من أسوأ ما يمكن أن يواجهه الفرد في حياته هو الصراع الداخليّ مع نفسه؛ أن لا يكون متصالحًا مع ذاته، وأن لا يقبل شخصيّته كما هي. فالحيرة والقلق والتمزّق والصراع الداخليّ، كلّها تؤدّي إلى شلل الإرادة وإلى نتائج لا تحمد عُقباها!
وما يُقال عن الأفراد ينطبق على الجماعات والشعوب.
فحيثُ تدور صراعات داخليّة بين فئات المجتمع/الشعب الواحد، نلمس تعثّر مشاريع البناء والإصلاح والتقدّم والازدهار هناك.
قد تكون الصراعات بين التيارات والأحزاب السياسيّة المختلفة.
وقد تكون الصراعات بين المذاهب والعقائد الدينيّة.
وقد تكون بين الشرائح الاجتماعيّة؛ بين الميسورين المترفين وبين المعسرين المُعْوِزين.
وقد تكون الصراعات بين الانتماءات المتعددة للمواطنين، بدءًا بالانتماء للعائلة والحمولة والعشيرة وحتّى الانتماء الأوسع للوطن وللقوميّة وللإنسانية الشاملة!
والمؤسف، بل المؤلم أنّ القوى المتصارعة عندنا لا تتقن الحوار الحضاريّ الراقي، بل يغلب على الحوار السائد العاطفيّة المفرطة والانحيازيّة الذاتيّة، فلا احترام ولا قبول للرأي الآخر المختلف، ولا توجد خطوط حمراء رادعة تمنع التشرذم والاحتراب الداخليّ المدمّر.
نحن لا نطالب أن يكون الجميع “نسخة” واحدة في الفكر والمعتقد والمواقف، بل على العكس، نبارك التعدديّة الفكريّة والسياسيّة والعقائديّة لأنّها تثري الحياة وتمنحها نكهة مميّزة، تمامًا كما تفعل التوابل التي نضعها على طعامنا.
ويجب أن نتذكّر أنّ فن الحوار الراقي له أصول وأساليب لا تولد مع الإنسان، بل يكتسبها الفرد بتأثير التربيّة المنزليّة مع الوالدين، وبتأثير عوامل أخرى كالمؤسسات التعليميّة ووسائل الإعلام ورجال السياسة والدين والفكر والأدب والفنّ وغيرهم.
إنّ مصلحة مجتمعنا/شعبنا وتقدّمه ورقيّه منوطة بضرورة تبنّي الحوار الإنسانيّ الراقي في تعاملنا مع بعضنا، وبتكاتف جميع الجهود وتضافرها لتحقيق نهضة علميّة ثقافيّة اقتصاديّة.. وبذلك قد نلحق بركب الحضارة والتقدّم كمنتجين مبدعين لا كمقلّدين مستهلكين نعيش على ما يجود به علينا الآخرون من الفُتات!