غزة-خاص-دنيا الوطن) إياد عبدالكريم العبادلة المجتمعات العربية لا تزال أسيرة لبعض العادات والتقاليد التي اندثرت حضاريا منذ زمن طويل ,وبقيت آثارها معلقة في أذهان البعض القليل من الناس المتقدمة في السن ,ورثتها عن أجدادها , وبرغم التقدم الحضاري والتكنولوجي ودخول المجتمعات في عصر ثورة الاتصالات العارمة التي عمت المجتمعات الإنسانية على وجه الكرة الأرضية, ولكن على الرغم من انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة ,والانتشار المتعدد لبرامج التوعية بشتى السبل ,في أنحاء المعمورة ,عدا عن ذلك انتشار المشاريع العديدة والبرامج المتنوعة التي أقرتها الجمعيات والمؤسسات المتخصصة في التوعية والتنمية بشتى الوسائل ,إلا أن الأفكار القديمة لا زالت معلقة في أذهان البعض ,الذين لم يستوعبوا مواكبة التطور ,وتمسكوا بعادات باتت وليدة إشكالية اجتماعية .
تسلط اكبر ابناء العائلة "البكر"
الشائع في المجتمعات العربية أن يزيد من شأن الذكر الأول ويجعله المتسلط والمسيطر في البيت وأحيانا يفرض رأيه على جميع من في المنزل بما فيهم الأب والأم مما يثير استياء البنات والأولاد الأصغر سنا نتيجة للسيطرة المفرطة والخشونة في التعامل ,في حقيقة الأمر ليس ظاهرة بالمعنى الواضح والمفهوم الدارج ولكنها تصرفات فردية لعدد من الأفراد نتيجة تغير الظروف الاجتماعية المحيطة بهم ,وانعكاسات الوضع النفسي الاجتماعي ,وللضرورة أحكام في أدب المعاملة فالأخت ليس غريبة أو من بلد آخر وإنما رحم المرء التي أوصانا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بصلتها وباقي الأرحام , وأكد على ذلك رسولنا الكريم المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ,ومع تعدد الشكاوى والمقترحات تطرقت "دنيا الوطن" لهذه القضية الهامة من مختلف جوانبها المتعددة ,سواء من تفضيا الأم للابن وعلى العكس تعلق الأب بالابنة الأكبر بالإضافة إلى تسلط الابن الأكبر في غياب الأب على إخوته في البيت.
ليس على عكس ما نطرح من قضية أو نتطرق إليها ,فمعاملة سعيد لأخواته في البيت تختلف عن غيره بالرغم من أنه الأكبر سنا فيوليهم كل احترام وتقدير ومعاملة تكاد تعكس عطف الأب الذي شاء القدر أن يحول بينهما وبينه أثر حادث سير مؤسف أودى بحياته ,ويضيف سعيد كنت أحاول دائما أن أكون عادلا بينهم في المصروف والمشتريات ,حتى في الخروج من البيت , ولكن هذا بالطبع لا يمنع أن أكون صارما في بعض الأمور التي من أجل المحافظة عليهم ,وعلى سمعتنا جميعا فنحن نعيش في مجتمع شرقي , والفتاة فيه فريسة تتحلى بكل معاني الشراهة في انتظار من يفترسها , وأشار إلى نقطة هامة حيث أن :" الشباب في المجتمع الشرقي وخصوصا المنغلق عليهم نوعا ما نتيجة التربية أو ما شابه ,بمجرد رؤيته لفتاة تمتع بحرية محدودة يتعامل معها على أنها غريبة عن كوكب الأرض الذي نعيش عليه,بالرغم أنه يخضع لصوت حنون على الجوال وغالبا ما يكون مقلب من أصدقائه.
فرح تشكو دائما غيرتها المفرطة من تفضيل معاملة والدتها لأخيها الأكبر ,حتى هذا الاعتقاد الجنوني لديها أحبطها وسبب لها بعض المشاكل النفسية ,التي اقتادتها إلى تخيلات غريبة مع تطور مراحل مرض الغيرة معها ,بصريح العبارة ومن خلال لقائي بها في عيادة الطب النفسي ,أوضحت لي أنها لم تأتي هنا لمجرد الغيرة مهما كانت ولكن أصبحت تشاهد خيالات في المنام تفزعها على سبيل المثال في إحدى أحلامها المزعجة "بعد نقاش حاد بين أخيها بوجود أمها التي أنبتها لكلامها الغير معقول مع أخيها من وجهة نظر والدتها فسارعت فورا إلى المطبخ لإحضار سكين وطعنت أخيها ,وأمها خرجت تصرخ وأمسكت بتحفة كبيرة في البيت مسرعة نحو ابنتها" حينها فزعت من النوم وتكرر معها مثل هذا النوع من الأحلام كثيرا, ومع تطور الأحداث أخذت بنصيحة صديقاتها وعرضت نفسها على أخصائي نفسي واجتماعي لحل مشكلتها.
مشكلتها ... كانت نقطة تحول في حياتها
المرأة كيان اجتماعي له كل الاحترام والتقدير, لها دورها الريادي والقيادي في المجتمع ,التي يحظى بكل احترام وتقدير من جميع فئات المجتمع ,فكلنا له أم ,أخت ,زوجة ،ابنة يحرص على ظهورها بالشكل اللائق اجتماعيا ,ويخشى عليها من ظلم المجتمع والإجحاف بحقها ,بالرغم من أن لها دور اجتماعي مميز ,يكاد يضاهي دور الرجل في الأدوار الاجتماعية ,هذا من جانبه لا ينفي دور الرجل إلى جانب المرأة في تبادل وتقاسم الوظائف الاجتماعية .
إن ما تعرضت له شيماء ابنة الخامسة والعشرين ربيعا من ظلم وقهر وحرمانها ميراث والديها من إخوانها الغير أشقاء جعل منها انسانة مناضلة من اجل الدفاع عن حقوق المرأة في كل المجتمعات سواء عربية أو أجنبية من خلال عمل مجموعات ولوبيات مناهضة للعنف الأسري أو التمييز ضد المرأة على صفحات الانترنت, .
وتضيف شيماء أن هذا النشاط التي تتمتع به اليوم لم يكن وليد الصدفة, أو وليد تجربة ظلم إخوتها لها بعد وفاة والديها وإنما دافع من داخلها كان يثير عدة تساؤلات في عقلها الباطني حول المفاهيم الاجتماعية المبهمة حول الحقوق والواجبات للمرأة والرجل ,ولكن المشاكل التي تعرضت لها قوت عزيمتها في البحث عن حقوقها كامرأة ,وانخرطت في عدة مؤسسات تهتم بقضايا المرأة ,إلى جانب ذلك وسعت نشاطها عبر حملات ولوبيات عبر الانترنت تواصلت معهم من اجل مناهضة التمييز والقضاء على العنف الأسري ,وطرح مفاهيم جديدة لآليات التعامل بين الرجل والمرأة في المجتمع مع الحفاظ على الحقوق والواجبات لكليهما.
أمي .. برغم الاختلاف في وجهات النظر
"الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية" بهذه العبارة الجميلة سردت "لدنيا الوطن" سماح اشكاليتها مع والدتها ,التي تكن لها كل احترام وتقدير . بغض النظر عن تفضيل إخوتها الشباب عنها وعن أخواتها البنات , إلا أن علاقتها بوالدتها متينة جدا ,مهما حصل منها ,وحتى إن كانت تحظى باحترام اقل من إخوتها وتعزي ذلك إلى البيئة الأساسية التي خرجت منها والدتها ,حيث ربت وسط عادات وتقاليد كانت تمنح الذكر الاحترام الأوفر في تلك الفترة وان واجبات المرأة لا تتجاوز الخروج على عتبة منزلها ,.
وفي لفتة جميلة منها بنظرة حزن تحمل في طياتها بحر من الأحزان مكبوت كغيم غطى السماء فأمطرت بدمعة من عينيها الجميلتين قالت "أحب والدتي كثير ولكن أخشى تصرفاتها أحيانا التي تزرع في قلبي حقد تجاه إخوتي الشباب ,وتمييزا ضد الجنس الذكوري بصفة عامة ,حتى كدت أخشى التعامل مع زملائي في العمل بكل ثقة , وينتابني أحيانا إحساس أنني أعيش في وسط غابة كلها وحوش تنتظر وقوع فريستها ليتسارعوا اقتسامها.
المجتمع الفلسطيني يغلب عليه الطابع الذكوري
أشار الأخصائي الاجتماعي الأستاذ نادر العبادلة أن المجتمع الفلسطيني يغلب عليه الطابع الذكوري نتيجة لعادات وتقاليد موروثة في الفهم الحقيقي السائد ,ولكن برغم التغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمعات العربية مؤخرا ,وبرغم التطور التكنولوجي إلا أن هناك بعض المفاهيم السيئة لدى بعض النساء والرجال المتقدمين في السن نتيجة تمسكهم بعادات قديمة ,انعكست على تربية الأولاد والبنات ,فمن فرض سيطرة الأب بالقوة المفرطة والتعامل الخشن مع أولاده التي بدوره انعكس الأمر على الزوجة ,إلى التمييز بين الجنسين "الفتاة والشاب",
وأفاد "لدنيا الوطن" أن سيطرة الأخ على أخته تكون في الأسر الغير متمدنة التي تسودها عادات وتقاليد موروثة التي تمنحه حق السلطة على الأخت, بتأثير من عادات مكتسبة من الأب أو الأم , أما في المجتمعات المتمدنة نلاحظ اندثار هذا المفهوم بل ويمنح الفتاة حرية وسلطة كما الذكر ، مشيرا إلى أن الشاب الذي يخرج من أسرة ريفية لا يتزوج من فتاة تكبره بالسن "على سبيل المثال" حتى يستطيع أن يسيطر عليها فيختار الفتاة صغيرة ليتمكن من السيطرة واثبات رجولته و أوضح أن المجتمع العربي بشكل عام لا زال مجتمعا ذكوريا ويحب أن يعطي السيطرة للذكر لذلك تنجبر المرأة على الزواج ممن يكبرها سنا ولا يقبل الشاب الزواج من فتاة تكبره لان عرف المجتمع السائد هو أن تكون الزوجة اصغر سنا وبهذا تصبح السيطرة عليها أسهل , ولكن هذا المفهوم خاطيء ويجب أن يراعي الاحترام المتبادل وتبادل الأدوار والوظائف الاجتماعية في ذلك, فالمرأة اليوم شاركت الرجل في العديد من الوظائف الاجتماعية ,والأدوار التنموية التي تمثل الحاجة الأساسية للمجتمع كالتعليم والصحة وغيرها ...)
أمي فضلت أخي عليَ أثناء الحرب
بقلب يعتصر ألما تستذكر "علا" موقفا لوالدتها أثناء الحرب على غزة حيث أقامت تلك الفترة في بيت والدتها هي وزوجها نتيجة لقرب بيتهم من الأماكن التي كانت مهددة بالقصف ,وتفيد "علا" في اليوم الرابع للحرب نزلت برفقة زوجي إلى مركز الانوروا لاستلام مخصصاتي من المساعدات الإنسانية ,وكنت قد نسيت بطاقة الهوية في البيت ,فاتصلت بأخي ليحضرها لي إلى مركز توزيع المساعدات "الانوروا" ,وبالفعل أحضره وعدنا إلى البيت وياريت ما عدنا , تمنيت حينها لو لقيت مصيري بصاروخ كان أهون عليَ من وقع الكلمات الجارحة التي ألقتها والدتي على مسامعي وأنا برفقة زوجي ,الذي فضل الموت على الكلمات التي سمعها وقتها من والدتي.
ووسط دموع تنهمر كنهر يسيل جداوله على ملامح تلك الوجه البريء ,قالت :"لقد فضلت ابنها الطالب في الثانوية العاملة على ابنتها الحامل في الشهر السابع , وواصلت الحديث بنبرة حزن يتخللها أنين متقطع ,بكل ثقة في نفسها "تقصد والدتها" أنه أغلى منك هذا ابني .. أنا مالي ومالك ... ). لهنا اكتفيت بإفادتها نظرا لإجهاشها في البكاء.
سليمان شاب يكبر إخوته الخمسة الذكور ,يدرس الخدمة الاجتماعية ويتمنى أن تكون له أخت ,تسانده تتفهمه تشاركه مشاكله في الحياة ,فبالرغم من تقارب السن بينه وبين إخوته الشباب إلا أنه لا يجد تفهم واضح لمشاكله الاجتماعية مثل الأخت ,ويعزي ذلك إلى أن الفتاة تكون أكثر سعة صدر في المشاكل العاطفية ومتفهمة أكثر ,وغالبا ما يكون الإنسان بحاجة ماسة في بعض الأحيان إلى من يسمعه ويخفف عنه .
ويشير إلى قضية تمييز الأهل بين الشاب والفتاة على أنها قضية باتت تحظى باهتمام كبير في المؤسسات الاجتماعية والإعلامية بحسب نشاطاته ,وأوضح أن هذا النوع من المشاكل قد يقود الفتاة إلى البحث عن صديق يتفهمها وتشكو له آلامها ,وغالبا ما تكون الفتاة ضحية اجتماعية نتيجة ثقتها العميقة ببعض الشباب الذين لا يستحقون هذه الثقة .
القضايا الاجتماعية الأسرية مسؤولية مجتمعية بحتة يشترك فيها كل أفراد المجتمع من أجل تنمية المفاهيم السلوكية الاجتماعية على جميع أفراد المجتمع (فالابن والابنة والشاب والفتاة والذكر والأنثى والأم والأب) كلهم يتحملون المسؤولية الكاملة أمام هذا النوع من القضايا ,بالإضافة إلى الدور المؤسساتي المميز في توعية الأجيال من أجل القضاء على المفاهيم الاجتماعية السيئة الموروثة من خلال تعاقب الأجيال ,فالاحترام المتبادل أساس العلاقات الاجتماعية السليمة وتبادل الوظائف والأدوار في المجتمع ينمي دور الفرد نحو أسرة سعيدة متكاملة . e_abadellah@hotmail.com