مشكلة تحديد المصطلح لا تقتصر على لغتنا وأدبنا، وإنما هي قائمة في كل لغة، ما دامت طبيعتها تتطور، ودلالاتها تتغير، تبعًا للزمان والمكان وللموقف والكاتب.
ونحن في اللغة العربية نفتقر إلى المعاجم التي ترشدنا إلى معاني (الألفاظ المعنوية) كالوِجدان والعاطفة والانفعال والفن والعلم والجوهر والمادة. وحتى “ مفاتيح العلوم “ للخوارزمي (ت. 997) و “ كشاف اصطلاحات الفنون“ للتهانوي (1745) لا تشفي شروحهما غليلك في كثير من المواد التي تبحث عن تعريفاتها، بل أكاد أجزم أن التشابه حينـًا، والخلط حينـًا آخر في هذه التعريفات يجعلنا بعيدين عنها أو عن إدراكها.
يقول ليبتنز الفيلسوف: “ إن معظم الخلافات العلمية ترجع إلى خلاف على معنى الألفاظ ودلالاتها، ذلك لأننا لا نلجأ إلى المعاني المتواصلة بين المرسِل والمستقبِل. وكلما كان المصطلح أدق وأحكم كان أقرب إلى التداول عند العلماء“ . وقد فطن إلى ذلك الجاحظ في إشارته إلى (علم الكلام).
ومصطلحاتنا الأدبية على وجه الخصوص ليست محددة الدلالة، وهي في اختلافها توصلنا إلى (حوار الصم) . ولا بد من أكثر من مثل:
الشعر الحر: هذه التسمية لنازك الملائكة في كتابها (قضايا الشعر المعاصر) تختلف عن مفهوم أحمد زكي أبو شادي في كتابه (الشفق الباكي) . وإذا كانت نازك قد أخطأت واعتبرت “شعر التفعيلة“ شعرًا حرًا بالمفهوم الإنجليزي – حرًا من القافية والوزن – إلا أن المصطلح شاع وذاع مرادفًا لتسميات كثيرة منها: شعر التفعيلة (عز الدين الأمين )، الشعر المنطلق (محمد النويهي )، الشعر الجديد، الشعر العراقي ......... .
ولما كانت تسمية نازك هي الطاغية المستحكمة فقد ارتأيت – شخصيًا- تبرير هذه التسمية، وقلت إن الشاعر حر في استخدام عدد من القوافي دون التقيد بنظام معين، كما أنه حر في توزيع التفعيلات في السطر الشعري ( انظر كتابي: الجنى في الشعر الحديث ص 14، وفيه معجم المصطلحات الأدبية).
التضمين:
والتضمين يحمل أكثر من دلالة: أ) الاقتباس من مأثور العرب شعرًا ونثرًا. ب) الجريان أو التتميم حيث لا ينتهي المعنى بانتهاء البيت، وساقوا لذلك مثلا يتكرر:
وهم وردوا الجفار على تميم وهم أصحاب يوم عكاظ إني شهدت لهم مواطن صادقات شهدن لهم بحسن الظن مني
ج) أن يؤدي فعل أو ما في معناه في التعبير مؤدى فعل آخر أو ما معناه، فيعطى حكمه في التعدية واللزوم. ( انظر: مجلة مجمع اللغة العربية الملكي ج1 ص181 سنة 1935 وفيها ما يؤكد دعواي) وللنحويين والبلاغيين تعريفات أخرى و شتى للتضمين، فلنرجع إلى مظانّها.
ولضرورة هذا الموضوع أخرجت مجلة ( فصول ) – الجدية في أكاديميتها – عددًا خاصًا تحت عنوان (قضايا المصطلح الأدبي) عدد إبريل 1987 . يقول د. عز الدين إسماعيل في تقديمه للعدد: “إن الفكرة الأساسية في المصطلح هي أن يكون أداة تجميع لطائفة من المعلومات أو الصفات النوعية أو الخصائص في أصغر حيز لغوي دال هو اللفظة، بحيث تقوم اللفظة بديلاً في الفكرة عنها“.
وقد لمست في هذا العدد من ( فصول ) حراثة في أرض بور، وجهدًا مباركًا، إذ وقف محمد عبد المطلب على مفهوم الأسلوب في التراث، وتناوله بالرصد والتحليل من خلال كتابات النقاد المشارقة والمغاربة. كما وقف صفوت عبد الله الخطيب على الخيال مصطلحًا نقديًا بين حازم القرطاجني والفلاسفة. وعالجت نبيلة إبراهيم مصطلح (المفارقة)، بينما تركز عبد الحليم محمد عبد الرحيم على (أزمة المصطلح في النقد القصصي).
ويورد عبد الرحيم نموذجًا لهذا الإرباك في المصطلح فـ (التكنيك) عند البعض هو (التقنية) عند البعض الآخر- وبطرق لفظ مختلفة- ، وهو (الأسلوب الفني في التنفيذ)، وهو (الحيل الفنية) وهو (الصنعة الفنية) و (التقنية لفنية) و(معالجات فنية) و (أسلوب المعالجة) ........ الخ
ويمكن للقارئ أن يلمس هذا الإرباك أيضًا في تحديد معاني القصة، القصة القصيرة، القصة القصيرة جدًا، الأقصوصة، القصة الطويلة، الرواية، الرواية الصغيرة، القصة القصيرة الطويلة...... الخ، كما يمكنه تلمس الإشكالية في تعريف الشعر المرسل، الشعر المنثور، النثر الشعري، قصيدة النثر ........ الخ .
وبهذا السياق فإنني أدعو إلى أن نعدَّ كتابًا يضم شروح المصطلحات بأسلوب ميسر ومختصر، وحبذا أن نحافظ على معاني المصطلحات التي فرضت نفسها عند معظم النقاد، وذلك لأن كتاب د. مجدي وهبة ( مصطلحات الأدب ) أشبه بترجمة عن اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ولأن كتاب (المصطلح في الأدب العربي) لناصر الحاني بعيد عن واقعنا الأدبي، ولان كتب د. عبد الواحد لؤلؤة فيها توسع واستطراد.
إننا بحاجة إلى لغة مركزة هي لغة المصطلح، والتفكير الراقي هو الذي يختزل، ويتحدث إلى لغة (المبدأ) و (القضية الكلية)، بينما التفكير البَدائي لا يعرف الكليات والمعاني العامة، وإنما يتوقف عند المحسوس وعند الجزيئات.
فتعالوا أيها الكتاب إلى كلمة سواء: أن نحدد مصطلحاتنا بدقة ممكنة، ولا نخلط في بيان معالمها....فكفى لغتنا الترادف وفضفاضية المعنى. وما أقربنا إلى لغة العلم يوم أن يكون المصطلح أشبه برمز جبري نستعيض عنه بالفكرة من ورائه. ........................................................................ فاروق مواسي: أدبيات. القدس- 1991، ص 63- 67.