المحامي قيس يوسف ناصر أودعت لجان التنظيم اللوائية في الفترة الأخيرة مخططات هيكلية محلية لبلدات عربية مختلفة، أذكر منها على سبيل المثال المخطط الهيكلي لبلدة إكسال، والمخطط الهيكلي المحلي لقرى طلعة عاره (المخطط الهيكلي المشترك لمصمص, مشريفة والبياضة).
وسأبين في مقالتي القصيرة هذه، أن المخططات المذكورة التي أودعت لا تساهم, بصيغتها الحالية, في حل أزمة السكن في الوسط العربي. على العكس، إن هذه المخططات التي لا تمكن المواطن العربي من إصدار رخصة بناء في الوقت القريب، ستضطر المواطنين العرب المحتاجين إلى المسكن إلى البناء بغير رخصة والدخول بعدها في دوامة أوامر الهدم والغرامات المادية التي ستصدرها لجان التنظيم بحجة "تطبيق القانون".
من أبرز المشاكل التي أراها في المخططات الهيكلية الجديدة التي أودعت، أن كل واحد من هذه المخططات حدد مناطق تخطيطية تسمى مناطق "التوحيد والتقسيم" (باللغة العبرية "מתחמי איחוד וחלוקה"), وحسب نظام كل مخطط لا يمكن اصدار رخصة بناء في ارض تقع داخل هذه المناطق الا بعد المصادقة على مخطط "تقسيم جديد" يقسم من جديد "منطقة التوحيد والتقسيم". مخطط "التقسيم الجديد" يقسم منطقة "التوحيد والتقسيم" الى الى قطع ارض جديدة وذلك بعد ان يقتطع, من كل قسيمة من القسائم الأصلية جزءا نسبيا للأغراض العامة كالشوارع والمباني العامة وغيرها.
حقا, إن مخطط "التقسيم الجديد" (باللغة الأنجليزية "Land Readjustment" أو "Reallocation") متبع في بلادنا منذ كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني في قانون التخطيط لعام 1936. وحقا، إن مخطط "التقسيم الجديد" يعد وسيلة تخطيطية هامة في عصرنا، في دول شتى، من أجل الوصول إلى أحسن وأربح استغلال للأرض وللحصول على الأراضي العامة بصورة تؤمّن نظريًّا المساواة في المساهمة المطلوبة من كل فرد في "المال العام". إلا انه، حسب رأيي، يوجد عدد من المشاكل الجوهرية في المخططات الهيكلية الجديدة التي أودعت في كل ما يتعلق بموضوع توحيد وتقسيم الأراضي، وهي مشاكل تقلل من احتمالات المصادقة على مخططات التقسيم الجديد في "مناطق التوحيد والتقسيم" التي حددها كل مخطط، ومن ثم الى عدم حصول المواطن العربي على رخصة بناء على أرضه.
من هذه المشاكل أذكر اولا، أنه توجد صعوبة، بشكل عام، في المصادقة على مخططات تقسيم جديد في البلدات العربية. يعود هذا بالأساس إلى أن أكثر الأراضي في الوسط العربي هي أملاك خاصة يملكها أفراد ولا تتبع للملك العام. يصعب إلزام الفرد أن يشترك في تقسيم جديد يُفقده قسيمته الأصلية التي ورثها كابرًا عن كابر ويمنحه مكانها قطعة وإنْ كانت قيمة القطعة الجديدة أكبر من قيمة القسيمة الأصلية. لنفس السبب قد لا ينفذ مخطط التقسيم الجديد وإنْ صودق، أو سيكون تنفيذه مشوبًا، في أكثر الحالات، بصراعات قاسية بين أصحاب القسائم الأصلية الذين يرفضون التقسيم الجديد.
ثانيا، من خلال اطلاعي على مخططات التقسيم الأخيرة كمخطط قرى طلعة عاره، ومخطط إكسال، تبين لي أن مناطق "التوحيد والتقسيم" حُدِّدت من غير أن تجري لجنة التنظيم اللوائية ذات الصلة وإدارة التخطيط في وزارة الداخلية بحثًا مهنيًّا لملكيات وقيمة الأراضي في كل منطقة، ولإمكانية تقسيم هذه المناطق بصورة متساوية وعادلة حسب الشروط التي وضعها قانون التنظيم والبناء في البلاد. بل إن لجان التنظيم اللوائية تركت فحص هذه الأمور للجان التنظيم المحلية التي خُوِّلت حسب المخططات بالمصادقة على مخططات "التقسيم الجديد" التي ستحضَّر في كل من مناطق "التوحيد والتقسيم". في غياب فحص مهني كهذا، من الممكن، كاحتمال وارد جدا، أن يتبيّن، في بحث لجنة التنظيم المحلية مخطط "التقسيم الجديد"، أنه لا يمكن المصادقة على مخطط تقسيم جديد في إحدى مناطق "التوحيد والتقسيم"، وحينئذ سيكون هذا اكتشافًا متأخِّرًا يدفع ثمنه المواطن العربي الذي أخذ ينتظر طويلاً المصادقة على مخطط تقسيم جديد على أرضه ليستطيع إصدار رخصة بناء. هذا كله يضاف إلى الخسارة الفادحة للمال العام التي تتجلى في ذهاب وقت ومال وطاقات لجان التنظيم المحلية هدرًا، وفي إعادة مسألة "مناطق التوحيد والتقسيم" إلى لجان التنظيم اللوائية لبحثها من جديد مع كل ما يتطلب هذا من وقت وطاقات ومال من الثروة العامة!
ثالثا، تحصل السلطة المحلية حسب المخططات المودعة بعد المصادقة على مخطط التقسيم الجديد على أراض عامة، في حين أن شرعية هذا الأمر لم تحسم بعد في القضاء الإسرائيلي. في القضاء الإسرائيلي قرارات محاكم ووجهات نظر قانونية متناقضة في هذا الشأن، إلا أن محكمة العدل العليا لم تفصل بعد بشكل نهائي في هذه المسألة القانونية الشائكة.
رابعا، لا تحدد المخططات التي أودعت الجهة الملزمة بتحضير مخططات التقسيم الجديد: لجنة التنظيم المحلية أم المواطن؟ لهذا الأمر أهمية بالغة، ذلك أن لتحضير مخطط هيكلي مفصل للتقسيم الجديد كلفة مادية باهظة من جملتها أجور مخططين، مخمنين، مختصين، محامين وغيرهم. وعلى فرض أن تفسير المخططات المودعة يلقي عبء تحضير المخططات الهيكلية على كاهل اللجان المحلية لا على كاهل الفرد، فإن لجان التنظيم اللوائية أو إدارة التنظيم في وزارة الداخلية لم تطرح أي نظام مادي يضمن قدرة لجان التنظيم المحلية، من الناحية المادية، على تحضير مخططات التقسيم الجديد والمصادقة عليها.
خامسا، لا تحدد المخططات أيضًا الزمن الأقصى للمصادقة على مخططات التقسيم الجديد، ولا تطرح حلا لصاحب أرض لم يصادق عليها مخطط تقسيم جديد خلال فترة اجتازت الوقت المطلوب منطقيا لتحضير المخطط والمصادقة عليه. أنوه هنا أنه لغياب تفاصيل ضرورية كهذه لم تصادق إلى يومنا هذا مخططات تقسيم جديد في مناطق كثيرة في القدس الشرقية مع أن المخططات الهيكلية التي حددت "مناطق التوحيد والتقسيم" صودق عليها قبل عشرات السنين!
سادسا، المخططات المودعة، التي أجّلت تحضير مخططات التقسيم الجديد التي هي شرط لإصدار رخصة بناء في "مناطق التوحيد والتقسيم"، لا تحقق قرارات حكومة إسرائيل الرامية، حسب إعلان الحكومة، لحل مشكلة السكن في الوسط العربي ومشكلة البناء بغير رخصة، الناجمة بالأساس عن انعدام مخططات هيكلية تمكن المواطنين العرب من إصدار رخص بناء على أراضيهم.
لهذه الأمور ولأمور جوهرية غيرها أرى أن المخططات الهيكلية الجديدة المذكورة لا تضمن للمواطن العربي في الوقت القريب، أعني السنين القريبة، إمكانية الحصول على رخصة بناء على أرضه، فتكون هذه المخططات الهيكلية التي أودعت تحت شعار حل أزمة السكن في الوسط العربي، "كلام حق يراد به باطل"!
*يعمل الكاتب أيضا محاضرا لموضوع التنظيم والبناء في كلية الحقوق في الجامعة العبرية بالقدس.