زامل شبيب الركاض* تعتبر الخطوة الأهم في مجال مكافحة الفساد هي حماية المال العام والتأكد من توظيفه في تحقيق المصلحة العامة من خلال تحديد مشاريع التنمية الفعلية وتنفيذها بأسعار حقيقية غير متضخمة وبجودة عالية دون الحاجة إلى المزيد من الإنفاق على البنية التحتية مرة أخرى، وتضمن وصول المنفعة لمستحقيها، وتمنع في الوقت نفسه المبالغة في قيمة بعض المشروعات التي يمكن أن تساهم تكلفتها في بناء العشرات منها في البلدان الأخرى، حيث أن هذه الزيادة الخيالية في قيمة المشاريع تذهب معظمها لحسابات المتنفعين، وهذه جريمة مركبة في حق الوطن والمواطن. ومعظم دول العالم تمتلك أنظمة خاصة بوظائف مباشرة الأموال العامة وشروط التعيين فيها والضمانات اللازمة لصيانة المال الموجود في عهدة من يشغلونها والمكافأة التي يستحقونها وكذلك العقوبات التي تترصد كل من يثبت ارتكابه لجريمة الاختلاس أو التبديد أو التصرف بغير وجهة شرعية في الأموال العامة واعتبرت هذه الجرائم من صور جرائم الاختلاس المشددة إذا وقعت من الخاضعين لهذا النظام وشددت في العقوبة عليها بعقوبات أصلية مثل الحبس والغرامة أو بكليهما معا فضلا عن العقوبات التبعية مثل رد المال المختلس والتعويض والعزل من الوظيفة العامة، لكن هذه الأنظمة تبدو غير كافية في حالة عدم وجود نظام مراقبة ومحاسبة يخضع له جميع موظفي الدولة .
وكما أسلفنا فإن الدولة وحدها لا تستطيع أن تحكم السيطرة الكاملة على من يتولون الإشراف على إنفاق المال العام دون نظام مراقبة ومحاسبة ومراعاة اختيار القائمين على تنفيذ سياسات الدولة من أصحاب القوة والأمانة والنزاهة والقدرة على تسيير الأمور لقوله تعالى (إن خير من استأجرت القوي الأمين) فالقوي بلا أمانة لا يبقي على شيء والأمين بلا قوة لا يحفظ شيئا، بمعنى أن يكون الالتزام نابعاً من داخلهم محافظين على الأمانة التي حملتها أعناقهم وأن يكون هدفهم المصلحة العامة والمحافظة على أموال المسلمين ومراعاة أن تصل الحقوق إلى مستحقيها الفعليين دون تتبع للأهواء والنزعات الشخصية.
ونخلص إلى أن هذا المال العام نعمة من الله تعالى القائل (والله يرزق من يشاء بغير حساب) فحفظ هذه النعمة يبدأ من إنفاقها ابتداء في مرضاة الله وحماية الدين والمقدسات وبناء وتنمية الوطن والأخذ بأسباب القوة والعزة والمنعة والاستثمار في أبناء وحماة الوطن، وهذه الدولة المباركة حرسها الله عند تقدير ميزانيتها تعمل على تحديد احتياجاتها التنموية والتكلفة العامة للمشروعات وتضع نظاما محاسبياً يضمن إنفاق المال العام في الأغراض المخصصة له، ولكن تبقى مسؤولية كل من حمل في عنقه أمانة تقدير تكلفة المشاريع أو تنفيذها والتصرف في المال العام وأنه سيسأل عن هذه الأمانة في الدنيا والآخرة، لقوله تعالي (ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)