تحدي القرن الحادي والعشرين
بقلم مايكل سبكتر
يعمل الكاتب مايكل سبكتر، الفائز بعدة جوائز، في هيئة تحرير مجلة "ذي نيو يوركر" منذ عام 1998. ومن بين الجوائز التي فاز بها جائزة الامتياز السنوي في العمل الإعلامي التي يمنحها مجلس الصحة العالمي (عام 2002 وعام 2004) وجائزة الصحافة العلمية للعام 2002 التي تمنحها الجمعية الأميركية لتقدم العلوم. سوف ينشر كتابه الذي يحمل عنوان "الإنكار: كيف يعيق التفكير غير المنطقي التقدم العلمي، ويلحق الأذى بكوكب الأرض ويهدد حياتنا”، في تشرين الأول/أكتوبر 2009 (دار نشر بنغوين برس).
يجب أن تتجاوز أهمية واقع الاحتباس الحراري العالمي المناظرات الدائرة حوله، ولا بد من اتخاذ الخطوات المستعجلة لخفض انبعاثات غاز الاحتباس الحراري قبل أن يفوت الأوان.
الناس الذين يرفضون قبول حقيقة أن الايدز، على سبيل المثال، يسببه فيروس أو ان الاحتباس الحراري العالمي حقيقي وينتج عن النشاط البشري، سوف يظلون موجودين. ولكن مع الوضوح المتزايد للحقائق المقلقة بعمق حول وتيرة الاحتباس الحراري، يبدو في النهاية أن صرخات من ينكرون حقيقة تغيّر المناخ قد تغلبت عليها مجموعة متراكمة من الحقائق القاسية. وهذه الحقائق واضحة ومعقدة في آن واحد: بين عام 1961 وعام 1997، فقدت جبال الجليد في العالم حوالي 4 آلاف كيلومتر مكعب من الجليد، ونظراً لكون درجة حرارة القطب الشمالي ترتفع بمقدار ثلاثة أضعاف المعدل العالمي، من المحتمل أن يكون قد فات الأوان لإنقاذ الغطاء الجليدي لمنطقة غرينلاند.
غرينلاند ليست المكان الوحيد المعرض للخطر الحاد من التغيير القسري الهائل. يقدر أحد التوقعات، وهو ليس الأشد تشاؤماً على الإطلاق، بأن مساكن يقطنها ما بين 13 و88 مليون إنسان حول العالم سوف تغمرها مياه البحر في كل سنة في العام 2080 وما بعده. وكما هو الحال دائماً، سوف تعاني الدول الأكثر فقراً من هذا الوضع. فللمرة الأولى منذ فترة يمكننا تذكرها، يظهر الآن البعوض الناقل لفيروسات تسبب أمراضاً خطيرة كالملاريا على سفح جبل كليمانجارو ومرتفعات أفريقية أخرى، وهي أماكن ظلت لقرون طويلة بمثابة ملاذات باردة آمنة من بعض الأمراض الأشد إهلاكاً في العالم النامي.
ورغم التفاوت في التقديرات المحددة، يوافق العلماء والمسؤولون السياسيون بصورة متزايدة على ان السماح باستمرار انبعاثات الغازات وفق المعدل الحالي سوف يستحث حدوث تغييرات درامية في نظام المناخ العالمي. يُشبّه بعض العلماء تغيّر المناخ بموجة عاتية لم يعد ممكناً وقف تمددها. هذه ليست مسائل يمكن حلها بسهولة، ولكن لم يفت الأوان لمنع حصول أسوأ تأثيرات الاحتباس الحراري، رغم ما يقوله الكثير من الناس. مع ذلك، ولمنع حصول الآثار الكارثية لمثل هذه التغيرات، علينا ان نثبت على الأقل هذه الانبعاثات خلال العقد القادم، ثم نخفضها بنسبة لا تقل عن 60 إلى 80 بالمئة بحلول منتصف القرن.
هل هذا الأمر ممكن؟ بكل تأكيد. ولكنه يتطلب اتخاذ تدابير مساوية من التضحية والعلم (وإرادة الأميركيين والأوروبيين في التوقف عن توقع قيام الصين والهند بتخفيض انبعاثات الغاز لديهما بالسرعة التي يتوجب علينا تحقيقها في الغرب، وان نتوقف عن استعمال تقدمهما المحدود كمبرر لعدم القيام بأي شيء).
بإمكان الأفراد ان يعملوا الشيء الكثير. استناداً إلى دراسة قام بها عام 2008 باحثون من جامعة كارنيغي ميلون، على سبيل المثال، إذا امتنعنا ببساطة عن تناول اللحوم والأجبان يوماً واحداً فقط في كل أسبوع، بإمكان هذا التصرف أن يؤثر في تخفيض أثرنا الكربوني الجماعي أكثر مما لو تناول سكان الولايات المتحدة أطعمة منتجة محلياً في كل يوم من أيام السنة. في الواقع، إن إنتاج كيلو غرام واحد فقط من لحم البقر يسبب انبعاثات مساوية لكمية غازات الاحتباس الحراري التي تولدها قيادة سيارة صغيرة لمسافة تزيد عن 112 كيلومترا.
أهم طريقة لكبح انبعاثات الكربون تكمن في فرض رسوم على هذه الانبعاثات من خلال الضرائب أو من خلال وضع حد أعلى لها والمتاجرة بها. من الواضح انه عندما تكون كلفة التلوث منخفضة، لن يتوفر الكثير من الحوافز لوقفه، وتبقى كلفة التلوث منخفضة أكثر بكثير. لم تصادق الولايات المتحدة أبداً على بروتوكول كيوتو لأن إدارة بوش والكونغرس الأميركي خشيا بأن ذلك قد يؤدي إلى خسارة الكثير من فرص العمل. ولكن، تدرك حكومة الرئيس أوباما وعدد متزايد من أعضاء الكونغرس أن الأكلاف الحقيقية للاحتباس الحراري العالمي سوف تكون، وهي كانت في العديد من الحالات، أعلى بكثير من أكلاف الزعم بعدم وجود المشكلة. فالأزمات التي يستحثها المناخ تطرح خطر الإخلال باستقرار مناطق بأكملها في العالم.
ولكن كيف نخفض انبعاثات الوقود الأحفوري؟ إحدى الطرق بالطبع هي استهلاك كمية أقل من هذا الوقود. وطريقة أخرى هي تطوير أنواع جديدة من الوقود، أنواع لا تُرهق بيئتنا. يحاول علماء عبر العالم ان يفعلوا ذلك بالضبط. في الولايات المتحدة، يعمل في الوقت الحاضر أناس مثل كريغ فنتر، الذي أدار الفريق الذي فاز بمنافسة تحديد تسلسل الخريطة الجينية البشرية، على هندسة ميكروبات يمكنها أن تساعد في مساعدة الولايات المتحدة على وقف إدمانها على النفط، ويمكنها في نفس الوقت خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بدرجة شديدة. هناك حالياً العديد من الجهود المماثلة التي تجري عبر البلاد. فمثلاً، في ولاية كاليفورنيا، قامت شركة أميريس بيوتكنولوجي، التي كانت قد أنتجت دواء اصطناعياً للملاريا، بهندسة ثلاثة ميكروبات تستطيع ان تحول السكر إلى وقود، بما في ذلك ميكروب يحول الخميرة والسكر إلى شكل من الديزل قابل للاستعمال. تقول شركة أمريس انها بحلول عام 2011 سوف تنتج أكثر من 750 مليون لتر من وقود الديزل في السنة، وهذا دليل هائل على مبدأ أن باستطاعتنا إنتاج أشكال جديدة من الطاقة دون تدمير الجو. من جهتها، أشارت حكومة أوباما، بالكلام والمال، إلى انها سوف تدعم مثل هذه المبادرات التي قد لا تكون سهلة في عالم تسيطر عليه القوى السياسية للمصالح الراسخة.
لن يكون أي جهد من هذه الجهود كافياً لصنع الفرق دون تعاون دولي. بدأ أناس عديدون يدركون ذلك، ولهذا السبب، على سبيل المثال، بدأ دعاة المحافظة على الطبيعة بدفع المال إلى مزارعي الأشجار الفقراء في أماكن مثل إندونيسيا لكي لا يسمحوا بقطع أشجار غابات المطر في بلادهم وتدميرها على أيدي الحطابين. يمكن أن آمل فقط أن لا ننتظر حصول كارثة لجعل الباقين منا يواجهون التحديات الخطيرة التي نواجهها نحن، أو أن نؤمن بحقيقة أنه يمكننا، بل ونستطيع، مواجهتها بنجاح.