تعريب مدن الجليل - سجل السكان، سياسات محلية وقطرية وأستراتيجيات تحدي للمنظومات القائمة سأحاول في هذة المقالة طرح نظرة تحليلية للتوزيع الديموغرافي للسكان في البلاد وفحص سيناريوهات وأستراتيجيات عملية. سأتمحور في طرحي في الجليل لخاصيته كحيز جغرافي وعلى وزن عملية تهويد الجليل قد يحلو لي تعريبه وبالأحرى تعريب مدنه.
اولأً أود التوضيح أن الخطاب الديموغرافي هو أولاً وقبل كل شيئ خطاب عنصري مرفوض وثانيا خطاباً شوفونياً يتعامل مع المرأة كأداة توليد. ما سأقوم بطرحه هنا يتطرق الى التوازن الديموغرافي من حيث التوزيع وليس من حيث التوليد وهكذا فهو يترفع عن الشوفينية، اما بالنسبة لآفة العنصرية التي قد يوصم بها فتبقى موضع للنقاش هل هي أزمة أخلاقية لأقلية مضطهدة على الخلفية ذاتها أم هي أستراتيجيات مقاومة وصمود على أساس رص الصفوف لمواجهة عمليات القمع والأضطهاد القومية.
يسكن غالبية السكان العرب في الجليل في قرى ومدن عربية، ويصح القول في ما تبقى منها حيث ان جميعها موجودة قبل قيام الدولة ولم تقم الدولة منذ قيامها بأنشاء أي مدينة أو قرية عربية. أقلية من السكان العرب يقطن المدن المختلطة وأبرزها حيفا، عكا، نتسيريت عليت وكرميئل، وليس هناك أي وجود لليهود في المدن والقرى العربية غير قلة من المبادرات الأقتصادية المشبوهه في البلدة القديمة في الناصرة أو غيرها.
تعاني المدن والقرى العربية من نقص حاد في الأرض، في مسطحات البناء، في التخطيط وفي الميزانيات. نتيجة لهذة الأزمة نشهد في السنوات الأخيرة عملية هجرة داخلية للسكان العرب الى المدن "المختلطة" وهذة العملية في تزايد مستمر قد تختلف في صفاتها ومميزاتها من مكان الى أخر الا ان قواسمها المشتركة لا تقل أهمية عن خصوصياتها.
فعلى سبيل المثال الهجرة الى نتسيرت عليت وكرميئل ناتجة عن أزمة سكنية بحتة، اما الهجرة الى حيفا فهي هجرة شباب تبحث عن حياة المدينة، التعليم الجامعي والعمل والكثير من من هاجر الى حيفا يستقر بها حتى بعد انهاء تعليمه الجامعي. أما عكا فالهجرة اليها هي أقل من المدن الأخرى وذلك لأسباب لن اتطرق اليها هنا.
الكثير ممن هاجرو للسكن في هذة المدن، يحفظ عنوان أقامته في سجل السكان في قرية مسقط رأسه. أحياناً قد يكون هذا الحفاظ عاطفياً حيث يُشعِرالفرد بالأنتماء التواصل والهوية وأحياناُ يكون تكتيكياً لكي يحافظ على صوته الأنتخابي حيث يأمل بترجيح كفة فئه معينة (عائليهطائفيهحزبية) في الأنتخابات المحلية المقبلة – أنتخابات السلطات المحلية. فعلى سبيل المثال في العشر سنوات الأخيرة يتوقف حسم الأنتخابات بين الحزبين الكبيرين المتنافسين في مدينة الناصرة على بعض الأصوات ومن هنا كل من أنتقل للسكن في نتسيريت عليت لم يغير عنوانه في سجل السكان وحفظ لنفسه أمكانية التأثير على حسم المعركة الأنتخابية النصراوية. هذة الظاهرة لا تقتصر على الناصرة فقط أنما على أماكن أخرى أيضاً فيتراوح عدد سكان حيفا العرب 27 الف وهم 11% من سكانها، بينما فعلياً يسكن المدينة 35 الف من العرب (8 الآف غير مسجلين لأسباب عاطفية أو تكتيكية تتعلق بمسقط رأسهم) ويصل هذا العدد الى 45 الف عربي يتواجدون في حيفا خلال ساعات النهار أي ساعات العمل.
طبعاً من الواضح ان "المعارك السياسية" العربية هي معارك داخلية، والأستراتيجيات هي عائلية وحزبية وطائفية، حيث يتنافس جميع العرب على فتات الميزانيات والمسطحات المخصصة للمدن والقرى العربية رافعين أياديهم عن المدن المفتوحة أمامهم، فعلى عكس المستوطنات الجماهيرية التي تهدف الى تهويد الجليل وتمنع العرب من السكن فيها، لا يوجد أي قانون يحد من الهجرة الداخلية للسكان وانتقالهم الى السكن من مكان الى أخر.
الهجرة هي أمر واقع شئنا أو أبينا، وجود العرب في الجليل هو أمر واقع شاء من شاء وآبى من آبى فلماذا نقتصر وجودنا هذا على أبعاده السياسية البرغماتية على القرى والمدن العربية ولماذا نحد منه. أولا يجب أن نعي أن الكثير من السكان اليهود يتسجلون في الجليل أو في مستوطنات في الضفة الغربية فيحصلون على الأرض شبه مجاناً وعلى تخفيضات وربما أعفائات من ضرائب الدخل وغيره بينما يسكنون فعلياً ويعملون في المركز ويأتون الى الجليل من نهاية الأسبوع أو نهاية الشهر أو ربما فقط بعد خروجهم للتقاعد. من هنا فأن سجل السكان هو أمر تكتيكي وغير مقدس.
تسجيل السكان العرب القاطنين في المدن "المختلطة" يعطيهم حق الأقتراع في هذة المدن ومن هنا فرصة للتأثير على المخططات لهذة المدن وربما أمكانية لوضع اليد على قسم من ميزانيات تحرم منها القرى والمدن العربية. قد يعتقد البعض أن تسجيل السكان العرب في مناطق أخرى قد يكون تكتيكاً خاطئً حيث سيؤثر سلبياً على الميزانيات والمسطحات المخصصة اصلاً للقرى والمدن العربية التي توزع نسبة الى عدد السكان. الا أن هذا الأعتقاد واهماً ففي كل الأحوال لا تحصل القرى والمدن العربية على مستحقاتها من ميزانيات ومسطحات وأن تضاعف عدد سكانها عشرات المرات.
قد يقول البعض أن الحياة في نتسيريت عليت على سبيل المثال ما هي ألا نتاج لظروف قاهرة فقط حيث يستمر من هاجر اليها بأرسال أبنائهم وبناتهم الى المدارس العربية الخاصة في الناصرة خوفاً على فقدان الأنتماء والهوية وهنا أقول ان فقدان الأنتماء والهوية ليس بأقل خطراً منه في المدارس الخاصة أو العامة التابعة لوزارة التربية الأسرائيلية. وفي محاولة لتصور بعض السيناريوهات فقد يقوم البعض بالمطالبة بمدارس عامة خاصة للأقلية العربية في المدن المختلطة على غرار البعض في حيفا حيث يحق للأقلية بالمطالبة بمدارس خاصة بها، وقد يتم التجاوب مع هذا الأحتياج أو قد يتم قمعه. في حالة تم قمعه سيضطر الأهل بأرسال ابنائهم الى المدارس المختلطة، رويداً رويداً سيمتنع بعض أو ربما أكثر من الأسرائيليون عن أرسال ابنائهم الى هذة المدارس "خوفاً" على هويتهم ومعتقداتهم السياسية التي قد تتأثر "سلباً" من وجود الطالب العربي جنباً الى جنب على مقاعد الدراسة. طبعاً لو كانت الظروف غير ظروف اليوم لربما كان هذا التكيك تطبيعاً مع الدولة ومؤسساتها، لكن في ظل مواجهة وتحدي كالذين نعيشهم اليوم فعمل جماعي كهذا قد يكون تحدي من أكبر التحديات التي ستواجهه مؤسسة الدولة.
طبعاً عملية أسترداد المدارس أو تعريبها أن شأتم لا تقتصر فقط على المدارس فكلنا نعلم أن دخول العرب الى أي من الأحياء في هذة المدن يفتح عملية متسلسلة من رزم العدة والرحيل لدى الأسرائليون الباحثون والحالمون بحياة نقية خالية من العرب. طبعاً ولا يقتصر الأمر فقط على المدارس أو الأحياء السكنية بل على الميزانيات والمسطحات وغيرها وكل ما يتطلب منا الأمر هو التنازل عن فوز الصراعات الداخلية وأعطاء الأولوية لأجندات سياسية عامة وشاملة وتفضيلها على أجندات ونزاعات حزبية طائفية عائلية محلية.
ومن الممكن ايضاً تطوير هذا التكتيك ومنهجته فلست بحاجة أن تسكن فعلياً في حيفا أو في عكا مثلاً لتؤثر على مجرى الأمور بها ويمكن أن تسكن في عكا على الورق كما يسكن من يسكن في الجليل لتهويده وفي كل غرفة يسكنها واحد فعلياً قد يسكنها أربعة أو أكثر على الورق. وكل بيت عربي أو غرفة مستأجرة تفتح أبوابها لمزيد من السكان تزيد من أمكانية فرض واقع وجودنا وكسر الحصار الديموغرافي على المجتمع الفلسطيني في شمال البلاد.
وليس لهذا الأمر أن يكون بهذة السذاجة وان أقرت بعض الجهات بالمبادرة الى هجرة جماعية والعودة الى حيفا وعكا وغيرها فلن تقف الدولة حالمة متسامحة امام هذة الهجرة ومن بين ما قد تقوم به قد يكون سن قوانين لتمنع الهجرة الداخلية فتزيد من مشاق الحياة على من أراد الهجرة لأسباب عملية وتقنية الأ انها ستفضح جانب أخر من جوانب الأبرتهايد.
© حقوق النشر محفوظة نسرين مزاوي – ناشطة أجتماعية نسوية حاصلة على اللقب الثاني في أدارة موارد بيئية وطبيعية وعلى اللقب الاول في علم الأحياء. مرسلة بواسطة نسرين مزاوي في الأربعاء, يونيو 09, 2010