى السياسية الإسرائيلية الكبرى، بما فيها الليكود، مواقف مختلفة، ما يعني أنّ هذا الموقف لا يعكس "تحولاً نوعياً" في الوسط السياسي العام داخل إسرائيل، ولن يجد طريقه إلى تبن رسمي من الكنيست.
على النقيض من ذلك، يذهب البراري، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، إلى أنّ قرار مناقشة هذه القضية يعكس بالدرجة الأولى عمق الأزمة الداخلية في إسرائيل، وعجز النخب السياسية هناك عن مواجهة معادلة السكان والأرض والإجابة على الأسئلة الأساسية التي تواجه مستقبل إسرائيل اليوم، مما خلق فراغاً سياسياً كبيراً حاولت المجموعة المتطرفة ملأه من خلال هذه المبادرة.
يتفق المحلل السياسي، فهد الخيطان، مع البراري في أنّ نتنياهو فشل في جر أوباما إلى طروحاته، وهذا بحد ذاته جيّد، ويضيف "بالتأكيد لم يكن رهان العرب على أن نتنياهو سيغير مواقفه، لكن كان الخوف الحقيقي من تحول في موقف أوباما، وهو ما لم يحدث، إذ أصرّ كل منهما على رؤيته".
ويبدو الخيطان أقل تفاؤلاً من البراري في مستقبل العملية السلمية إذ يرى أنّ أفضل ما يمكن لأوباما القيام به هو "تثبيت حل الدولتين على الطاولة، واستبعاد طرح اليمين الإسرائيلي المتطرف"، لكن الخيطان الذي يرى أن أوباما سيعلن خطته للتسوية قريباً، لن يراهن على تغيير قناعات نتنياهو، بقدر ما سيسعى إلى التأثير على "المعادلة الداخلية الإسرائيلية" وإعادة ليفني إلى الواجهة السياسية في إسرائيل.
اليهود الأميركيين يدعمون لأوباما! في هذا السياق يشير مدير مركز المشرق الجديد للدراسات والأبحاث النوعية، جهاد المحيسين، في تصريح خاص بسويس أنفو، إلى استطلاع أخير نشرته منظمة جي استريت، وهي منظمة يهودية أمريكية توصف بالمعتدلة، حول موقف اليهود الأمريكيين من التسوية السلمية.
اللافت في الدراسة أنّها أشارت إلى تأييد عال من جانب اليهود الأمريكيين لسياسات أوباما في الشرق الأوسط (نسبة 73%) تفوق نسبة تأييد نتنياهو (58%) من المبحوثين. فيما يذهب (69%) من المستطلعين إلى تأييد دور أمريكي نشط في السلام، حتى لو أدى ذلك إلى انتقاد سياسات الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. بينما تتراجع النسبة إلى (52%) إذا أدى ذلك الدور إلى معارضة سياسات إسرائيل.
الملاحظة الجوهرية التي يشير إليها المحيسين في الاستطلاع أنّ (69%) يؤيدون التسوية السلمية التي تقوم على أساس حل الدولتين، فيما تؤكد النسبة نفسه معارضتها لأطروحات وزير الخارجية اليميني أفيغدور ليبرمان حول ترحيل فلسطيني الـ(48).
انتكاسة كبيرة للآمال العربية على الجهة الأخرى من الآراء السابقة، يرى الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة "الرأي" اليومية، عبد الله أبو رمان، أنّ لقاء أوباما- نتنياهو كان انتكاسة كبيرة للآمال العربية المعلقة على التسوية السلمية، وعكس ضعف الإدارة الأمريكية في ممارسة أي ضغوط على إسرائيل.
ويفسر أبو رمان ذلك، في تصريح خاص بسويس أنفو، أنّ نتنياهو نجح في التهرب من إعلانه الالتزام بحل الدولتين وبوقف الاستيطان، وقدم حلولاً تمويهية تمكنه من الهروب من هذه الاستحقاقات، ما يجعل الأجندة الأمريكية مفتوحة على خيارات عديدة في المنطقة.
في المقابل نجح في انتزاع سقف زمني من الإدارة الأمريكية للحوار مع إيران إلى نهاية العام الحالي، ما يعني أن عدم الوصول إلى حلول مع نهاية السنة، سيدفع الإدارة الأمريكية للبحث عن خيارات أخرى في التعامل مع طهران، من ناحية أخرى هذا السقف الزمني يمنح نتنياهو مزيداً من الوقت لبناء المستوطنات وتنفيذ أجندته على أرض الواقع، بعيداً عن ضغوط فعلية من الإدارة الأمريكية.
الموقف العربي: مراقبة ومحدودية في الخيارات في الوقت الذي ترصد فيه الدوائر السياسية الرسمية العربية تطور العلاقة الأمريكية- الإسرائيلية، يبقى رهانها الرئيس وقد يكون الوحيد المعلن على قدرة أوباما على ممارسة الضغوط على الحكومة اليمينية الإسرائيلية، أو التأثير على اللعبة السياسية هناك، بينما لا تقدم الحكومات العربية أي جواب على السؤال الذهبي: ماذا لو فشل أوباما وتعثرت العملية السلمية أو أعلنت وفاتها حقّاً، ماذا سيصنع العرب؟!
د. حسن البراري يطالب الحكومات العربية بالتخلي عن لعبة الاستقطاب الحالية والتضليل السياسي والإعلامي، والتداعي جدياً وفوراً إلى بناء موقف عربي استراتيجي مشترك يكون قادراً على تحويل الموقف العربي من مراقب إلى رقم صعب.
ويرى البراري أنّ هذا التحول في الموقف العربي لا بد أن ينعكس أولاً على الموقف الفلسطيني الداخلي، الذي يبدو اليوم ضعيفاً، هشاً، يمنح الأفضلية لطروحات نتنياهو أمام ضعوط أوباما نحو إقامة الدولة الفلسطينية!
محمد أبو رمان - عمان - swissinfo.ch