من اهمّ العوامل التي تؤثرُ على دافعيةِ المشاركةِ بالعمل التطوعي هو الثقة بالمُبادرين وبالمُنظمين وبالمموّلين بأنهم يعملون فعلاً من أجل مصلحة الجميع وليس لمآرب شخصية او أهداف خفيّة. للتأثير على دافعية التطوع هنالك مساران- الاول, التربية على القيم والثاني تشغيل نظام للعقاب والثواب. العمل التطوعي يساعدنا في تحقيق الذات تماما كما العمل بأجر.
هنالك من يعتقد أن التطوع هو قيمة ككل القيم المجتمية كالبرّ والاحسان واحترام الوالدين والعدل والمساواة وغيرها وهو مشتق من قيمة أوسع وهي العطاء الذي نمارسه بطرقه مختلفة. هنالك من يعتقد أيضا ان التطوع هو مصدر من المصادر الحياتية كالاموال والاملاك والطاقة التي يمكن توظيفها من أجل تزويد خدمات مجتمعية هامة. تشير الابحاث الاجتماعية ان الدافعية للتطوع متعلقة بالمستوى الثقافي والاقتصادي للمجتمعات, فكلما ارتفع عدد الناس المثققين وميسوري الحال في بقعة جغرافية معينة كلما ازدهرت النشاطات التطوعية, وكلما كان الناس منشغلين بصراع بقائهم والتقاط عيشهم كلما انخفضت مستوى دافعيتهم للتطوع. هذه العلاقة بنظري مقلقة جدا لأن الناس المستضعفين والفقراء هم أحوج الناس الى المساعدة من قبل الناس لشحّ المصادر البديلة لديهم.
التطوع هو صورة من صور العمل الجماعي (Collective action) الذي يحوي ثلاثة مركبات اساسية وهي "ثمن المشاركة" و "الغلة المشتركة" و "الراكب المجاني" (free rider). ان تعريف التطوع كعمل جماعي يساعدنا في تحليل اسباب المشاركة وعدم المشاركة بالأنشطة التطوعية ومن ثم في ايجاد الحلول المناسبة له. اذا حاولنا تتبع مركبات العمل الجماعي في التطوع نجد أن "ثمن المشاركة" هو الوقت الذي نهدره والجهد الذي نبذله من أجل خدمة المجتمع كالخدمة في بيت المسنين, أو تنظيف الشوارع والساحات أو زرع الاشجار في باحات المدارس او تعليم الطلاب الضعفاء او مساعدة فتيان "في خطر", أما "الغلة المشتركة" الناتجة عن العمل التطوعي مثل "رفاهية المسن" و "الساحات النظيفة" و "البيئة الآمنة" التي توزع على الجميع. "الراكب المجاني" هنا هو من يحظى بقسم من "الغلة" الناتجة عن العمل التطوعي دون ان يشارك في انتاجها.
المشاركة في العمل الجماعي/التطوعي ليست قرارا بديهيا (default) يتخذه الواقف على عتبة المشاركة او عدم المشاركة, بل على العكس تماما, "المقاطعة" هي الأمر المتوقع والمفهوم ضمناً, إذ يسأل المرء نفسه "لماذا اتطوع؟.. ليتطوع الآخرون.. إذا كان نتاج التطوع يوزّع على المشاركين والمُقاطعين.. فلماذا اتطوّع؟" . تخيّلوا وضعا تستطيعون أن تحصلوا به على سلعة او خدمة حتى لو لم تقومون بالدفع, هل ستصرون ساعتها على الدفع؟!
من اهم العوامل التي تؤثر على دافعية المشاركة بالعمل الجماعي/التطوعي هو الثقة بالمبادرين وبالمنظمين وبالمسؤولين وبالممولين بأنهم يعملون فعلا من أجل مصلحة الجميع وليس لمآرب شخصية او أهداف خفية, كما هو الحال في "الخدمة المدنية" التي يصوّروها لنا وكأنها خدمة مجتمعية بينما هي بالحقيقة ليست إلا "جرّة رِجل" من أجل دمجنا بالخدمة العسكرية. هنالك أيضا حاجة ماسة لتواجد "ثقة" لدى المشاركين او المقبلين على المشاركة بأن العمل الجماعي/التطوعي سيتكلل بالنجاح وسيأتينا بغلّة كبيرة او بتغيير ايجابي ذي اهمية. هنالك أيضا "رغبة دفينه" لدى من يفكر بالمشاركة او بمقاطعة العمل الجماعي/التطوعي بأن يعود النفع الصادر عن العمل التطوعي على الشريحة التي ينتسب اليها كالشريحة الدينية او الطبقية او المهنية, لهذا السبب من السهل ايجاد متطوعين مسيحيين من أجل تنظيف باحة الكنيسة وتجنيد اسلام لتنظيف المقبرة الاسلامية ونساء للتطوع من أجل "نساء في ضائقة".
للتأثير على دافعية المشاركة في العمل الجماعي/التطوعي هنالك مساران- المسار الاول هو بث القيم الانسانية العامة كالعطاء والانتماء الى البلد والرأفة والرحمة وكذلك "التطوع" لكونه نوع من أنواع العطاء الذي بموجبه يقوم الانسان بالتبرع لبلده او لشعبه. التاريخ يشهد بأن الايمان بالقيم قادر على حث الانسان بالسعي من أجل الآخرين دون ان يكون ذلك مشروطا بمقابل فوري او بمنفعة شخصية مباشرة. المسار الثاني الذي يحث الناس على المشاركة هو تواجد نظام رسمي او غير رسمي للثواب والعقاب, والثواب هنا قد يأتي بصور عديدة "تفرح" قلب المتطوع دون يكون ذلك مكلفا لمؤسسة التطوع مثل تكريم المتطوعين في الحفل السنوي او نشر اسمائهم وصورهم في وسائل الاعلام او حتى توزيع القبعات والبلوزات عليهم اثناء تطوعهم. لأول وهلة يبدو أن "إنزال عقاب" بكل صوره ضد من لا يشارك في العمل الجماعي لا يبدو أمرا سهلاً لكن هنالك من يستعمل الاقصاء والمقاطعة وتوجيه "الكتف الباردة" لمن لا يُشارك.
عندما يقوم بعض الناشطين بحث الناس على المشاركة في العمل التطوعي يجابهون رفضا للفكرة من قبل الناس الذين يثيرون سؤالا على نمط "وماذا سأكسب من عمل التطوع؟" وبعضهم يصرح: "افضل أن أعمل مقابل أجر مالي لأشتري به ما شئت..". على ما يبدو أن المكاسب الشخصية هي المهيمنة في هذا العصر!!. النقود تساعدنا على شراء حاجاتنا وتزويدنا بوسائل الراحة وتشعرنا بالأمان والرضا عن النفس. هل التطوع يساعدنا للحصول على مثل تلك الانجازات؟ والاجابة على ذلك هي بالايجاب. صحيح ان التطوع لا يزودنا بالمال لكنه يساعدنا في تطوير الذات من خلال زيادة الخبرة والمعرفة والمهارات ويساهم في عملية التفاعل الاجتماعي وتكوين اصدقاء جدد, ويعظّم فرصة الحصول على عمل ويثري السيرة الذاتية ويزيد الثقة بالنفس, ويساهم في عملية تحقيق الذات. اليست هذه مكاسب حقيقية وملموسة؟