درجت العادة في مجتمعاتنا على اعتبار اعتراف الأنثى بالحب من التابوهات التي لا يجوز التفكير بها.. وكأنه عمل مشين شبيه بتلك الاعترافات التي نفصح عنها في الظلام في حضرة كاهن مجهول.
هذا السر الجميل التي تحتفظ الأنثى به داخلها لكي لا يحيله البوح والجهر به الى رذيلة.. نعم رذيلة ومن مَن؟! من رجل لم ترتكب الأنثى أي ذنب بحقه سوى أنها أحبته.
صراحة! ما دفعني لكتابة هذا المقال بالإضافة الى العديد من القصص والمشاهدات التي رأيتها وسمعت عنها في حياتي وكنت أعتقد أنها حكر على فئة معينة فقط من الرجال.. ما دفعني هو مشاهدتي بالصدفة للقاء تلفزيوني لأحد الشعراء المعاصرين البارزين على إحدى المحطات التلفزيونية.. فخلال اللقاء توجهت مقدمة البرنامج بسؤال لشاعرنا العظيم سألته فيه عن موقفه من اعتراف أنثى ما له بحبها.. ويبدو أن وقع السؤال عليه كان سيئاً لدرجة لم تمكنه من إخفاء حقيقة مشاعره والتي عبر عنها باستياء كبير من وقاحة أي أنثى تفكر بأن تقول كلمة (أحبك) لأي رجل!.. واعتبر بدوره أن أي أنثى تقترف هذا العمل المشين(من وجهة نظره طبعاً) لا تستحق أي ذرة من اهتمامه وعواطفه!
بالحقيقة أثارت ردة الفعل هذه العديد من التساؤلات داخلي: هل الحب عمل، أو جرم يحاسب عليه القانون والدين؟! وهل الصراحة هي من السلوكيات السلبية في مجتمعنا كالكذب مثلاً؟!
يتمتع الرجل دائماً، في مجتمعنا، بجملة من المكاسب الذكورية التي تمنحه الحق في التعبير عن مشاعره للأنثى التي يحبها.. فهو يحب ويعشق ويصارح حبيبته بمشاعره دون أن يحاسبه أحد على ذلك أو يقيم تصرفه هذا.
ولكن ماذا لو تجرأت المرأة على ارتكاب نفس هذا الفعل؟! سيكون ذلك الاعتراف كفيلاً بتوجيه المئات من أصابع الاتهام والشك نحوها التي تمس بأخلاقها ونزاهتها وحسن سلوكها. وستفهم تلك الصراحة العفوية بأنها خدش لحياء الأنثى ومخالفة ً لما ترتبت عليه من عادات وتقاليد.
لا أدري أين المشكلة.. هل هي في تفكير الرجل الذي يحب أن يستأثر ويكون السباق في كل شيء حتى بالاعتراف بالحب؟! أم هي في الفهم الخاطئ لأصول التربية التي نشأنا عليها؟ وأعني هنا أننا صحيح تربينا جميعا بمجتمع له عاداته وتقاليده الواجب احترامها، ولكن لا أعتقد أننا نشأنا على اعتبار الصراحة عمل سيئ يجب أن نعاقب عليه! دائماً كانت الصراحة سلوك يحض عليه الأهل أولادهم بكل تفاصيل سلوكهم ومع اختلاف تصرفاتهم في مواقف عدة.. فلماذا إذاً عندما يتعلق الأمر بالحب ينقلب مفهوم الصراحة من الإيجاب الى السلب؟!
فأغلب الرجال يميلون لتفسير اعتراف الفتاة بالحب هو عملية اضافة شخص جديد الى قائمة من اعترفت لهم بحبها سابقاً لا أكثر.. وهنا أعتقد أن الانسان دائماً هو الوحيد القادر على تفسير وتوجيه الأمور سلباً أو ايجاباً حسبما يريد، فالرجل الذي يفهم صراحة الأنثى على أنها تكرار لعمل سيئ اقترفته مع الكثيرين وأنها وقاحة لا تغتفر، هو ذاته يستطيع أن يفسر الأمر على نحو أكثر ايجابية، ويعتبر هذه الصراحة دليلاً على مشاعر صادقة ونبيلة تريد الأنثى أن تخصه بها وحده دون غيره.. ولأدرك أن الحب أسمى من أن يتداول من شخص لآخر بشكل مبتذل.. فمن يريد أن يرى الأبيض يستطيع، ومن يريد أن يرى الأسود يستطيع.. ويبدو أن أغلب الرجال (وليس كلهم) يميلون للسواد والسلبية في التعاطي مع مشاعر الأنثى دائماً.
ما أود أن أقوله أخيراً أنه هناك دائماً خيط رفيع ما بين الصراحة الصادقة والوقاحة المبتذلة وأتمنى من كل رجل أن يمتلك القدرة على التمييز بينهم لأنه هو المستفيد الوحيد في كلا الحالتين.
نسرين أنابلي، (الاعتراف بالحب... خطيئة الأنثى الكبرى)
خاص: مرصد نساء سورية