تخيلوا لو أن بلدية الناصرة لا تملك مخططات جارور ورؤية مستقبلية وإرادة وطنية كفاحية جاهزة لقلع أنياب سياسة التمييز فمن كان سيحظى يا ترى بهذه الاستضافة وبهذه الميزانيات الجمة
لقد صب جل اهتمامنا بزيارة الحبر الأعظم إلى الناصرة بالانجاز العمراني التي أشرفت عليه بلدية الناصرة، هذا الانجاز الذي سجل أرقاما قياسية من ناحية تحقيق الأهداف بشكل مثير للإعجاب في وقت قصير جدا.
إن كثرة الانجازات في وقت قصير تطغى أحيانا على انجازات كبيرة ومهمة. فالانجاز السياسي باختراق سياسة التمييز والتهميش العنصري ونجاح بلدية الناصرة بأجراء القداس الاحتفالي في الناصرة وليس في مكان أخر لم يأخذ حقه الطبيعي بسبب تسارع الأحداث وضيق الوقت للتحضير للزيارة، هذا الانجاز السياسي أجبر حكومة الاضطهاد القومي بتحويل ميزانيات ضخمة في وقت قصير إلى الناصرة. لم يكن تحقيق هذا الانجاز سهلا، فالناصرة أبنه الألفي عام تعاني مثلها مثل كل المدن والقرى العربية في البلاد، سياسة تمييز عنصري وشح ميزانيات . كل هذا في وقت تنعم فيه نتسيرت عيليت اليهودية على ميزانيات ضخمة بعد أن اغتصبت السلطة عشرات ألاف الدونمات العربية وأعطتها إلى نتسرت عيليت.
تخيلوا لو أن بلدية الناصرة لا تملك مخططات جارور ورؤية مستقبلية وإرادة وطنية كفاحية جاهزة لقلع أنياب سياسة التمييز فمن كان سيحظى يا ترى بهذه الاستضافة وبهذه الميزانيات الجمة ؟ أو على العكس لنفترض أنه لم تكن زيارة مخططة للحبر الأعظم إلى البلاد، وقامت البلدية بتخطيط مشروع لبناء اكبر مدرج في المنطقة وطلبت من الحكومة مبلغ 20 مليون شاقل لبنائه، ماذا سيكون رد الحكومة؟
إن نجاح يوم الزيارة في الناصرة ونجاح البرنامج المخطط على جبل القفزة لم يرق للمؤسسة الإسرائيلية الرسمية ولا لقوات أمنها التي تواجدت في الناصرة. لقد عملت قوات الأمن الإسرائيلي بشكل سافر على خلق تضييقات على المشاركين وعلى الزيارة من اجل تمييع هذا النجاح وتقزيمه.
والانكى من ذلك أن المؤسسة الإسرائيلية الرسمية قامت بمسرحية أمنية بشكل مفضوح ومستهجن، لتقول أنه يوجد خطر كبير على حياة البابا وبذلك أغلقت الشوارع (بدون تنسيق مع البلدية) وضيقت على أصحاب المحلات في الشوارع الرئيسية لضرب الحركة التجارية في يوم الزيارة الناجح.
أن الانفراج الاجتماعي والاقتصادي في الآونة الأخيرة في الناصرة والتي أثبتته الانتخابات البلدية الأخيرة في الناصرة والانتعاش الاقتصادي التي بدأت تشهده البلد، إضافة إلى أمكانية نجاح الحوار الفلسطيني- الفلسطيني، وأيضا اقتناع أوساط عالمية بوهم ألانفراج العالمي بسبب تغير الإدارة الأمريكية، أدى إلى أن تقوم المؤسسة الإسرائيلية الرسمية بمسرحية هدفها أقناع العالم مرة أخرى أن المسلمين في كل مكان يؤيدون الإرهاب ويساندوه وأن التشديد الأمني والتضييق على الناس في شوارع الناصرة هو لحماية البابا!!! ولكن السؤال الذي يفضح هذه المسرحية، هل قوات الأمن في السلطة الفلسطينية والتي لم تقم بهذا التشديد الأمني على زيارة البابا في الضفة الغربية أقوى من قوات الأمن الإسرائيلية التي أجبرت البابا على المرور في شوارع الناصرة الرئيسية بسيارة مصفحة وليس بسيارة التي تحتوي على مقعد عالي يراه كل الناس؟وهل مرور البابا بالناصرة عام 2000 بالسيارة التي تحتوي على مقعد عالي، عام واحد بعد الأزمة التي شهدتها الناصرة، كان امن أكثر من مروره عام 2009؟؟
أن قلق المؤسسة الإسرائيلية من نجاح الناصرة وشعبها بانجاز الكثير في هذه الزيارة التاريخية رآه جميع المشاركين في يوم الزيارة في أعين أذرعتها الأمنية، وظهر في تصرفها المتعالي عندما حاولوا تهميش البلدية ورئيسها في القداس الديني في كنيسة البشارة بالناصرة. ففي الوقت الذي نجحت الناصرة بأن تكون في مركز الأعلام العالمي في الآونة الأخيرة، والذي ساعد الناصرة على تسويق نفسها سياحيا وتسويق موقفها الوطني الاممي إلى العالم، هذه التغطية الصحفية التي تحلم فيها أي مدينة بالعالم لم تخف بعض الصحف والمواقع الالكترونية الإسرائيلية غيظها من نجاح الزيارة . ففي اليوم التالي للزيارة قامت بعض هذه الصحف بتغطية هذه الزيارة الكبيرة في صفحات غير مركزية لتخفي انجاز بلدية الناصرة . مع انه لو قام احد الشبان مثلا بالتهجم الكلامي على موكب البابا، لحصل هذا الحدث على تغطية موسعة في الصفحات الأولى مع تحليلات لمحللين متخصصين في حرب الحضارات والديانات!!!
عن موقع بكره