فصول في علم الاقتصاد الادبي...) كتاب يستحق القراءة للناقد السوري ''حنا عبود'' *
في عصر يتهافت على المادة وليس على الحس الجمالي والفكر النقدي والنظرة الادبية، لا نستغرب عدم وصول الكثير من الكتب والاصدارات الى مكتباتنا، اضافة للضعف في الاعلام والاعلان عن الكتب خاصة المتميزة منها، وكم بالحري اذا كان الحديث عن اصدارات لنقاد سوريين، وقد وصلني مؤخرا كتاب "فصول في علم الاقتصاد الادبي" للناقد السوري حنا عبود الذي ألّف كتبا هامة في مجالات عدة، النقد الادبي الفكر والفلسفة كما السياسة والميثولوجيا تأليفا وترجمة، ويعتبر كتابه هذا واحدا من اهم مؤلفاته حيث يطرح فيه نظرية جديدة تقابل الاقتصاد السياسي، وهو كتاب يستحق القراءة اكثر من مرة لانه يلامس كل انسان وكل كاتب واهداف وجوده وابداعه،لذلك وجدت من المناسب ان اتوقف عند بعض الطروحات التي جاءت في صفحاته، حيث يطرح فيه بعض ما يناقض الاقتصاد السياسي الذي يسعى الى الاستيلاء على العالم ماديا، بينما يسعى الاقتصاد الادبي الى الاستيلاء على العالم جماليا كنظرية قابلة للتطبيق. في هذا الكتاب تظهر ضرورة الادب للانسان كحاجة اساسية، من دونه لا يمكن اقامة علاقات انسانية صافية، ولأن العلاقات اليوم هي علاقات افتراس لا علاقات استئناس كما انها علاقات تنظمها الشهوة الذئبية لا الرغبة الجمالية، ويضيف الكاتب ان الانسان فينا يحتضر على الرغم من هذا التطور المادي، والحس الجمالي يتضاءل كما ان الذوق الفني بات في خدمة الاشياء الاستهلاكية التافهة، ولإعتقاد الكاتب ان الادب حاجة اساسية بين ذلك وجعله نظرية تستهدف الجماليات مقابل النظرية التي تستهدف الربح مهما كلف الثمن. ويقول حنا عبود في كتابه ان الرؤى الادبية دائما صادقة لانها ترمي الى توطيد العلاقة الجمالية، بينما الرؤى المادية دائما مخطئة فحتى الآن لم تصدق نبوءة اقتصادي من الاقتصاديين وما اكثرهم، بل ويذهب الكاتب الى اكثر من ذلك وهو ان النظريات العلمية ذاتها سرعان ما يتجلى فيها الخلل او القصور او الخطأ، فأين نيوتن مثلا الآن وقد كان قديس القرن الثامن عشر في الفيزياء، واين النظريات التي سبقته كنظرية اقليدس او كوبر نيكوس، اما الاقتصاد الادبي فلا حد له ويسعى دائما الى الاجمل بحركة تصاعدية ابدية وهذا ما لا يتيسر للاقتصاد المادي، فقد جربت البشرية كل انواع النظريات الاقتصادية المادية وهي الآن تبحث عن صيغة تليق بالانسان كموجود يتحسس الجمال، ولا اعتقد ان المادي يلبي هذه الحاجة لان الاقتتال حول المادة هو اساس كل اقتصاد سياسي، انها معركة وحشية قد نضع لها القوانين والنظم والنظريات لكنها في المحصلة اقتتال شرس يظن الناس اول الامر انه اقتصاد يلبي طموحاتهم لكنهم سرعان ما يتبينون انه يشوه واقعهم ويسلب منهم سعادة التمتع بالعلاقة الجمالية. يرى الناقد السوري حنا عبود ان الخطوة الاولى لسيادة الاقتصاد الادبي هي اشاعة التربية الجمالية والانفاق عليها حتى تصبح شبه مجانية ويقول ان مشكلة الانفاق الثقافي هي مشكلة ارادة وقضية ترتبط بنضال الانسان، فاذا لم يرغب الناس بالعلاقة الجمالية فانهم لا يناضلون من اجل الانفاق الثقافي عندها يكون من الصعب عبور بوابة الاقتصاد المادي الى الادبي، اما تبعية الاقتصاد الادبي لتشكيلة اقتصادية مادية فانها غير واردة والدليل على ذلك اننا نقرأ الآثار الادبية التي مضى عليها آلاف السنين بينما لا نستخدم على سبيل المثال طاحونة الهواء لانها من تشكيلة اقتصادية بائدة، فالادب يتوخّى الجمال ولا يتبع تشكيلة من التشكيلات وان وجد نوع من هذا الادب، فانه يرتحل برحيلها ولا يذكره احد. جاء في الكتاب ايضا ان الدول الاسكندنافية في طليعة الدول المستهلكة للانتاج الادبي وهي تولي ادب الاطفال الاهتمام الاول ويضيف ان خير طريقة للتربية هي تلك التي تنمّي الحس الجمالي في الطفل وبذلك تعده لان يكون في غنى عن القانون والدستور والنظام، فالتربية الجمالية هي تربية الكياسة واللطف على عكس التربية المادية التي تطلق الشهوة الذئبية من عقالها والدول الاسكندنافية اليوم هي من طليعة الدول التي تسخو في الانفاق الثقافي ولذلك نرى ان الفرد هناك ينشأ بلا صخب ولا خرق لاي علاقة انسانية ادبية. كما يتطرق الناقد الى موضوع الانماط الاولية وهي اللوحة التي وضعتها البشرية من اجل خلاصها، ويقول انها العمود الفقري للاقتصاد الادبي، ويضيف ان هذا المفهوم ناجم عن حياة الانسان بالذات، فالانسان فرد في اسرة واسرة في بيئة وبيئة في مجتمع ومجتمع في بشرية، وهكذا فان الاطار الذي يعمل فيه بات معروفا فهو مضطر للتعامل مع الاخ والاب والام والاخت والجار، القريب والبعيد وهذه كلها انماط اولية ولها اوجهها المتباينة، فنمط الام مثلا متعدد الوجوه، هناك الأم المهملة والأم الحريصة، الأم المضحية والأم القاتلة كما العاتبة وهذا ينطبق على بقية الانماط، فلا يوجد اثر ادبي استطاع خرق هذا الاطار وهذا هو الواقع الادبي الذي يتعامل معه المنتج الادبي، فالام عند غوركي هي نمط له وجه معين، اما في (آناكرنينا) فلها وجه آخر، وهكذا لو استعرضنا وجوه هذا النمط لوجدنا الادب لا يخرج عنها، ويضيف من هنا كان فضل (يونغ) في الكشف عن هذا المفهوم قبل (نورتروب فراي) لان الاخير ابدع في بسط الانماط الاولية وشرحها كما لا ننسى اسهام (باشلار) في شرح هذا المفهوم وخاصة فيما كتبه عن النار والهواء، التراب والماء، فهي العناصر التي يدور فيها الحلم الانساني وخارج هذا الاطار لا يمكن الحديث عن انتاج ادبي، وهذا الامر يفسر احتلال النقد الموضوعاتي مكانة مرموقة لانه لصيق بالانماط الاولية. كانت هذه محاولة لتلخيص اهم ما جاء في هذا الكتاب من وجهة نظري على الاقل، وبما يتناسب مع ما اهدف اليه من زاويتي: خبزٌ.. حبرٌ.. وملح، على امل استعادة المقدرة على التواصل مع ذواتنا وسبر اغوارها.
(طرعان)
حنا عبود ولد في قرية القلاطية (تلكلخ -حمص) عام 1937. تلقى تعليمه في حمص وتخرج في جامعة دمشق حاملاً الإجازة في اللغة العربية -وعمل مدرساً.
عضو جمعية النقد الأدبي.
مؤلفاته: 1-المدرسة الواقعية في النقد العربي الحديث -دراسة- دمشق 1978.
2-مسرح الدوائر المغلقة -دراسة- دمشق 1978.
3-النزوحات الكبرى وأثرها في الأدب العربي -دمشق 1979.
4-واقعية ما بعد الحرب -دراسة- دمشق 1980.
5-تفاحة آدم -دراسة في أدب لورنس- بيروت 1980.
6-النحل البري والعسل المر -دراسة في الشعر السوري المعاصر -دمشق 1982.
7-العلوم الاجتماعية -ترجمة- دمشق 1981.
8-صراع الأفكار في العصر الحديث -ترجمة- دمشق 1981.
9-موجز تاريخ الفلسفة -ترجمة- بيروت 1971.
10-الاشتراكية الخيالية في القرن التاسع عشر - ترجمة- دمشق 1972.
11-بؤس الفلسفة -ترجمة - دمشق 1972.
12-العائلة المقدسة -ترجمة- دمشق 1973.
13-النول والمخمل -دراسة- دمشق 1985.
14-القصيدة والجسد -دراسة- دمشق 1988.
15-الحداثة عبر التاريخ -دراسة- دمشق 1989.
16-الميثولوجيا -أديث هاملتون- ترجمة- دمشق 1990.
17-الخيال الأدبي - ترجمة- دمشق 1995.
18- فصول من الاقتصاد الأدبي - دراسة - دمشق1997.
19- تاريخ المسرح -ترجمة -دمشق 1998
20- يوم كان الرب أنثى - ترجمة - دمشق 1998
21- الاسلوب اليوناني - ترجمة- دمشق 1998
22- الاسلوب الروماني - ترجمة - دمشق 1998
23- ميثولوجيا الابطال والآلهة والوحوش- ترجمة- دمشق 1998.
24- موسوعة الأساطير- دمشق 1997
25- الطاوية والفيزياء الحديثة - ترجمة - دمشق 1998