توطئة ما يميز جولة الانتخابات البرلماناية الاسرائيلية المقبلة (آذار 2015) بالنسبة للاحزاب العربية في الداخل هو ائتلاف كافة التيارات العربية: شيوعية، قومية، اسلامية ومرشح مستقل واحد في قائمة واحدة مشتركة، القائمة المشتركة. وقد جاء هذا الائتلاف نتيجة لرفع نسبة الحسم في قانون الانتخابات الاسرائيلي مما قلل بشكل كبير من امكانيات نجاح الاحزاب العربية منفصلة، وآل بها الى الخيار الاستراتيجي البرغماتي الا وهو الائتلاف بقائمة عربية مشتركة واحدة. قد يزاود البعض حول النجاح الايديولوجي للفئة المقموعة بتعليم اليمين الاسرائيلي الفاشي دروس في الوطنية والتسامح والديمقراطية لكن ليست هذة الا شعارات رنانة فارغة يتغنى بها مراهقي السياسة والايديولوجيات.
في الواقع ليس هناك اي قاسم مشترك بين الثلاث فئات ليجتمعوا عليه سوى القمع الصهيوني المشترك لكافة العرب لكونهم عرب. فبعض الشيوعيين والقوميين تجدونهم في تيار منفصل، متمثل بحركة ابناء البلد، يعارض اصلا اضفاء الشرعية على الدولة من خلال المشاركة بالانتخابات. اما التيار الشيوعي المشارك في انتخابات الكنيست فهو تياراممي بغالبيته يتبع مبدأ الشراكة العربية اليهودية بالرغم من التناقض البنيوي بين الاممية وبين الشراكة المبنية على اساس قومي يهودي-عربي. الفئة الثانية ممثلة بالحزب القومي العربي (التجمع) ويحوي هذا الحزب في صفوفه فئتين، الاولى قومية ليبرالية تميل الى العلمانية، والثانية قومية محافظة تتحفظ عمليا من العلمانية وتميل الى الحركات الدينية لكن خيارها السياسي هو خيار قومي. والفئة الثالثة طبعًا هي فئة الاسلام السياسي ومتمثلة بتيارين اساسيين الاول يمتنع مبدئيًا عن المشاركة بالانتخابات الاسرائيلية قطريًا ومحليًا، والتيار الثاني تيار براغماتي يشارك بالانتخابات ويحاول تحصيل الحقوق من خلال المنظومة السياسية القائمة الا وهي الدولة الاسرائيلية.
تقسيم المقاعد في القائمة العربية المشتركة للانتخابات 2015 لقد اعتمدت الفئات المختلفة لتقسيم المقاعد فيما بينها في القائمة المشتركة، موازين القوى التي افرزتها الانتخابات البرلمانية السابقة (2013). وحافظت كل منها على تمثيلها في اماكن مضمونة في القائمة المشتركة بشكل يتوافق مع عدد الاعضاء الممثلين لهذة القوى في الكنيست السابقة. وتشير التوقعات باحتمال ارتفاع عدد اعضاء الكنيست العرب الى 15 عضو في افضل الحالات لكن على ما يبدوا ان المقاعد الاربعة الاخيرة غير مضمونة مما ادى الى احتدام النقاش حولها وحول ترتيب المقاعد فيها.
شكل البرلمان الاسرائيلي بعد الانتخابات في الواقع من الصعب التكهن حاليا اي من الاحزاب الاسرائيلية المركزية ستحصل على نسبة تصويت اعلى وعلى حق تركيب الحكومة. لكن ما يمكن قوله هو انه في حالة فوز الليكود برائسة نتانياهو فلن يكون هناك اي تغيير ملوحظ في الخط السياسي العام للدولة. اما في حال فوز الائتلاف الجديد لحزب العمل بقيادة اسحاق (بوجي) هرتسوج مع تسيبي ليبني، وقد اطلق على هذا الائتلاف اسم المعسكر الصهيوني فقد يكون هناك تغيير يؤدي الي سيناريوهات مختلفة. قبل عرض هذة السيناريوهات لا بد من التنويه بان الاحتجاج الاجتماعي-الاقتصادي الاسرائيلي الذي علا صوته في العام 2012 لم يفرز اي تغيير جذري في نتائج الانتخابات في ذلك العام. لكن باتباع مبدأ التفاؤل كخيار سياسي فمن الممكن القول ان انتخابات ال2013 اقبلت مسرعة قبل ان تنمو ثمار الاحتجاج ومن الممكن ان نرى ثمار هذا الاحتجاج في هذة الانتخابات. الى جانب هذا وبالرغم من مبدأ التفاؤل يجب ان لا ننسى ان ليبني وهي قائدة بالتناوب لهذا المعسكرالى جانب هرتسوج لها تصريحات سابقة مباشرة وصريحة بأن على العرب في اسرائيل ان يجدوا لانفسهم حل خارج الدولة. فعمليا هذا هو اليسار الاسرائيلي الذي نتحدث عنه وهذا هو قدر التفاؤل الموجود.
سيناريوهات الاحزاب العربية في البرلمان الاسرائيلي 2015 طبعا في افضل الحالات قد تحصل القائمة العربية المشتركة على 15 مقعد، وقد يفوز المعسكر الصهيوني بقيادة هرتسوج وليبني بالانتخابات وبحق تشكيل الحكومة وقد يترأسوها بالتناوب. وفي كلا الاحوال سيتبع هذا المعسكر الخط الصهيوني السائد الى اليوم وهو خط مشترك لليمين واليسار وخلاصته اقصاء العرب وعرقلة امكانيات تأثيرهم على اي قرار. وهذا الامر يعيد بنا الى النقاش من الانتخابات السابقة حول جدوى مشاركة العرب في الانتخابات ولن اعيد فتح النقاش هنا، لكن أكتفي حاليا بالقول ساخرة ان ابغض الحلال عند الله الطلاق.
التنظيم السياسي للجماهير العربية في الداخل على مستوى الشارع العربي فان الانتخابات الاهم من الانتخابات الحالية هي الانتخابات التي سوف تليها. واهم من الكنيست الاسرائيلي واهم من الحكومة الصهيونية هذة او الحكومة الفاشية تلك هو ما يحدث على الساحة السياسية للشارع العربي. التوجهات الكلاسيكية للاحزاب العربية المشاركة بالانتخابات ترى بفعل المشاركة بالانتخابات محرك سياسي لتنظيم الصفوف في الشارع العربي. وكما ذكرت في بداية المقالة الائتلاف العربي الحالي بين كافة الفئات السياسية العربية هو ائتلاف شكلي مؤقت، وباعتقادي لن يدوم بشكله هذا لابعد من دورة انتخابية واحدة وإن حدث عكس ذلك فسيكون هذا مؤشر جمود سياسي في الشارع العربي وهو كارثة سياسية للجماهير العربية بكل المستويات. فالمعيار الذي اعتمدته الفئات المختلفة لحسم الموضوع التمثيلي بينها لن يدوم طويلا وعمليا لا نريد له ان يدوم طويلا ولا بد من ايجاد آليات سياسية ناجعة وقابلة للتطبيق للتعبير عن تمثيل سياسي حي وواقعي وليس عن جمود سياسي للعام 2013. من هنا فإن التحديات الحالية امام القيادات السياسية وامام المجتمع الفلسطيني في الداخل عامة هي الاجماع على منظومة سياسية لتحسم قضية التمثيل العربي بشكل ديمقراطي.
طبعا الحزب الواحد هو وهم سياسي والقائمة العربية المشتركة لم تُجمع حاليًا الا على امر واحد وهو ارادة كافة المشاركين فيها بالدخول الى البرلمان الاسرائيلي ومحاولة التأثير من خلاله. الى جانب هذا في ظل القوانين القائمة انشقاق هذة القائمة الى ثلاث قوائم سيؤدي بالخسارة لكافة المتنافسين. فإن انشقت هذة القائمة فلن تنشق لأكثر من قائمتين.
ثلاث سيناريوهات للاحزاب العربية بعد الانتخابات
السيناريو الاول - الانشقاق الى قائمتين واحدة علمانية وواحدة دينية على غرار الانشقاق الكبير في المنطقة وسيتشرذم حزب التجمع القومي والمجتمع عامة بين القائمتين فتكون احداهما قومية-شيوعية، والثانية اسلامية او اسلامية-قومية.
السيناريو الثاني - انشاء مؤسسة حزبية تمثيلية مشتركة تحسم امر التمثيل في القائمة المشتركة مستقبلا. وهذا سيفرض على الحزب الشيوعي وجود مؤسسات تمثيلية عربية مستقلة، الامر الذي عارضه الحزب سابقًا من خلال معارضته النهوض بلجنة المتابعة كجسم تمثيلي عربي منتخب قد يؤدي في نهاية المطاف الى الانقطاع عن المنظومة السياسية الاسرائيلية.
السيناريو الثالث - سيناريو الجمود يتم من خلاله تحايد الخيار الاول والامتناع عن الخيار الثاني. يدخل فيه المجتمع العربي بحالة جمود سياسي طويلة الامد يحافظ خلالها على التمثيل السياسي بالهيئة التي تشكلت عليها القائمة المشتركة في العام 2015 والتي بدورها اعتمدت على النتائج التمثيلية لانتخابات العام 2013.
وبما انه اهمية القائمة المشتركة كما قلت سابقا هي بالحراك السياسي الذي يأمل الكثيرون بمشاهدته على الساحة السياسية العربية الداخلية، وبما انه الحزب الشيوعي بتوجهات قيادته المحافظة هو من عارض حتى اليوم انشاء مؤسسة تمثيلية عربية منتخبة، فباعتقادي انه خلال المرحلة القادمة سيكون للحزب الشيوعي الدور الاكبر بتحديد السيناريو المستقبلي.
قد يميل الحزب الشيوعي الى السيناريو الاول حيث فيه تشرذم لغريمه حزب التجمع، لكن في هذا السيناريو ايضا تشرذم للمجتمع عامة على غرار التشرذم العام في المنطقة، وهو سيناريو خطير وخيار مرفوض سيؤدي بما وصلت اليه القائمة المشتركة من تقارب مؤقت الى الهاوية. كما وقد يميل الحزب الشيوعي الى سيناريو الجمود حيث يحافظ من خلاله على قوته بين الاحزاب العربية وربما على رئاسة القائمة المشتركة كما هو الحال الان. لكن هذا السيناريو مرفوض ايضا حيث سيؤدي الى تقوقع سياسي عربي والى خمول واضمحلال.
اما السيناريو الثاني، فهو سيناريو لا مفر منه وهو السيناريو الافضل على كافة المستويات، سيضع تحدي كبير امام الاحزاب العربية عامة والحزب الشيوعي خاصة من حيث حسم النقاش الداخلي في الحزب حول الرؤية السياسة لوضعية الفلسطينيين في الداخل وعلاقتهم مع الدولة ومؤسساتها. وفي هذا السيناريو سيحتدم النقاش بين الحزب الشيوعي الذي قد يسير في مسار تشكيل هيئة سياسية تمثيلية عربية مرتبطة بالتمثيل السياسي للعرب في الكنيست، وبين حركة ابناء البلد الذين يسعى الى هيئة كهذة لكن مستقلة استقلال تام عن هيئات الدولة الصهيونية.
من هنا فإن إستمرار روح التجدد التي حت على الحزب الشيوعي في الإنتخابات الحالية والتي نتج عنها تنحي القيادة المحافظة للحزب لصالح قيادات جديدة وشابة هو ما سيحسم خيار التقدم في هذا السيناريو. وتنحي هذة القيادات يجب ان يكون تنحي فعلي لا يفرض الخيار المحافظ على كوادر الحزب ولا يقف بالمرصاد للسيرورة السياسية العامة للجماهير العربية ولا يفرض على المجتمع العربي حالة إنشقاق او حالة جمود عامة. من هنا فإن الكوادر الشابة في الحزب الشيوعي هي من سيحسم الموضوع في المرحلة القادمة من خلال قدرتها على التأثير على القيادة المحافظة للحزب وتحويل التجدد الداخلي في الحزب (الذي حدث باعقاب الانتخابات المحلية للناصرة وتزامنا مع الإنتخابات العشرين للكنيست) الى تجدد فعلي. وعلى هذة الكوادر ان ترى الدور والمسؤولية الملقاه عليها بطرح وبناء بديل واقناع كافة كوادر الحزب عل كافة انتمائتهم به بدون تشرذم او إنشقاق في الحزب. فإنشاء مؤسسة تمثيلية عربية، أو ربما "مشتركة" على غرار "القائمة المشتركة" حيث تضم يهود شيوعيين ويهود متضامنين مع النضال العربي القومي، هو امر لا مفر منه وهو التحدي الأكبر امام المجتمع العربي في الداخل للمرحلة القادمة، وستقر نتيجته في الساحة الداخلية للحزب الشيوعي.