لقد تعوّدنا ومنذ نعومة اظفارنا ان نلجأ الى "الزعل" كلما اردنا ان نحصل على غرض ما او أن يسمحوا لنا القيام بعمل ما او لمجرّد استحواذ العطف والاهتمام من قبل والدينا او اشقائنا او اقربائنا, وقد تعوّدنا ايضا ان يُسارع ذوونا بارضائنا وتلبية طلباتنا حيث لا يرضون بزعلنا من باب الحبّ والرأفة بنا. على ما يبدو اننا نشأنا وترعرعنا على هذه العقلية وان استعمال "الزعل" كوسيلة ضغط او لفت نظر لا تخصّ عالم الأطفال فقط وإنّما تخصّ عالم الكبار ايضا وحتى المتقدمين في السن وهي منتشرة في كثير من نواحي الحياة. فهنالك الزعلان من حزبه او من طائفته او عائلته وهنالك الزعلان من رئيسه في العمل او شريكه في القسم وهنالك الزعلان من فريقه الرياضي او زملائه في النادي وغير ذلك من انواع الزعل.
ويتوقّع اغلب الزعلانين ان يسارع من كان السبب وراء زعلهم بترضيتهم والإهابة بهم لإرجاعهم الى مواقعهم وعندما يتوانون عن القيام بذلك فيطير صواب الزعلانين ويتحوّلون الى "كتلة ملتهبة" من الغضب والسخط على الأطر والمجموعات التي انشقّوا عنها. لو حاولنا مساءلة الزعلانين ومراجعة اسباب وظروف "الزعل" لوجدناها معقّدة ومتشابكة وقد يعيبها وجود الكثير من المبالغات او التعتيمات او انصاف الحقائق ويصعب على اكبر المحقّقين والقضاة فهم طلاسمها, فهل صاحبنا مظلوم فعلاً والاطار المنشق عنه ظالم ام بالعكس؟ هل صاحبنا رجل مبادئ وقيم ام دكتاتور ومتهوّر ولا يعجبه العجب؟!
ما اريد ان انوّه به هنا هو ان استعمال "الزعل" كأداة لتغيير المواقف والقرارات التي صدرت او لم تصدر عن الإطار هو امر مرفوض كليا وهو بعيد كل البعد عن النضوج الفكري والنفساني والروح الديموقراطية المعتمدة على رأي الأكثرية. اذا حاولتم متابعة سيرةالزعلانين او المنشقّين فترى انهم الخاسرون من كل القضية, فمن ناحية تراهم يهابون الانخراط في أطر منافسة لعدم تنازلهم عن مبادئهم وثوابتهم, ومن ناحية اخرى فانهم لا يسمحون لانفسهم بالرجوع الى اطرهم السابقة خشية ان يُفسّر ذلك ضعفا او تراجعاً.
اذا اثار اطارك او مجموعتك غضبك او لم تعجبك مواقفه وتوجّهاته فما عليك إلاّ ان تجمع قواك وتثبّت خُطاك وتقدح زناد فكرك وتستعمل كل مواهبك وعلاقاتك الشخصية وان تسعى حثيثا للفوز على معارضيك واقناع الآخرين بوجهة نظرك, لانه "ليس على الزعل وحده يحيا الانسان.."