يصادف هذا الأسبوع في الثامن من آذار يوم المرأة العالمي، الذي يحييه الناس في كل أرجاء المعمورة. ليس هذا يوم احتفال ولا هو يوم ذكرى، بل هو مناسبة لتجديد العهد وللتأكيد على الالتزام بالنضال من أجل حق المرأة، في كل زمان ومكان، في المساواة والعدل والحرية، كما أن الأول من أيار هو يوم التأكيد على حقوق العمال. لعل أكثر ما يميز يوم المرأة هذا العام هو السؤال الكبير حول تأثير الربيع العربي على النساء العربيات عموماً، وهناك خشية أن يتحول ربيع العرب إلى خريف النساء، حيث لا مقارنة بين دور النساء الحقيقي والفعلي والمؤثر في النضال ضد أنظمة التسلط وبين مشاركتهن في صياغة نظام ما بعد الثورة، لا بل إن هناك قوى تحاول وتسعى لفرض تراجع حتى عما هو قائم للنساء من حقوق في القوانين والدساتير، حيث ينادي البعض باستبدال مبدأ المساواة بمبدأ التكامل، وكأن المساواة هي نقيض التكامل. لقد كانت المجتمعات العربية شجاعة في مواجهة أنظمة القمع والاستبداد لكنها مترددة وخائفة من مواجهة ذاتها ومراجعتها، والنظر إلى حالة التمييز والإجحاف بحق النساء. كيف يمكن أن تكون النساء في الصف الأمامي في النضال والثورة، وتكون في الصفوف الخلفية لصنع القرار؟ إنّ الامتحان الحقيقي والأهم للثورات العربية هو في قضية المرأة بالذات، فهي الدليل عمّا إذا كانت الثورة هي بداية نهضة مجتمع أم مجرد انقلاب في رأس هرم السلطة. ما يجري في العالم العربي، ليس فقط يهمنا، بل يؤثر فينا بقوة، فنحن في الداخل، بداية ونهاية، مجتمع عربي فلسطيني، ليس له خصوصية فحسب، بل له عموميته، إذ له ملامح مشتركة مع بقية المجتمعات العربية، ويمر بتحولات وعواصف اجتماعية ليست بعيدة عن تلك التي يشهدها الناس في مصر وتونس والأردن مثلاً. في كل المجتمعات العربية، بما فيه مجمتعنا في الداخل، يُطرح سؤال العلاقة بين الدين والمجتمع وقضية المرأة. هنا لا بد من التأكيد على أن قضية المرأة ليست دينية، بل هي اجتماعية بالأساس، ولن تضللنا وتغرنا محاولات إضفاء صبغة دينية على مظاهر التخلف والمحافظة والتمييز ضد المرأة في المجتمع. ليس الدين هو العائق وليس هو الذي يمنع أن يكون نصف أعضاء البرلمان من النساء، ولا نصف المحاضرين في الجامعات، ولا نصف المهندسين أو الأطباء أو نصف أعضاء المجالس البلدية، ولا نصف أعضاء الأحزاب وقياداتها. القضايا الاجتماعية الكبرى في العالم العربي هي قضايانا، وبإمكاننا أن نستفيد كثيراً من النقاش الدائر حول تطوير مكانة المرأة وتعزيز دورها في الشأن العام، والحفاظ على حقوقها في الشأن الخاص. ومع ذلك لدينا خصوصيات تنبع من موقعنا كجزء من الشعب الفلسطيني وكمن فرضت عليهم المواطنة الإسرائيلية بعد النكبة، وكان عليهم أن يعيشوا ويعملوا في إطارها. ولعل أهم ميزة لواقع المرأة الفلسطينية في الداخل هي التمييز المزدوج كامرأة وكعربية. لقد حصل تطور كبير في مجال تعليم النساء، حتى أن تحصيلهن التعليمي اليوم هو أعلى بكثير من الرجال في كل مجالات ومستويات التعليم، وهذا تطور له أثر كبير وسيكون له أثر أكبر في المستقبل. ولكن في المقابل لم يحصل تحسن جدي في نسبة تشغيل النساء، وهي ليست أقل من نسبة مشاركة النساء اليهوديات في العمل، بل أقل من نسبة تشغيل النساء العربيات في دول مثل لبنان ومصر وتونس والجزائر. ما من شك بأن نسبة التشغيل المنخفضة هي نتيجة مباشرة للتمييز العنصري ضد العرب. ولو أخذنا، على سبيل المثال، نسبة النساء في عضوية المجالس المحلية والبلدية لوجدنا أنها أقل من واحد بالمائة، ويعود ذلك إلى تهميش النساء في المجتمع. من هنا فإننا أمام معركة مزدوجة للنهوض بمكانة المرأة: ضد سلطة تظلمها كعربية، وفي مواجهة مجتمع يهمشها ويقمع طموحاتها، التي هي عنوان نهضة أمّة ومجتمع. قضية المرأة هي المشكلة وهي مفتاح الحل.