بروفسور دويري يرأس طاقم دولي لبحث أنماط التنشئة الأسرية في العالم العربي والغربي * التنشئة الأسرية في الأسرة العربية هي خليط مربك بين التشدد والتساهل مما يضر بصحة الأبناء النفسية تأثير التعامل الوالدي على الأبناء في العالم ضئيل ولا يتعدى ال 15% بعكس ما هو معروف في الغرب، التنشئة السلطوية في العالم العربي لا تضر بالصحة النفسية للأبناء الضائقة النفسية لدى العرب تظهر بشكل عوارض جسدية وليس فقط بشكل اضطرابات عاطفية للأم العربية تأثير كبير على الأبناء يفوق تأثير الأب العربي أو الأم الغربية الناصرة – لمراسلنا - ترأس البروفسور مروان دويري في السنوات الأخيرة طاقم بحث دولي وقام بفحص تأثير أنماط التنشئة الأسرية على الصحة النفسية للأبناء والبنات في العالم. تكمن أهمية هذا البحث في كشف خصوصية التنشئة الأسرية وأثرها في مجتمعات عربية وشرقية أخرى، بعد عقود سيطرت فيها نظريات التربية وعلم النفس الغربية على العالم دون الانتباه إلى أنه ليس كل ما هو صحيح في الغرب هو صحيح أيضا في الشرق. تم البحث على مدار خمس سنوات في إثني عشر دولة هي لبنان والأردن واليمن ومصر والسعودية والجزائر والكويت وفلسطين وفرنسا وبولندا والأرجنتين والهند وشمل نحو 5500 شابا وشابه أدلوا بإجاباتهم في استبيان يقيس أنماط التنشئة في الأسرة وأثرها على الصحة النفسية للأبناء. نتائج الأبحاث نشرت حتى الآن في سلسلة مقالات في مجلة Journal of Cross-Cultural Psychology وستنشر المقالات الستة الأخيرة قريبا في عدد خاص من مجلة Journal of Child and Family Studies المجلة العلمية المتخصصة بالموضوع.
نتائج البحث تشير إلى أن العوامل الوالدية الثلاثة المضرة بصحة الأبناء النفسية هي: السلطوية والتحكم Authoritarianism، الصد والنبذ Rejection، وعدم الثبات في التعامل Inconsistency. بعكس الاعتقاد السائد في معظم النظريات النفسية والتربوية فإن تأثير تعامل الوالدين على صحة أبنائهم النفسية هي ضئيلة ولا تتجاوز ال 15% إذ يبدو أن لعوامل الوراثة من جهة وعوامل البيئة المدرسية والاجتماعية والثقافية المحلية والعالمية دور هام جدا يجب أن يستنفر جميع المؤسسات التربوية والاجتماعية والثقافية إلى أخذ دورها في التنشئة السليمة.
بالرغم من أن العلاقات في الأسرة العربية تتميز بتعلق متبادل بين الأبناء ووالديهم إلا أن نتائج البحث تشير إلى إن تأثير الوالدين على الأبناء العرب أقل منه على الأبناء في الغرب، إذ يبدو أن الأطفال العرب يتأثرون ليس فقط بوالديهم بل ببقية أفراد العائلة الموسعة مما يجعل أثر الوالدين النسبي أقل منه في الغرب.
بعكس ما تشير إليه الأبحاث في الغرب تبين أن التنشئة السلطوية لا تضر بصحة الأبناء العرب النفسية، ربما لكون السلطوية تأتي في الأسرة العربية كجزء من نظام ثقافي واجتماعي سلطوي شامل مما يسهل تقبلها. كما تبين أن أنماط التنشئة في الأسرة العربية هي خليط بين أنماط سلطوية متشددة وبين أنماط متساهلة، الأمر الذي يدل على تخبط وغياب مرجعية قيمية واحدة مما يزيد من انتشار الاضطرابات النفسية. يؤكد البروفسور دويري بأن التقلب وعدم الثبات في التعامل الوالدي يربك الأبناء ويضر بصحتهم النفسية. وعليه على الوالدين أن يهتما بالتنسيق فيما بينهما لدرء الأضرار.
نتائج البحث أظهرت بشكل واضح بأن التنكيل النفسي المتمثل بالصد والنبذ هو من أخطر العوامل على صحة الأبناء النفسية في جميع المجتمعات العربية والغربية. أما بخصوص عوارض الضائقة النفسية فتين أنها تظهر لدى العرب بشكل جسدي (سايكوسوماتي) كالأوجاع وضيق التنفس والأرق وغيرها ولا تظهر بشكل عاطفي كالقلق والاكتئاب فحسب. هذه النتائج تدعو إلى ضرورة تعميق التعاون بين الأطباء الذين تصلهم مثل هذه العوارض وبين الأخصائيين النفسيين لتتم معالجة هذه الحالات بشكل صحيح.
الملفت للنظر هو أن للأم العربية دور مركزي في صحة أبنائها النفسية: نتائج البحث تشير إلى أن تأثير الأم العربية على صحة الأبناء العرب النفسية أكبر من تأثير الأب العربي وأكبر من تأثير الأم الغربية على أبنائها. من شأن هذه النتائج أن تدعو الأب العربي لأخذ دوره، إلى جانب الأم، في تربية أبنائه وبناته.
يؤكد البروفسور دويري بأن لهذه النتائج أهمية عملية يجب أن توجه عمل جميع المؤسسات التربوية والاجتماعية والثقافية التي لها دور لا يقل عن دور الوالدين. هنالك ضرورة لبرامج إعداد وتثقيف للوالدين وللمعلمين في كيفية تطوير طرق تنشئة حوارية لا تعتمد على السيطرة والتحكم بل على الحوار مع الأبناء في مناخ متناسق يسوده الود والتقبل والاحترام ويخلو من التنكيل النفسي ومن التقلب المربك.