عبدالرحمن اليحي التركي
بسم الله الرحمن الرحيم
حديثي معكم عن نعمتين عظيمتين بفقدهما يزهد الانسان في الحياة ويتمنى الموت ولاتطيب له الحياة انها نعمة الامن في الاوطان والصحة في الابدان اما نعمة الامن فهو نعمة عظيمة من اعظم النعم تسعى الامم الى تحقيقها بشتى الوسائل لكي يكون الانسان فيها امنا على نفسه وماله وعرضه بل ان نبي الله ابراهيم سال الله الامن قبل الرزق كما في سورة البقرة ( رب اجعل هذا بلدا امنا وارزق اهله من الثمرات من امن منهم ) واذا فقد الانسان الامن لم يستقر له قرار ولم يجد لذة العيش ولم يجد لذة الشراب بل ورد في البخاري عن ابي هريرة مرفوعا ( لاتقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول ياليتني مكانه ) والسبب انه سيقع فتن وبلاء وشدة حتى يكون الموت الذي هو اعظم المصائب اهون على المرء فيتمنى الموت بسبب الشدة والبلاء نسال الله معافاته ومغفرته لان الانسان اذا اصبح خائفا لم يتلذذ بالحياة فلا تحلو الحياة بدون امن ولايطيب العيش بدون امن وهذه الامم الكافرة تحاول وتبذل الجهد لتحقق الامن عبر المخترعات العصرية وتراقب الجريمة بالاقمار الصناعية ومع ذلك لم يستطيعوا تحقيقه لان الناس اذا كفروا بالله وانتشر الفساد بينهم ولم ينكروه عمهم الله بعقاب من عنده وسلط بعضهم على بعض فهم ما بين ساكت وعاصي اما نعمة الصحة فهي الملك الخفي وفي الحديث ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) فاذا مرض العبد وسرت الآلآم في جسده فقد لذه الحياة ولم يجد لذه العيش حتى ولو خرج مع الناس في المتنزهات لم يجد لذة الراحة ولن يجد لذة الطعام والشراب وفي الحديث عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لابد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي))(133) ( متفق عليه) وفي الحديث ( او مرضا مفسدا ) رواه الترمذي عن ابي هريرة المرض المفسد أي يفسد عقله او بدنه فيصبح حبيس الفراش ولا يستطيع القيام بالطاعات ومعناه استغل صحتك خشية عارض مرض يلحقك او يصيبك فتعجز عن الطاعات رجل مريض في مستشفى النقاهة زاره احد الاخوة في شهر رمضان وكان غنيا فاصبه الفقر والمرض فلما راى الزوار بكى فاخذوا يهونون عليه فقال انا لابكي من اجل المرض ولكن ابكي لان الطبيب معني من الصيام واسمع الناس يصلون التراويح ولا استطيع فانا ابكى لذلك واذا تصورنا هاتين النعمتين نعمة الامن ونعمة الصحة فقد اشار اليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي وحسنة الالباني عن سلمة بن عبيدالله بن محصن الانصاري عن ابيه مرفوعا ( من اصبح منكم امنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا ) وزاد البخاري في الادب المفرد ( حيزت له الدنيا بحذفيرها ) هذا الحديث له مفهومان الاول ان من تحققت له الصحة والامن فلو لم يملك الا قوت يوم فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها والثاني ان من لم تتحقق له الصحة والامن فلو حاز على الدنيا كلها فلا قيمة لها والسؤال الذي يتبادر الى الاذهان كيف يتحقق الامن وتدوم الصحة والجواب لاشك ان الله وعد عباده في كتابة بالامن والخير وعلق ذلك على شرط فلا يتحقق وعد الله الا بضابطه ولذلك جعل الله ضوابط لوعده في كتابه فمن اتى بالشرط حصل على الوعد ونذكر عدة امثلة على ذلك منها قول الله كما في سورة هود ( ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين ) لكن نوح عليه السلام لم يفهم ضابط الوعد حينما قال الله (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه القول ) الله امرة ان يحمل من امن من اهله واما من كفر فلايحمله ولذلك قال الله له ( انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح ) كافر ومنها الله وعد اهل الجنة ان يلحق بهم ذرياتهم ) لكن بشرطه فقد ذكر الله في سورة الطور ( الحقنا بهم ذرياتهم ) وذكر في ايه اخرى ( ومن صلح من ابائهم وازواجهم وذرياتهم ) فهو مقيد بمن صلح منهم اما الفاسق والكافر فلا وكذلك الدعاء الله امرنا بدعاءه ووعدنا بالاستجابة لكن هذا مقيد بشرطه ( فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي ) فمن استجاب لله استجاب الله له
واذا تصورنا هذا كله فالسؤال كيف يتحقق لنا الامن في الاوطان والجواب اذا حققنا هذه الشروط والضوابط 1- تحقيق الايمان والعمل الصالح يتحقق لنا الامن كما في قولة تعالى ( فاي الفريقين احق بالامن ان كنتم تعلمون ) فكان الجواب ( الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم ) وفي سورة النور حينما وعد الله المؤمنون ( وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا ) شرط بعدها تحقيق التوحيد (يعبدونني ولا يشركون بي شيئا ) ثم قال بعدها ومن كفر بعد ذلك فاولئك هم الفاسقون أي الخارجون عن طاعة الله والمعرضون انفسهم لزوال النعمة 2- تحقيق اقامة الصلاة وايتاء الزكاة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في سورة الحج ( الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة الاية ) فاذا اقام الناس الصلاة على الوجه المطلوب نهتهم عن الفواحش والمنكرات لايكفي انك تصلي واذا ادوا الزكاة كما امر الله وواسوا بها الفقراء حصلت الالفة بين افراد المجتمع وذهب الحسد والبغضاء بينهم لكن مع انتشار الفقر والحاجة تنتشر بينهم امراض القلوب وتكثر السرقة بل سمعت رجلا قيل له لماذا تروج المخدرات فقال الحاجة واذا اقاموا شعيرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سلموا من الفتن وتفرقة الامة لان الله قال ( ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون ) لان ترك الامر بالمعروف سبب للفرقة لذلك قال بعدها (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) لان ترك الامر بالمعروف سبب للفرقة لان الناس يتركون الدعاة الذين على ابواب جهنم يحققوا ماربهم من الاختلاط و وتهوين امر الحجاب ونشر الرذيلة لذلك يجب الاخذ على ايدي دعاة الضلالة والاخذ على يد السفيه العاصي واطره على الحق اطرا حتى لاتغرق السفينة واذا تركوا فالله يقول ( واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) بل تصيب الساكت والعاصي 3- اقامة الحدود لان الناس اذا علموا انها تقام عليهم الحدود ارتدعوا عن الجرائم فيقتل القاتل حتى يرتدع خلفه الف قاتل وتقطع يد السارق حتى يرتدع خلقه الف سارق وفي الحديث عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إقامة حد من حدود الله خير من مطر أربعين ليلة في بلاد الله عز وجل ...)رواه ابن ماجه وحسنه الالباني 4- شكر النعم فاذا شكرت زادت وشكرها استعمالها في طاعة الله واذا كفرت ذهبت وكفرها استغلالها في المعاصي واذا بقيت فهي استدراج للعبد وقد ذكر الله عن القرية التي ياتيها رزقها رغدا من كل مكان ولكن قال ( فكفرت بانعم الله فاذاقها الله لباسين ( لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) خلاصة الامر اذا حققنا الايمان والعمل الصالح فلنا الامن في الدنيا والامن في الاخرة وان ابينا فسنتة الله لاتحابي احدا ومهما احتاط العبد فان الله سياتيهم من حيثوا لم يحتسبوا واذا فقدنا نعمة الامن بالمعاصي فلا قيمة للحياة حتى ولو حزنا على الدنيا كلها فتقوا عباد الله وخذوا على ايدي العصاة وانكروا المنكرات حتى لاتغرق السفينة على ايدي دعاة ابواب جهنم )
كتبه عبدالرحمن اليحي التركي امام جامع النور في 4/4/1432هـ