أقسام المادة
التعصب: التحليل النفسي لظاهرة مرعبة
صفحة 2
صفحة 3
صفحة 4
صفحة 1 من 4 زعزع اعتداء 11 أيلول عالم 2001 الوهم المتمثل في أنه في عالم الغد التقني- العقلاني سوف يصبح الحقد التعصبي عاملاً محسوباً. فمن تفاعل ذهنية متطرفة وأسلحة التدمير الشامل انبثقت سيناريوهات تهديد غير متوقعة. وتبدو اليوم المعالجة الجذرية لجوهر الفكر التعصبي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وهذه المقالة تسعى إلى إلقاء النظر حول جوهر ومحتوى التعصب وتوضيح الدوافع اللاشعورية الكامنة خلف القناعات المتطرفة. وفي الجزء الثاني سوف نقوم بتطوير نظرية تخلقية عن النمو التدريجي لاحتمالية التطرف في أطوار المراحل الحياتية، وكيف يمكنها تحت ظروف تاريخية وتاريخ حياتية محددة أن تتصلب إلى اتجاه تعصب. تمثل الأصولية الدينية الممتدة عبر العالم والأخبار اليومية المرعبة حول العنف الناجم عن الإرهاب إحدى الظواهر الباعثة على القلق في عصرنا. فأي حقد تعصبي غير معقول يدفع أناس، ينطقون باسم الله، إلى تحويل طائرة ركاب إلى صواريخ كروز أو يجزون رؤوس الأبرياء أمام الكاميرا أو يطلقون النار على ظهور أطفال مدرسة هاربين؟ يتملكنا الخوف والغضب فيما يتعلق بتحقيق آخر إمكانات الشر. علينا أن نتعلم كره السلوك الشرير، من دون أن نتحول بأنفسنا إلى مبررين فظيعين أو قضاة زوريين (بارانوئيين). فجعل "القوى الشريرة" في العالم الثالث هي وحدها المسؤولة عن تفجر الوضع العالمي الراهن، وكأنه لم يحدث في أوروبا حرق للسحرة أو الهمجية الفاشية أو وكأن أسلحة الدمار الشامل لم تطبخ في مطابخ سم القوى الكبرى، سوف يمثل ادعاء خطيراً بالعصمة. فالاعتراف بميولنا التعصبية كلها لابد وأن يشكل اليوم الشرط الأساسي لكل حوار إنساني. ولكن ما الذي يكمن خلف النزعة الإنسانية للتعصب؟ كيف يمكن أن تتكرر باسم الدين أشد أشكال العنف، ما الذي يحول مناضلو الحرية إلى متعصبين قساة، هل تقود الجماهير نفسها إلى حتفها؟ و بغض النظر عما إذا كانت الجرائم والضلال تبدو مرضية (باثولوجية pathological) أو جرمية، فعلينا ألا نقلل من قيمة جانب التأثر الديني المنحرف. ففي الكلمة "التعصب" تكمن "fanum'. وبالأصل كان "fanatici" هم الذين تحولوا في محيط المعبد من قبل عفريت إلى حالة من الحماس المستعر. فالأمر يتعلق بإمكانية رهيبة "للحالة الإنسانية Conditio humana"، بالانزلاق في شر لايرحم، قهري ومطلق إلى حد ما. لقد شهَّر مفكرو التنوير وفي مقدمتهم فولتير بعدم التسامح والانتقام وعدم الحب عند المتعصبين والاندفاع المغلف بالكره للتعصب المقدس. إلا أن محاولة تحقيق النظام السياسي المحكوم بالمنطق بالقوة، أو فصل الروح عن جذرها اللاعقلاني- الغامض يوقظ أشباح جديدة. ومع المحاكم الثورية وحفلات الردح القومجي في العصر الراهن والسيناريوهات الكابوسية للدول الشمولية والحرب الشاملة لحل التعصب الديني محل التعصب السياسي، وغالباً ما كان هذا التعصب الديني متجاوزاً التعصب السياسي بالبشاعة والاستعداد البارد للتدمير. ويبدو أن الإرهاب الراهن قد اتخذ لنفسه منبعاً جديداً كلية، ويظهر بوحشية جبارة حاصداً عدداً كبيراً من الأرواح. فما العمل ضد ظاهرة تتنصل من كل قيم التسامح واللاعنف؟. "فالحرب ضد الإرهاب" هي دمار مستحيل وتؤجج ذلك التعصب بالذات الذي تريد محاربته. كما ينبغي للنضال ضد الفقر والحرمان وفقدان المعنى ينبغي أن يتحول لواجب عالمي بمقدار الدراسة الأعمق لاستعداداتنا للتعصب والعنف اللاعقلانية. ولكن "من يده في النار غير الذي يده في الماء". إذ أن التعصب في الإنسان بالذات يتجلى بأشكال وألوان مختلفة، ويرتبط بدوافع متنوعة وقد يتستر بمظهر حذق، بحيث يكون من الصعب الوصول إلى تعريفات وتفسيرات علمية موحدة أو حتى تقديم وصفات. ومن المؤكد أن نشوء وتفاقم الظواهر التعصبية يرتبط بدرجة كبيرة بالفقر والتفقير والأزمات الاقتصادية، إلا أنه لا برجوازيي منظمة الألوية الحمراء ولا معتدو الحادي عشر من سبتمبر ذوي الأوضاع الجيدة كانوا مدفوعين بأية أزمة اقتصادية في أفعالهم الجنونية. و مازال حتى الآن أولئك الذين يتحجرون بهذا الشكل إلى درجة أنهم يبدءون برؤية الموت والقتل وسيلة مشروعة لجهادهم بعض من قلة. وقد يستطيع التحليل النفسي وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا الثقافية وعلماء التاريخ أن يقدموا مساهمتهم المثمرة في السؤال عن الاستعداد النفسي بالتحديد وعن الدوافع اللاشعورية الكامنة خلف الانفجار التعصبي المفاجئ إلا أنه يظل هناك شك في أن ينزلق المرء في خطر التقليل من هول الأمر والإساءة للضحايا. ولكن ترك الظاهرة في مجال القوى الغيبة قد يعني الغدر بأحد أوجب المطالب للتفسير. ويظل واجبنا بفتح سراديب الفهم المنطقي في العواطف الإنسانية الأعمق والأكثر وحشية، مع معرفتنا بأننا سنعثر يوماً ما على منطقة الشر المفجع.
جوهر التعصب– الشخصيات التعصبية هناك عدد كبير من الظواهر يتم اليوم التعبير عنها تحت مصطلح "التعصب Fanatic " أو "التعصبية Fanatism[1]، فإرادة التحمل عند الرياضي المفرط، والخطبة الورعة لمغال طائفي أو تبرم المواطن العادي، أو الشغب في ملعب كرة قدم غربي أو ردة الفعل الجماهيرية الغاضبة بعد صلاة الجمعة عند المسلمين. ولكن ما الذي ينتمي في السلوك المتطرف إلى التعصب الفعلي ومتى تتحول القناعة السليمة إلى أصولية fundamentalism متزمتة وهل التعصب هو نوع من الأصولية المفرطة، يشبه الهياج في جانبه العنيف؟ فجوهر التعصب هو الاستحواذ بقناعات عاطفية متصلبة بشدة، تعشش في لب الهوية وتتجلى نحو الخارج بعدم التسامح من دون أي استعداد للحوار والحلول الوسط، وغالباً ما تترافق مع زوال الكبح نحو العنف المتزايد باطراد. وبشكل أكثر مما هو الأمر في الأصولية يتعلق الأمر باستكشاف الحقيقة عند الخصم، ومناقشته– بِنَفس مرتفع مطلق الذاتية، وتعقُّبه وتدميره في الحالة المتطرفة. وقد ميزت أبحاث التعصب بين التعصب الفردي والجماعي والجماهيري والتعصب الديني والسياسي والأخلاقي، وصنفت أشكال التعصب من نحو التعصب "الحامي" و"البارد" و"الصامت" و"الصريح". أو بنى الشخصية "العميقة" و"الواضحة" (قارن Bolterauer,1989; Hole 1955; Conzen,2005). وعليه فإن الاندفاعية المتعصبة لدى المتعصبين الأصوليين هي وليدة الاستعداد الداخلي على الأغلب، أي سمات معينة من الشخصية بالتوليف مع مصير دافعي أو أسري محدد. وغالباً وفي موقف داخلي أو خارجي متأزم تداهمها رؤية أو تكليف أو رسالة متحيزة ثائرة. إن الإحساس بأن الإنسان هو وسيلة لقوة عليا، أنه صوت الله، كثيراً ما يمنح ظهوره إيحائية عالية. فكثيراً ما كان التأثر الحار بالأفكار قد حرك تغيرات فنية وسياسية وعلمية. وطبقاً للرأي الهيجلي بأنه لا شيء عظيم في تاريخ البشرية قد حدث من دون عاطفة (معاناة)، فلابد لنا من عدم إنكار مقدار الحنق والبحث عن التوافه في الشخصيات المقدسة والكارزميين السياسيين. ومن ناحية أخرى تجد البرودة وغضب الإرادة والاندفاع بالكره لدى المتعصبين الأصوليين بواعث متجددة باستمرار لمآسي كبرى. وبالتحديد في مواقف الأزمات تتلقف الشخصيات الديماغوغية بمتلازمة النرجسية الخبيثة malign Narcism (قارن Kernberg ,1998) المبادرة، وتستمدون من التأثير بمخاوف واستياء resentment الجماهير العريضة شعوراً شاذاً بالقوة، وتتحول دائماً في عصورها إلى مبشرة بالشر. ويختلف عن ذلك المتعصبون الأصوليون: فهنا يتم غرس الخلجات- العاطفية من الخارج في هويتهم. ويحصل انفجار التعصب من خلال الاتصال بحركة متطرفة أو هيئة تبدو كارزمية وتحظى عندئذ بديناميكيتها الخاصة. وغالباً مايتعلق الأمر ببشر، مهددين بالفراغ النرجسي أو معذبين من أنا أعلى سادي، بحاجة عميقة للانتماء والإيمان وإن كانت في الوقت نفسه مستحوذة بالاستياء. وبالتحديد في أوقات الأزمات والارتباك والشك ينبثق المتعصب الأصولي، الذي يعاش منقذاً، كالضوء، يعيد بضربة واحدة المعنى والاتجاه إلى الوجود المهشم المبعثر. وفي نوع من "هذيان التفاهة" المتزايد يجعل مثل هؤلاء الأشخاص أنفسهم بلا شرط أدوات في يد جهة مؤلَّهة، مستعدون لبذل كل الجهود والمكروهات في سبيل الحصول على الحماية والاعتراف. ويصبح موضوع الولاء التعصبي هو خدمة الجماعة، "القائد"، "الحركة". مع التنازل عن التفكير المستقل والخلجات الضميرية المستقلة وليس من النادر مع إزالة مطردة لكوابح النزوعات الجنائية. و لا بد هنا من تمييز متعصبو الواجب، المستحوذون بالعاطفة، الذين يرون أنه من يصونون شيئاً ما عظيماً، فكرة قائمة، اعتقاد ما أو أخلاق معينة ويدافعون عنه ويعملون على نشره بتأثيرهم المتحمس. فكل شيء ينبغي له أن يسير مائة بالمائة بشكل دقيق وأصيل، عندئذ يمكن للفكرة أن تتفتح بكمالها الكلي. ولنتأمل الولاء المطلق للشكل لدى الفنانين والإيمان الحرفي لدى المرائين بالدين والعناد أو الاستبياع، الذي يحاول فيه الإيديولوجيين إخضاع الواقع المنفر لطوباويتهم. وهنا يتجلى بصورة خاصة أحد مصادر التعصب المتمثل في الانقسام بين الأجزاء الناضجة والأكثر بدائية للضمير. فمتعصبو الواجب غالباً ما يمتلكون حكماً شخصياً متمايزاً وجمالية مرتفعة aestheticism وإحساساً مرتفعاً بالقيمة. إلا أنه حتى أبسط الانحرافات، أقل أمر مرتجل Improvisation يستثير حنقاً شديداً وانتقاداً لاذعاً من الأنا الأعلى، غالباً وصولاً إلى نقطة يبدأ فيها الكره والامتعاض resentment بافتراس قيمة الفكرة. ويمكن لأخلاقيو المبادئ المتعصبون في قمة الجماعة أن يحدثوا تطورات وخيمة العواقب. ويمثل كالفين Calvin أو روبسبير Robespierre [2] نموذجان أوليان لإثارة الوحشية الباردة في خدمة مثل أعلى طاهر تعصبي. ولدى المتعصبون القهريون بالمقابل يظهر تعصب مستحث أو مستثار induce في شكله البدائي primitive الأشد وحشية على الأغلب. إنهم "الأتباع" التقليديون، الجلادون، مجرمو المكاتب والأتباع المنفذون، الذين يوصون بفعل أي شي بلا شروط ومن دون أي استناد معمق لعالم القيم ويحققون بهذا لوجودهم التافه المعنى والأهمية. التعصب هو النزعة نحو إرضاء السلطة تحت كل الظروف، تنفيذ مهمة معطاة بأكبر سرعة قدر الإمكان، بفاعلية من دون أي تفكير. وغالباً ما ترتبط لدى هذه الشخصيات الإرادة الحماسية السادية بالطموح للسلطة وشهوة الكسب. ويختلف الأمر لدى متعصبو الواجب فهم أسرع استعداداً لتبديل الجبهات، وإنكار ماضيهم فيما بعد، إذا ما بدت لهم السلطة التي كانوا يقدسونها بشكل أعمى ضعيفة. وغالباً يشكل المتعصبون القهريون في الأنظمة الشمولية المصفاة الداعمة بين فكرة عصمة الطاغية infallibility ideal of dictator وبين الواقعية الفجة لعالم القتل، ينفذون من دون اعتراض، من دون أي إحساس بالضحية العمل القذر. فمن بين زبانية أمن الدولة النازيين في العالم الذهاني لمعسكرات الاعتقال كان هناك خبثاء[3] أذكياء intelligence Cynic وفي الوقت نفسه سيكوباثيون متوحشون. جميعهم خضعوا بلا شروط "لإرادة القائد"، جميعهم أغلقوا المنطق النقدي، الذي كان يفترض له أن يسجل مباشرة جنونية أعمالهم. ورؤية هؤلاء البشر على أنهم مجرد عجلة صغيرة في آلة كبيرة قد يعني التماهي مع تبرير أنفسهم الشاكي. لقد كان محترفوا الوحشية من نحو هوس Hoess أو آيشمان Eichmann كمال الشر Perfectionist of Evil، سخروا كل طاقتهم وخيالاتهم الشاذة في تنظيم المذابح الجماعية.
التعصب الجماعي والجماهيري يوجد التعصب الجماعي في كل مكان تمثل فيه الاتجاهات والأهداف المتطرفة جوهر إيديولوجية المجموعة ومتبنية باطراد متزايد العنف نحو الداخل والخارج. والمبدأ الساري هنا هو المبدأ المطلق في مكافحة الشر باعتبار المجموعة رأس حربة الخير، ومن أجل ذلك لابد للفرد أن يخضع، أن يسخر كل طاقاته ويضع نفسه تحت تصرف المبدأ المشترك. وبالتحديد في الطوائف أو المذاهب الدينية والسياسية أو في دوائر القيادة في السلطة المطلقة نلاحظ تضارب وخيم بين التعصب الأصولي originary Fanatism للزعيم وبين التعصب المستحث (المُحدَث) induced Fanatism لأتباعه. فهؤلاء الأتباع يدعمونه في هوامات العظمة وفي التحريف الزوري (البارانوئي) للواقع، يستغلون مخاوفه وضعفه، يتنافسون في تنفيذ إرادته بطاعة متعجلة. مقابل هذا تتم حمايتهم من القائد، وتعزيزهم ويمكنهم أن يعززوا من قيمة أنفسهم بشكل نرجسي مصطنع تحت ألق عزه الهدام. وبما أنه لا يمكن على الإطلاق تحقيق هدف العدالة الكاملة، تصبح الحرب ضد صورة العدو أشد وحشية باطراد، وفقدان الإطار الواقعي أكثر بروزاً. وليس من النادر أن يتوه تعصب الجماعة في حيرة ويأس وينفجر- ولنتأمل الذبح الجماعي لطوائف "نهاية الزمن" أو حمامات الدم التي يسببها القاتل الراكض (آموك Amok)- في تصفية أخيرة مدمرة. وهناك مجموعات متطرفة أخرى تعتبر نفسها على أنها منظمات نضال ومؤسسات تأهيل وشبكات خلاقة creative Network في الوقت نفسه. وتسعى بعناد نحو هدف التحرر من السيطرة الخارجية وتقرير المصير الوطني وغالباً ما لا يستطيع المرء في البداية وصف أعضاء مثل هذه الجماعات بالمتعصبين العميان. فبعضهم يوحي مظهره بالهدوء والذكاء والمتعاطف ولا يطالبون إلا بالعدالة لأنفسهم ولشعبهم المقهور. إلا أنه بداية عندما يشتعل موضوع الكفاح تتفجر فيهم القسوة النفسية. و التعصب الجماعي المدعوم والمنمى منهجياً من المنظمات الاستبدادية غالباً ما يكون وحشياً وغداراً. ولنتأمل هنا فرق البلطجة شبه العسكرية ووحدات الدعاية والمراقبة والتصفية لأمن الدولة النازي أو الألماني الشرقي أو الأجهزة الأمنية الأخرى الذين قاموا بتصفية كل المعارضين والمقاومين وغير المرغوب فيهم، ومن ثم عملوا على تأمين الهدوء للدكتاتور. وغالباً حتى ضحايا الإهانة والتدريب العسكري يأتي يوم يتماهون فيه مع أعضاء مثل هذه المنظمات بصورة شبه إلهية- مستكبرة مع هوامات السلطة المطلقة، جاعلين من ضحاياهم مساحات إسقاط[4] للخجل ومشاعر النقص التي يبدو "بحق" أنهم يلاحقونها ويعذبونها ويدمرونها في ضحاياهم. و نتحدث عن التعصب الجماهيري عندما تستحوذ على مجموعات كبيرة من الناس حالات مشاعر عاطفية هائجة وقناعات عمياء. وقد يكون التوكيد مرة أكثر على الحماس الهوسي في لحظة الحمية والهياج والحماس والصخب بدءاً من الغاضبين الراقصين في العصور الوسطى وانتهاء بطقوس العربدة التضحية بالنفس في العروض الغنائية الإليكترونية لعصرنا. أو يغمر الاستنكار والغضب والحقد على الجمهور، الذي يمكن أن يتحول بسهولة إلى عنف فاسق وسعار تدمير. وفي حالات الجمهور يكون خطر العدوى بالخوف من المتعصبين أكبر ما يكون. فأي بؤرة أو دوامة جماعية من المشاعر البدائية تكتسح المشاعر الأخلاقية وتعطل المنطق. وكل ما تم بناؤه وتشكله عبر عقود من الهوية المتمايزة في الشخصية يبدو في ضربة واحدة في مهب الريح (قارن Mitscherlich, 1977). إن ما يقلب الجمهور في الأوضاع الاستثنائية ليس الشعور بالصلة أو الارتباط الليبدوي (Freud,1922) فحسب، وإنما كذلك نرجسية مفرطة الشدة، قدسية تقريباً، "الذات الجمعية المتضخمة grandiose Groups-Self" (Kohut,1973)، وارتفاعها من خلال الإحساس بالقرب الجسدي ومشاعر قوة "المجموعة الفيزيائية" (Kakar,1997). ولكن الشعور الجمعي بالقوة بالذات سرعان ما ينتهي على سبيل المفارقة باستعداد تخديري للخضوع. لقد كان تحويل الجماهير إلى قوة صادمة سياسية وتعصبية حماسية هدف كل الديماغوجيات[5] demagogy (مهيجو الجماهير) في جميع العصور وأخذ في القرن العشرين صفة التجربة العلمية– لاعقلانية التقنية المتطورة the High tech irrationalism للاجتماعات الثقافية الفاشية-.
أقسام المادة: الجزء السابق - الجزء التالي >>