سألني أكثر من سائل عن تأسيس باقة الغربية، هل هو قبل سبعمائة وخمسين سنة كما ورد في وسائل الإعلام بأنها احتفلت بذلك جوابي هو أن باقة لها تاريخان: الأول قديم قبل آلاف السنين، ولذا عثرنا على آثار قديمة كنعانية وبيزنطية وإسلامية، وقد شاهدت شخصيًا آثار كنيسة أعمدة وأقواس وفسيفساء، وأحتفظ بأباريق فخارية ومدقًا، ولدى السيد إبراهيم مواسي نائب رئيس البلدية مواد كثيرة جدًا قدم بعضها لمتحف القاسمي. الأول قديم قبل آلاف السنين، ولذا عثرنا على آثار قديمة كنعانية وبيزنطية وإسلامية، وقد شاهدت شخصيًا آثار كنيسة أعمدة وأقواس وفسيفساء، وأحتفظ بأباريق فخارية ومدقًا، ولدى السيد إبراهيم مواسي نائب رئيس البلدية مواد كثيرة جدًا قدم بعضها لمتحف القاسمي. .....
الثاني: باقة الحديثة وعمرها نحو ثلاثمائة سنة، حيث نزلت عائلات من ولد علي من علار شرقي باقة، وكانوا أصلاً قد هاجروا من كفر الديك، ولهم أصول من عنزة. أسست عائلات ولد علي، وهي قعدان ومواسي وغنايم وعثامنة وأبو مخ وخضير بيوتها، وفلحت مزارعها التي كان يحرسها لهم قبل قدومهم شخص من عائلة بطيخ (يسمون اليوم – الديك). ثم قدمت إليها عائلات كثيرة، وتوسعت باقة حتى أصبحت اليوم مدينة.
يبقى السؤال: ما قصة العدد 750 سنة إذن؟
لقد مر 750 سنة والأصح 749 سنة على تقسيم أراضي منطقة قيسارية، فقد قسمها الظاهر بيبرس بعد طرده الصليبيين بين الأتابكة والأغوات المماليك، وذلك سنة 663 هـ (1265 م)، وكان قصده "بأن يملك الأمراء المجاهدون من البلاد التي فتحها الله عليه" فكانت أماكن ومواقع كثيرة في هذه المنطقة يذكر منها: زيتا، يـَـمَا ، بَتــان، باقة الغربية، باقة الشرقية وطور كرم، عتيل، بورين، البرج الأحمر، ذنابة، دير القُصون (في الأصل)، عرعرا، قفين، كفر راعي، فرديسيا، أرسوف، جُـلجولية، حبلة، عَلاّر، الشُّـوَيْـكة، طيبة الاسم، قلنسوة. ويلاحظ في التقسيم أن بعض المناطق قسمت بين أربعة كزيتا ومنها ما هو بين ثلاثة كجلجولية. ... كانت أراضي باقة الغربية موزعة بين الأمير علم الدين طيبرس الظاهري، والأمير علاء الدين التنكزي. أما أراضي بورين فبين الأمير جمال الدين أقوش، وبين الأمير فخر الدين الطنبا. .....
أخلص إلى القول أن رقم 750 لا يدل على تأسيس هذه الأماكن، وإنما يدل على الاحتفاء بانتصار السلطان على الصليبيين وآخر معاقلهم في قيسارية، وما كان في أعقاب ذلك من توزيع الأراضي بين الأمراء.
...... يبقى السؤال: هل كان هناك سكان في هذه الأماكن؟ .....
لا نستطيع الجزم أنهم كانوا مقيمين، فباقة مثلاً كانت بعد الرومان أطلالاً وآثارًا، وإذا كان هناك فلاحون فهم قلة، أو غير مستقرين. وليس أدل على ذلك ما أورده د. محمد عقل في كتابه الحديث "قاموس القرى والمدن في المثلث"، فقد نقل عن دفتر مفصل لواء نابلس لسنة 1596 م مقادير الضريبة المجبية من قرية باقة الغربية، ويورد أن عدد سكانها كان 25 شخصًا. ويذكر الدكتور عقل نقطة مهمة: "ويروى أن الفلاحين جاءوا إليها من القرى المحيطة وعزّبوا فيها نظيرحصولهم على ثلث المنتوج. (ص 31). إذن فالمنطق يدلنا على أن الذين كانوا قبل 750 سنة لا يزيدون عن بضع عائلات تعزّب حينًا وتغادر في غير الموسم. فهل يتخيل أحد ما هو عدد السكان الذين أقاموا في باقة سنة 1265 إذا كان عددهم بعد 350 سنة 25 فقط؟ ... أعود إلى ما بدأت به: هناك باقة القديمة وآثارها تدل عليها، وهناك باقة الحديثة بعائلاتها التي نعرفها اليوم، وقد انضمت إليها عائلات أخرى كثيرة. .... وأما العدد 750 فهو مرور سني التقسيم الذي أجراه الظاهر بيبرس على مواقع كثيرة بين المماليك، ولا علاقة له بباقة الغربية أكثر من سواها.
.................................... المصدر الذي اعتمدته: المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك ج1 القسم الثاني، الطبعة الثانية- 1957، ص 532. جدير بالذكر أن المعلومات وردت باللغة نفسها في أكثر من مصدر: بدر الدين العيني: عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، ص 203. النويري. نهاية الأرب في فنون الأدب موقع الوراق - ورقة 865. نلاحظ أن النويري سبق المقريزي وكلاهما عاشا في مصر، وربما نقل المقريزي حرفيًا عن النويري الذي خدم المماليك (اقتباس الواحد عن الآخر كان مألوفًا في السابق، ولم يكن من الضرورة ذكر المصدر)، فالنويري عاش بين (1278- 1332م) بينما المقريزي (1364- 1441)، والعيني المتوفى سنة 1451 م عاش معاصرًا للمقريزي، ويغلب القول إن الواحد منهما اطلع على كتاب الأخر.