هل يمكنك ان تحب روسيا دون ان تطلع على جمالها وغاباتها وحقولها وانهارها؟ هذا الامر ممكن اذا تحدث اليك عنها الكاتب والشاعر والقاص والمسرحي والناقد اللبناني ميخائيل نعيمة.
لم يتغير شئ في مكتب الكاتب الملقب ب" ناسك الشخروب" بعد ان انتقل الى جوار ربه في 28 فبراير/شباط عام 1988 في شقته المتواضعة بضواحي بيروت. وظلت اوراقه كلها في مكانها.
وتقول سهى نعيمة حفيدة الكاتب العربي ميخائيل نعيمة:" توفي جدي في جو هادئ دون ان يزعج احدا بوفاته. وكانت جنازته متواضعة ايضا ، ربما بسبب الحرب الاهلية اللامتناهية، ربما بسبب ان جدي لم يكن ثريا ولم يكن يطمح الى المجد ابدا".
تسمى سهى نفسها حفيدة لميخائيل نعيمة رغم ان الكاتب لم يخلف اطفالا لان امها مي حداد كانت سيدة شاطرت الكاتب في شيخوخته لكونها اخر انسانة قريبة منه في السنوات الاخيرة من حياته.
عاش ميخائيل نعيمة حياة دامت 100 سنة كان يقيم غالبيتها في قرية الشخروب الجبلية الواقعة قريبا من بلدة بسكنتة التي تتصف بطبيعتها الساحرة ومناظرها الخلابة. واحب الكاتب العزلة والتأمل . وكان غالبا ما ينعزل ما في مكان قريب من الشلال حيث يفكر في كتابة مؤلفاته الكثيرة وفلسفته حول الانسجام بين الطبيعة والانسان والله. وتنفذ تلك الفلسفة ابداعه النثري والشعري كله الذي نشر في 8 مجلدات ومنها نجد مجلدا واحدا يحتوي على مذكرات تضم قصيدة نظمها الشاعر باللغة الروسية اسمها "نهر متجمد" وتنتهي بالابيات التالية:
" نؤمن بروسيا
نؤمن من صميم قلوبنا
بان الربيع سيأتي
الى ربوعك.
فقولى متى سيتحقق ذلك؟
لماذ تصمتين يا روسيا؟
نامي يا حبيبتي".
كانت تلك الابيات سببا لبحث المجلس الديني موضوع اعفائه عن الدراسة في الكلية الدينية الارثوذكسية بمدينة بولتافا التي تم ايفاده اليها من لبنان لتفوقه في الدراسة بمدرسة ارثوذكسية لبنانية. ربما هناك سبب آخر لفصله من الكلية الارثوذكسية باوكرانيا. وهذا السبب الحب الفاشل لسيدة روسية متزوجة. وكانت فرفارا او بالاحرى فاريا الحسناء الروسية الفتية مصدر الالهام هذا الحب. وربما اندمج اسما روسيا وفاريا باسم واحد في قصيدته تلك وجسدتا قوة الروح وجمال المرأة.
اعتاد ميخائيل نعيمة ان يقضي اجازته في قرية غيراسيموفكا حيث تعرف على حسناء شقراء طويلة الظفيرة وزرقاء العينين واحبها، فاحبته. وعرض عليها قلبه ويده، لكن الحسناء كانت متزوجة للاسف الشديد . وكان الطلاق امرا في غاية الصعوبة في الدين الارثوذكسي الروسي. فوجد نعيمة نفسه اما خيارين: اما ان يخرق القوانين الاخلاقية الارثوذكسية القاسية واما ان يقطع علاقته بحبيبته ويترك الدراسة في الكلية ويغادر روسيا العزيزة على قلبه. وظهر ان الحل قد وجد حين وافق زوج فاريا على ان يطلق زوجته ويتحول الى راهب في الدير. واوشك ميخائيل ان يشعر بقرب سعادته . لكن الاقدار شاءت ان ينفصل الحبيبان حين لم يرض راعي الدير بقبول زوج فاريا الضعيف الصحة بديره. وقبل نعيمة تحديا للقدر وقطع دراسته في بولتافا وترك علم اللاهوت الارثوذوكسي وغادر روسيا وعاد الى لبنان ومنه توجه هو وشقيقه نجيب الى امريكا حيث امضى 20 سنة طويلة .
وقيل ان حبيبته فاريا طلقت في آخر المطاف زوجها وحضرت الى لبنان ، لكنها تأخرت قليلا لان سفينة حبيبها قد ابحرت متوجهة الى امريكا.
هل كان ميخائيل نعيمة سعيدا في امريكا ؟ - نعم، كانت لديه امرأتان غير فاريا و مي حداد. لكنه لم يتزوج أية واحدة منهن.
ربما لم يبق اي آثر من الحسناء الروسية فاريا لولا صديقتي ايرينا بيليك الباحثة في ابداع ميخائيل نعيمة ومترجة اشعاره الى اللغة الروسية التي زارت عام 2008 بيروت حيث التقت ابن اخ ميخائيل نعيمة يوسف وابنه نجيب في بسكنتة. ويا لدهشة صديقتي عندما عرفت ان ابنة الحقوقي اللبناني المعروف نجيب تدعى فاريا وهي شقراء وزرقاء العينين.
وقد طلب ميخائيل نعيمة في وصيته بان يبقى باب ضريحه مفتوحا، فلماذا؟
إعداد يفغيني دياكونوف.