نجد أنفسنا أحيانًا مضطرين إلى قول ما قلناه سابقًا، ذلك لأن الأمور لا تندفع إلى الأمام كما يجب، وكنا قد أشرنا إلى معاني العيد السامية، أملين أن تأخذ هذه المعاني دورها في ترويض النفس، ولكن ما نراه للأسف الشديد هو أن الأمور لا تبرح مكانها أن لم تنتقل من السيئ إلى ألأسوأ، وهنا بمناسبة عيد الأضحى المبارك نلقي نظرة أخرى من زاوية معاني الأعياد ككل، والتي تدعو إلى التضحية ودعم الفقراء، وكطرح نظري قد لا نجدد للقارئ ولكننا على أرض الواقع يجب أن نترجم النظرية إلى عمل فعملية العطاء في مجتمعنا الصغير متواضعة جدًا إذ لا نجد مقتدراً أنقذ مفلسًا وجعله ينهض من جديد.. ولا نجد من يبني مشروعًا خيريًا وإذا حاول أحد أن يبني مشروعًا ولو صغيرًا نجد من يتصدى له بدلًا من دعمه؟!! وإذا أعطينا فالعطاء يكون بالفتات إذ لا نجد حتى من يقيم ناد في حيه .
ومن المعروف بان الإنسان يمر خلال مسيرة حياته بظروف مختلفة فيها من نجاحات وإخفاقات.. من صواب وأخطاء.. صداقات وخلافات، سوء تفاهم قد نكون في غنى عنه، إلا أن السرعة التي هي من الشيطان توقد عواطفنا وتأجج أنانينا فتحجب عنا أخطاءنا لنرى أخطاء الآخرين بحقنا بالمكبر؟!! وهنا من الفروض أن يأتي العيد بالقيم التي يحملها ليطفئ عواطفنا الهوجاء كي نرى الأمور بموضوعية ونعمل على طي صفحات الماضي السوداء أو لنزيل البقع عنها لتغدو ناصعة البياض، وهنا تكمن الحكمة.. حكمة الفرد منا.. إن من هو أكثر رحابة صدر.. من هو أكثر وعيًا عليه أن يبادر إلى تسوية الخلاف، وقد قيل: "إن الوعاء الكبير يتسع للوعاء الصغير" ولنا من أقوال الأنبياء والحكماء ما يمكنه أن يغطي هذه الإشكالية، فقد اشروا إلى مدى أهمية الاعتراف بالخطأ وقد قيل: " من غلط ورد لا يرد " وقيل: " العفو عند المقدرة " و " من اعترف بذنبه فلا ذنب عليه " والاعتراف بالخطأ واجب " وألخ من الحكم والأمثال التي تشجع على الاعتراف بالخطأ . وهنا نسأل أين نحن من ذلك ؟!! يبدو أن جذورنا ما زالت تمتد إلى العهد الجاهلي فتقاليدنا العربية المستمدة من هناك.. المتشبثة في نفوسنا تجعل الفرد منا يعتقد بأن الاعتراف بالخطأ هو استصغار في شأن الذات.. ضرب للكبرياء فنكابر ونعاند حتى لو شعرنا واعترفنا بالخطأ في قراره أنفسنا؟!!.. إننا نجد ملاذًا من ممارسة ما يتطلبه العيد بواسطة أخذ زاوية من متطلباته ومنها إعلان الفرح ولكننا نوغل في ذلك لنبالغ في الإسراف والتبذير حتى نفرغ العيد من معانيه السامية ونحوله إلى مظاهر عابرة من إقامة الولائم بدلًا من الاقتصاد في إنفاقنا لدعم مجتمعنا..
نوغل في التجوال داخل البلاد وخارجها بدلًا من معايدة بعضنا البعض كما كان الوضع في السابق وكما يقتضي العيد لتجديد الروابط الاجتماعية وأواصر المحبة والتسامح، فالعيد هو الجسر الذي يجب أن يوصل قلوبنا .
نوغل في ارتداء الملابس الجديدة ولكن ما معنى أن نلبس ملابس جديدة دون أن نتسامح.. دون أن نمنح صك الغفران لمن أساء إلينا . دون أن نخلع ما في نفوسنا من أحقاد وبغضاء
نوغل في المصروفات التي نستلفها من البنوك كقروض بالفوائض الفاحشة لتدخلنا في أزمة مالية تبعد هداوة البال عنا من العيد للعيد؟!!
وهنا نسأل: ما معنى أن نُعيد دون أن نفهم المعاني الروحية للعيد.. دون أن نتمسك بقيمنا وتراثنا وجذورنا وتاريخنا؟
يجب أن يكون العيد خفيف الظل إذا صح التعبير، يخفف عن كاهلنا بدلًا من الإثقال عليه.. يجب أن يُرسل البسمة على شفاهنا.. من قحط القلب.. يجب أن لا يُكدر صفونا بالاحتفالات الفوضوية التي تغلق الشوارع وتعطل حركة السير.. علينا أن نودع العيد كما استقبلناه بفرح شديد وليس بحسرة في قلوبنا أو بأجواء متوترة ومكهربة كما يحدث أحيانًا كثيرة عندما يعلو صوت زامور سيارة الإسعاف لأن مأساة حلت بهذا الشاب أو ذاك بسبب المراهقات والمفرقعات.. يجب أن نودع العيد دون أن تُفقأ عين أو تُبتر أصابع شباب من شبابنا وكل عام وانتم