رغم التطور الملحوظ في خطاب الإعلام السوري تجاه قضايا الإعاقة خلال السنوات القليلة الماضية، لجهة التخلي عن لغة "الشفقة والتعاطف" إلى لغة المشاركة، إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى المزيد من بذل الجهد، خاصة لجهة تطوير المعارف والمهارات، لنصل إلى خطاب قائم كليا على التشاركية. في هذا الإطار استضافت منظمة آمال بين 29 أيار و2 حزيران ورشة عمل تدريبية حول الإعلام وقضايا المعوْقين نظمها المجلس الأعلى لشؤون المعوقين. كان الهدف الرئيس منها مناقشة الخطاب الإعلامي في قضايا المعوْقين، وتعريف الإعلاميين/ات باللغة والمفاهيم الخاصة بمشاكل الإعاقة ودمج المعوقين/ات في المجتمع. وبالتالي استهدفت هذه الورشة المؤسسات والأفراد العاملين في الحقل الإعلامي، وتنوع المشاركون بين ممثلين لجهات مختلفة وأشخاص مفردون ودرب في الورشة الدكتور ريتشارد ويلش المحاضر في العلاقات العامة في جامعة جورجيا الحكومية وساعده في الترجمة ونقل الأفكار السيد حازم ابراهيم عضو المجلس الأعلى لشؤون المعوقين. دارت ورشة العمل حول ثلاثة محاور رئيسية ومتداخلة فيما بينها، وهي تغيير اتجاهات المجتمع ودور اللغة ودور الإعلام وكل ذلك كان ضمن نطاق قضايا المعوقين. فقد تحدث الدكتور ريتشارد عن نظرة المجتمع وموقفه تجاه الإعاقة فهي تدرجت في المجتمع الأمريكي مثلاً من النظر إلى الإعاقة على أنها مسألة طبية وهذا يؤثر على نظرة المجتمع إلى دوره تجاه المعوقين ودور المعاق في الحياة العامة لأن المعاق في هذه الحالة مجرد مريض بحاجة إلى العلاج من قبل المختصين. ثم حدث تحول في هذه النظرة لتنضم قضية المعوقين، إلى حركة الحقوق المدنية مع مثيلاتها من المسائل الأخرى مثل حقوق المرأة وحقوق أصحاب البشرة السوداء في الستينات، إلى أن بدأ ينتشر الاتجاه الجديد الذي ينظر إليها بوصفها قضية مجتمعية تخص جميع أفراد المجتمع وليس المعوقين فقط. أما في المحور الثاني فقد ناقشت الورشة دور اللغة كوسيلة رئيسية في تغيير الاتجاهات والمواقف التي يتخذها المجتمع تجاه قضية معينة، فالمفردة الواحد أو الكلمة تحمل في طياتها دلالات معينة وتزرع موقفاً محدداً في اللاوعي الجمعي تجاه مسألة ما.
أما حول دور الإعلام فقد اتخدت النقاشات طابعاً جدلياً ارتفعت حرارته كلما تعمق المشاركون/ات أكثر في تفاصيل دور الصحفي/ة أثناء كتابة المادة الصحفية (خبر أو تقرير أو مقال رأي). لكن، وفي المجمل، فقد اتفق أغلب المشاركين على أن اختيار الصحفي/ة للغة التي يتعامل فيها مع قضية الإعاقة وقدرته/ا على سبر جوانب حياة ذوي الإعاقة تلعب دوراً مفصليا في تغيير موقف المجتمع منهم ومن الإعاقة بشكل عام، فالسائد في وسائل الإعلام هو النظر إلى المعوق على أنه إما بطل استطاع تجاوز إعاقته إلى آفاق النجاح وإما ضحية مجتمعه أو أهله أو قدره وبالتالي ينسى الصحفي/ة أولئك الأناس العاديين الذين يقعون مابين طرفي النقيض هذا! بدأ الدكتور ريتشارد ورشة العمل ببعض التعارف الخاصة بالمعوقين وأنواع الإعاقات بهدف التوصل إلى اللغة الواجب أو المستحسن اتباعها أثناء تناول قضايا الإعاقة بطريقة موضوعية ومؤثرة في تعديل نظرة المجتمع نحو المعوقين مثل الفرق بين القول بأن الشخص مصاب بإعاقة معينة أو لديه إعاقة، والفرق بين مفهومي الإعاقة وطيف الإعاقة فليس هناك شخص معاق وشخص غير معاق وفقط، بل هناك طيف واسع بينهما. وفي معرض حديثه عن التعامل مع قضايا الإعاقة سرد الدكتور ريتشارد القواعد العامة للتعامل الشخصي مع ذوي الإعاقة ليس فقط من قبل الصحفيين بل من قبل الجميع، ونذكر أهمها هنا: - يجب التحدث إلى الشخص بشكل مباشر وليس إلى مرافقه أو مترجمه. - إذا كان الشخص لديه مشاكل في النطق فمن الأفضل أن تطلب منه إعادة ما قاله على أن تتظاهر بأنك فهمت مايرمي إليه. - استمع بشكل جيد ولا تتردد في تكرار ما تعتقد أنك فهمته لتتأكد من وصول الفكرة بشكل صحيح. - إذا كنت تعتقد أن شخصاً ما لديه إعاقة وبحاجة إلى مساعدة فاعرض عليه المساعدة ولكن يجب أن تنتظر موافقته أولاً قبل القيام بأي فعل، فربما سبب اندفاعك أذىً جسدياً و/أو نفسياً له. - إذا كنت تتحدث مع شخص لديه إعاقة بصرية فعليك تقديم نفسك له قبل الخوض بأي حديث. ولا تخشى أبداً من استخدام التعابير المعتادة والتي تشير إلى البصر مثل "أراك لاحقاً" أو "وجهة نظر صحيحة" - إذا كنت تريد لفت نظر شخص لديه إعاقة سمعية فما عليك سوى التربيت بشكل خفيف على يده (وليس على أي مكان آخر من جسده). - أنظر إلى الشخص مباشرة (حتى لو كان كفيفاً) وتحدث إليه بنبرة صوت عادة ولا تنشغل بأي شيء آخر. - إذا كنت تتحدث إلى شخص على كرسي متحرك فحاول أن تكون على مستوى نظره إن أمكن ذلك لكن لا تجثو على ركبتيك لتحاول ذلك. - لا تتكئ على الكرسي المتحرك أو وسيلة مساعدة أخرى لأي شخص فهي تعتبر من مساحته الشخصية. - في النهاية استرخ ولا داعي للتوتر فقط ركز على موضوع لقائك مع الشخص صاحب الإعاقة وليس على إعاقته، فهو في النهاية شخص مثلك. واختتمت ورشة العمل بموضوع الصحافة المجتمعة أو المدنية كخلاصة لأهداف الورشة وكنتيجة لتفاعل المحاور الثلاثة السابقة الذكر. والصحافة المدنية -بحسب الدكتور ريتشارد- هي بذل مزيد من الجهود للتواصل مع الناس بعمق أكبر والاستماع إلى مشاكل المواطنين بشكل مباشرة منهم وكيفية رؤيتهم لحلول تلك المشاكل واستخدام هذه المعلومات لإغناء المادة الصحفية، أي أن على الصحفي توسيع نطاق مصادره والاعتماد على مختلف المستويات من القاعدة إلى القمة في هرم اتخاذ القرارات. كما عليه تكرار السؤال "لماذا؟" بشكل مستمر، فقد اعتادت الممارسة الصحفية التقليدية على طرح الأسئلة "ماذا"و"من" و"متى" و"كيف" وتتجاهل في كثير من الأحيان السؤال الأهم وهو "لماذا" والذي يساهم بشكل حاسم في كثير من الأحيان بوضع الخبر أو القصة الصحفية في سياقها الأكثر صحة. وبالنتيجة يصبح لدينا تعريف جديد للخبر على قاعدة ماهو مهم وليس فقط ماهو غير اعتيادي. يتطلب هذا التوجه الجديد في الإعلام جهوداً إضافية بالتأكيد، لكن النتائج سوف تعكس نظرة أكثر واقعية وصدقية للمجتمع. وعند تطبيق الصحافة المدنية على قضايا ذوي الإعاقة نستطيع أن نتفهم مشكلات الإعاقة من وجهة نظر كل فرد في المجتمع وبخاصة ذوي الإعاقة أنفسهم وبالتالي نبتعد عن ما اعتدنا عليه من رسم تلك الصورة النمطية عن الشخص الذي لديه إعاقة. ويذكّر مرصد نساء سوريا في هذا السياق بدور التدوين كواحد من الأوجه الهامة للصحافة المجتمعة باعتباره يعبر بشكل ذاتي عن مشاكل المجتمع وقضاياه ومن بينها الإعاقة. وينظر المرصد إلى ورشة العمل هذه كما غيرها من الأنشطة الجماعة، فقد تميزت ببعض النقاط الإيجابية وعانت من بعض السلبيات التي يجب تسليط الضوء عليها للخروج ببعض المقترحات لتطوير العمل الجماعي والمدني لنشر الوعي حول قضايا الإعاقة. الايجابيات كما يراها مرصد نساء سورية: قدمت ورشة العمل قاعدة معرفية حول الإعاقة وخاصة إلى المشاركين الذين ليس لديهم خبرة سابقة في هذا المجال بحيث يمكن تطويرها والاعتماد عليها في أي نشاط أو مادة صحفية مستقبلية. وشكلت فرصة للتواصل بين الصحفيين فيما بينهم من جهة وبين الصحفيين وأصحاف الاختصاص من جهة أخرى. كما أنها كانت فرصة لتطوير اللغة الانكليزية للمشاركين فيما يتصل بقضايا الإعاقة. السلبيات كما يراها المرصد: من أهم السلبيات هي غياب التنظيم والتخطيط المسبق من عدة نواحي، منها عدم تزويد المشاركين بجدول العمل وتفاوت مستويات الخبرة لديهم لأن بعضهم كان قد حضر نفس ورشة العمل هذه قبل شهرين، بالإضافة إلى ضعف ضبط الوقت مما أثر على كم ونوع المناقشات حول المواضيع الجوهرية وضياعها في نقاشات غير ضرورية وهامشية من قبل بعض المشاركين. أما في المضمون فكان من الملاحظ أنه لم يتم رصد احتياجات المشاركين والاحتياجات المحلية في قضايا الإعاقة قبل التدريب مما أضفى صفة العمومية على المعلومات المقدمة وغلبت الأمثلة البعيدة عن مجتمعنا والمستقاة من المجتمع الأمريكي مع غياب التطبيق العملي. مقترحات يجب أن يتم استثمار المعلومات وتطوير المعرفة وتحويلها إلى عمل ميداني من خلال نقلها إلى مجموعة من الإعلاميين والمعوقين بهدف تطوير العمل الإعلامي في قضايا الإعاقة. كما نركز على مدى أهمية الاعتماد على الكوادر المحلية في التدريب وهي موجودة وغنية بالمعرفة والتجربة.
نساء سورية، (الإعلام والمجتمع وقضايا المعوقين في ورشة بـ"آمال") خاص: مرصد نساء سورية