يأخذ عقد الزواج في مجتمعاتنا، طابع صك الامتلاك، فعند توقيعه تنتقل المرأة من خانة الأهل لتصبح على قيود الرجل، الذي دفع مقابل ذلك مهراً متعارفاً عليه. فللعلاقة الزوجية مبدئيا شكل الملكية، وكرد فعل طبيعي لدى المرأة تسعى بكل ما لديها وتحاول ما أمكنها لامتلاك الرجل نفسياً وجسدياً، لتحقق بعض التوازن لعلاقتها مع المالك. وقد انعكس ذلك في موروثنا جلياً،عبر خبرة اجتماعية تربوية تراكمية تحكمها العقلية البطريركية والذكورية السائدة والتي تتجلى في تربية الفتاة على طرق كسب الرجل ومحاولة إحكام سلطتها النفسية عليه، بإبقائه "تحت العين" حتى لا يعدد ملكياته "زوجاته"، في سعيها لتأمين حياة أسرية مستقرة كما تظن، وتعكس كثير من الأمثال الشعبية مفاهيمنا الاجتماعية بهذا الخصوص "يا مأمنة الرجال يا مأمنة المية بالغربال" الذي يعكس فقدان الأمان مع الرجل. وكذلك "أقرب طريق للرجل عبر معدته" وغيرها كثير.... وهكذا نرى حالة من السعي لإرضائه على كل المستويات وبالمقابل محاولة اتقاء غدره المتوقع دائماً، وربما كان هذا هو الدافع لممارسة بعض الأساليب لإغواء الرجل بشكل دائم ويبدأ ذلك من الجِهاز "ما تجهزه العروس" فمن أساسياته بدلات الإغواء والرقص..الخ. هذا ليس موضوعنا وقد نفرد له حديثاً آخر، لكننا ارتأينا استعراض صيغة عامة في موروثنا تؤكد على أنّ العلاقة الزوجية علاقة تملك يتبادل فيها الطرفان السعي لإثبات جدارته بهذه الملكية!. ومهما اختلفت سويات الأزواج، إلا أن العلاقة الزوجية لم تخرج عن الإطار النفسي الموروث والمتكرر عبر أزمنة طويلة، قد تأخذ أحيانا هذا الشكل التقليدي الفاقع، أو تتلون ببعض الأقنعة التي تفرضها حالة ثقافية أو اجتماعية معينة، ولكن للأسف لم تخرج أبداً من إطارها النفسي والاجتماعي المعتاد ذاته، الذي يؤطر العلاقة الزوجية ويظهرها كعلاقة تملّك لا كمؤسسة مؤلفة من شريكين أساسيين لكل منهما استقلاليته الشخصية، وبات ذوبان كل طرف بالآخر هو المعيار الوحيد لنجاح الزواج. وكثيراً ما نشاهد الأزواج متلاصقين في علاقاتهم الإجتماعية وفي نشاطاتهم الإجتماعية حتى تكاد تتلاشى شخصية أحدهما بالآخر، وفي نهاية حياتهما يغدوان متشابهين حدّ التطابق!! ويعتبر البعض ذلك علامة نجاح للزواج، في حين ما هو إلا قتل لتميز إنسان عن الآخر، وتكريس سيطرة لطباع شخص على طباع الآخر بشكل غير معلن، سواء كان الأمر متعمداً أو غير متعمد، إنما هو نتيجة حتمية لصورة المفاهيم التي تحكم العلاقة دائما. وغالباً ما تكون الخلافات الزوجية ناجمة عن خروج أحد الزوجين عن هذا التشارك المصادِر، وغالباً ما تكون المرأة ضحيته، هذه التي تقتصر حياتها بعد الزواج على تدبير شؤون البيت والأسرة، والعلاقات العائلية التقليدية، فتتلاشى اهتماماتها ونشاطاتها الثقافية والاجتماعية إن وجدت أصلاً، حتى صداقاتها تغدو قليلة ومحكومة بمزاجية الزوج ورضاه أو عدم رضاه عن هذه الصداقات، وتفقد بالتدريج لياقة التواصل الاجتماعي..!! في حين يسعى الرجل دائما لاختراق روتين البيت والزواج بأشكال متعددة ومتاحة، كارتياد المقاهي والمطاعم والبارات، أو زيارة الأصدقاء... إلخ، ويكون ذلك على حساب الزوجة ما يحملها أعباء إضافية تزيد من عبوديتها له وللزواج الذي يتجلى كعلاقة امتلاك غير معلنة. يستغرب البعض أن نعرّف الزواج على أنه علاقة تشاركية تحتاج أن تبقى كذلك بين شريكين متساويي الحقوق والواجبات لتبقى صحية نفسياً وتربوياً، حيث تغدو الأسرة مقياس نجاح لتلك العلاقة، ويعتبرون الحب هو الناظم الوحيد، ولكن علينا هنا أن نكون دقيقين، فربما كان اختيار الزوجين قائماً على أساس الحب، لكننا نضع الحب أمام امتحان صعب إن طلبنا منه حل مشاكلنا المادية والاجتماعية والتربوية واختلاف الطباع والقدرة على الاحتفاظ بشخصية مستقلة لها وجودها وكينونتها، بينما يجب أن تكون مهارتنا ونضجنا في التعاطي مع الحياة اليومية بكل ما فيها هي المسؤولة عن حل تلك المشاكل، وحتى يستمر الحب برقيه يجب أن يحتفظ كلّ من الطرفين بشخصيته المستقلة، لا أن يتماهى بالآخر كحبيب وزوج وشريك، وهذا يتطلب احترام رغبات وقدرات وخصوصية كل منهما للآخر، واحتفاظ كل منهما بمساحة من الاستقلالية تمكّنه من الحفاظ على اهتماماته ونشاطاته، كي لا يغدو بيت الزوجية بمثابة السجن الذي بنياه بكل حب!! ليذوي فيه بقية العمر، كما يحلو لنا أن نردد بحب أيضاً. ويلعب العامل الاقتصادي دوراً هاماً طبعاً، فالحاجة الاقتصادية تحكم الطرفين بالغرق في أعباء كثيرة ينسى فيها كلاهما ذاته، مع ضرورة عدم إغفال ما للاستقلالية الاقتصادية من أهمية كبيرة في الحفاظ على الاستقلالية الشخصية والشعور بالذات وأهميتها، وبالتالي الخروج من أسر الحاجة للآخر كمعيل يفرض شروطه في هذه العلاقة، وغالباً ما تكون المرأة هي الطرف المحتاج والدافع أبداً لثمن حاجته تلك. ومن المهم جدّاً عدم الخلط بين التفاهم على رؤية مشتركة للحياة الأسروية وكيفية التعاطي مع أعبائها واستحقاقاتها الكبيرة والمتعددة، وبين السعي للخروج بالعلاقة الزوجية من إطار التملك، فالإنسان الذي يشعر بذاته وشخصيته يتمكن من العطاء أكثر بما يغني مؤسسة الزواج والأسرة معاً، بينما الذات المهدورة تصل إمّا إلى حمى الرضوخ والإذعان، وإمّا إلى حالة من الاستجابة الدفاعية الّتي تورث قدرة هائلة على إنتاج ما يسمى بـ "النكد الدّائم" في الحياة الزوجية والذي توسم به المرأة دائماً، دون التعريج على أساسه النفسي أولاً والاقتصادي والتربوي ثانياً، وهذا بحث يطول ويحتاج لحديث آخر قد نعود إليه.