هنالك عدة إمكانيّات أمام الشخص الذي يتلقى الإهانة - الردّ على الإهانة بإهانة مماثلة أو رد الصاع صاعين او الالتزام بالصمت "وبلع" الإهانة والعيش معها بسلام او تأجيل الردّ عليها لاحقًا لأنّ الردّ عليها الآن لا يصبّ في مصلحته أو تقنيّة الغضب الآتي من المهانة وتحويله إلى فرصة لتحسين الحال. أيّة إمكانيّة نختار هذا يعود إلينا.
الشعور بالمهانة هو أمر شخصيّ، وحِدّة الإهانة التي نشعر بها تتعلّق بالشخص الذي قام بها وبالشخص الذي تلقّاها. فقد يكون الشخص الذي قام بإهانتنا مسلوب العقل، أو إنسانًا فظًّا، أو حقيرًا أو عابر سبيل لا نعرفه ولا يعرفنا. قد يكون طفلًا لم يبلغ سنّ الرشد أو عجوزًا شمطاء غير واعية لما تتفوّه به، أو مريضًا متألّما أو جائعًا متضوّرًا، أو سكّيرًا ماجنًا. هل يُعقل أن نشعر بنفس المقدار من الإهانة كما لو قام بها أناس عاقلون أو مقرّبون؟ هنالك بعض الأشخاص الذين لا يعبأون بالمهانة لأنّهم عندما يسمعونها يتغاضون عنها ويعتبرونها بذاءة تخصّ قائلها ولا تخصّهم أو كما قال الشاعر "وإن أتَتكَ مَذمّتي من ناقصٍ فهيَ الشهادةُ لي بأني كامِلُ.."، وهنالك من يشعر بالإهانة لمجرد قول عابر وغير متعمّد وهناك من يغيب صوابه لأنّ النظرة أو الحركة التي قمنا بها لم ترق له.
هنالك من لا يفهم الإهانة- أقوال على غرار "أنا لا أصدّق أنّك عربيّ" التي يطلقها أبناء عمّنا عندما يُذهلون من "جمالنا" او "زيّنا" او "عصريتنا" هو في نظري إهانة لكن آخرون يعتبرون ذلك إطراءً وآخرون يعتبرون ذلك قولًا عاديًّا، أو عندما نكون في مؤسّسة رسميّة منهمكين بمهمّة مهنيّة، يقوم أحدهم بسؤالنا من باب حب الاستطلاع او الفضولية "هل تعرف حمص أبو.... في بلدكم؟". وكأنّ العربيّ والحمص والكنافة أشّقاء. هل توجد إهانة أكبر من هذه؟ لكن هنالك من يعتبرها نوعًا من التودّد.
في هذا المضمار قام الباحث "دومينيك مويسي" بنشر نتائج بحثه في مجلة «شئون خارجيّة» الأمريكيّة عام 2007 والتي تطرّقت إلى المشاعر التي تحكم أغلبيّة الأفراد المنتمين للحضارات الكبرى في العالم. ولقد تمخّض هذا البحث عن الادّعاء بأنّ مشاعر الخوف والقلق تغلب على المجتمعات الغربيّة (والمجتمع الأمريكيّ في صدارتها)، ومشاعر الأمل والثقة في المستقبل تغلب على ثقافة المجتمعات الأسيويّة الكبرى (وتحديدًا الصين والهند أكثر من غيرهما)، والشعور بالإهانة والمهانة والعجز تسود المجتمعات العربيّة. هل هذا يُذهلكم؟ بالطبع لا- انظروا كيف نثور ونرغي ونزبد لو قام أحدهم بتجاهلنا، أو بذكر مناقبنا، أو بالتقليل من أهميّة ما فعلناه، أو ما تفوّهنا به. عندما يُطلب منّا الوقوف بالدور كالآخرين نشعر بالإهانة، وعندما يُطلب منّا الحضور بالوقت نشعر بالإهانة وعندما نُرفض للوظيفة يصيبنا دوار وينتابنا اليأس والإحباط. الخسارة،، اية خسارة، ّ في نظرنا هي "مهانة" يجب سترها وكتمانها.
هنالك عدة إمكانيّات أمام الشخص الذي يتلقى الإهانة- منها الردّ على الإهانة بإهانة مماثلة، أو رد الصاع صاعين لكي لا يجرؤ على تكرارها. وهنا لا أحد يستطيع أن يضمن النتائج وقد يؤدّي ذلك إلى التصعيد واستعمال العنف وهذا أمرٌ قد لا تُحمد عقباه. هنالك ايضا امكانية، الالتزام بالصمت "وبلع" المهانة والعيش معها بسلام، ولكن عليه أن يتذكّر أنّ تكرار مثل هذه العمليّة قد تجعله مسلوب الكرامة. يمكن ايضا تأجيل الردّ على المهانة الى وقت لاحق لأنّ الردّ عليها الآن لا يصبّ في مصلحته أو أن ميزان القوى القائم لا يتيح له ذلك. هنالك ايضا إمكانية ينبغي التأمل بها وهي تقنيّة الغضب الآتي من المهانة وتحويله إلى فرصة لتحسين الحال.
لقد قرأت عن الكثير من الناس الذين يكنّون "الشكر والامتنان" لمن قام بإهانتهم لكونها الشرارة الأولى التي أدّت إلى تغيير مسار حياتهم إلى الأفضل. فأحدهم يحدّثك عن معلّمه بالمدرسة الذي قام بإهانته أمام أقرانه مدّعيًا بأنّه "كسول" و"بليد" و"متخلّف ذهنيًّا" ممّا أدّى به ترك المدرسة والانخراط في سوق العمل ومن ثمّ إلى الارتقاء به إلى درجات عليا حيث أصبح مع الوقت من كبار رجال الأعمال. وهنالك من تُحدّثك عن زوجها الذي تركها دون سبب بعدما كانت قد تنازلت عن مسار تعلّمها رغم تحصيلها العالي، حيث رجعت إلى مقعد الدراسة وحازت على شهادات عليا ونالت جوائز مرموقة.
مطلوب منّا العمل على الجانب الذي أُنتقدنا به أو أتت منه المهانة. إن كان التعليق يخصّ شيئًا عديم الأهمّية بالنسبة لنا فنحن غير ملزمين بالتغيير، ولكن إذا تطرق هذا التعليق الى مسألة حسّاسة في حياتنا علينا أن نعيد النظر بها ونعمل على تحسينها. لا أحد كامل، وليكن ذلك التعليق نقطة البداية كي نحسّن ذلك الجانب الخاصّ في حياتنا.
من ناحية أخرى علينا أن نتجاهل التعليقات التي لا جدوى منها والتي لا تعكس الحقيقة والمقصود منها فقط إيذاء مشاعرنا. عندما نسمعها علينا أن نتذكّر فورًا بأنّ الناس غالبًا يُنزلون الإهانة بغيرهم بدافع الغضب أو الغيرة. بعض الناس ايضا يستمتعون بإيذاء الآخرين أو لديهم ميل للغيرة من الأشخاص الطيبين والودودين والسعداء. في مثل هذه الحالة أيّ شيء يقولونه لنا يجب أن نضعه وراء ظهرنا. إنّ الردّ عليهم بفظاظة وبنفس طريقتهم غير مُجدٍ وقد يكون الردّ عليهم بابتسامة أنجع رد.