ريما كازاكوفا هي واحدة من أشهر الشاعرات الروسيات في النصف الثاني من القرن الفائت، ولدت عام 1932 في شبه جزيرة القرم في أسرة عسكرية مما جعلها تعايش أجواء الحرب بعمق وهي طفلة . أنهت الجامعة في لينينغراد عام 1955 وعملت في المناطق النائية في الشرق الأقصى لسنوات في مجال التحرير السينمائي والوثائقي، الأمر الذي ساهم في تعميق عوالم الصورة لديها . بدأت بنشر مؤلفاتها الشعرية منذ أواسط الخمسينات ، وفيها ملامح واضحة للتفاني بالعمل وأجواء المحيط الهادي وسيبيريا . بطل أشعارها إنسان معاصر وشاب جريء مملوء بالثقة بالمستقبل، ومنغمس في عمق الحياة وبناء المجتمع الديناميكي الفعال ، وكاره للا مبالاة والخمول والعبثية وذلك من خلال صور مميزة ، وإيقاعات مموسقة متنوعة مناسبة للمضمون.
وتتميز أشعارها العاطفية بحس إنساني وثاب ، من خلال الاعتماد على الحلم والتفاعل مع الواقع لتغييره ، والحب عندها جوهر لا بد من تقديسه كحالة متوقدة للوصول إلى ما هو أروع وأنضج وهو معايش الحب ذاته ككيان له القيمة المطلقة.
أول مجموعة شعرية لريما كازاكوفا حملت اسم (نلتقي في الشرق) ومن ثم تتالت العديد من مجموعاتها الشعرية منها ( فتاة الثلج ) و ( الأرض تفلح ) و( اذكر ) وفي (التايغا لا يبكون) و(هناك حيث أنت).. وقد تحولت بعض قصائدها إلى أغان واسعة الانتشار ..
عملت ريما كازاكوفا على ترجمة شعراء العالم بمن فيهم الشاعر السوري المعروف نزار قباني الذي ترجمت منه الى الروسية قصيدة اسمها "رسالة جندي في جبهة السويس".
توفيت كازاكوفا عام 2008 في موسكو.
من قصائد ريما كازاكوفا
الولادة
وَلَدي الجميلُ الأشقرُ
كشُمَيسَةٍ
هذا الحريرُ الأحمرُ
وَسنى أضُمُّكَ كيفَ لي
صبر الهوى لا أقدِرُ
تبدو نُحاساً مَرَّةً
وتشعُّ من تحتِ الغِطاء
معادِناً مُحمَرَّةً
فتَبثُّ دِفئاً راحَتي
تلكَ التي
شرِبَتْ صقيعَ الغُرفَةِ
تزدادُ دِفئا عِندما تَغفو
في الصَدرِ رأسُكَ غُرَّةٌ شقرا
وأنا أُنَقِلُ راحَتي أهفو
مِن راحةٍ تَعبى إلى الأُخرى
ومِن الشقوقِ
في الليلِ حينَ أشعةٌ تَتَسلَّلُ
وتسيحُ ما فوقَ الجِدار
لأَظنُّها
طارَت مِنَ المَهدِ الصَغيرِ تُهلِّلُ
في الليلِ إذ يأتي الرِجال
مَرِحينَ والأجسامُ تندى عافية
نحوَ الشِفاهِ لِقُبلَةٍ
تَعلو المُهودُ خيفيفةً مُتغافية
ومِنَ الصقيعِ أكفُّكُم مُحْمَرَّةٌ
ومن الضَنا مُخشوشِنَة
لا تحذَروا ما مِن أحَد
يكويهِ بالجسمِ الصغير
طفلٌ حليبيُ الجَسَد
شكراً إذن
للكفِّ تُطبِقُ صلبةً كالسُلحفاة
فوقَ الأيادي الرطبةِ الهَفهافَة
تبدو أصابِعُنا النحيلةُ وسْطَها
قمريةً شفافةْ
هل تُدرِكون
كم غاليَة
تلكَ المُكابَدَةُ الصموتُ الدامية
ما إن نَلِدْ نحنُ لكم
أطفالَنا مِن جِسمِنا
كسَبيكَةِ الفولاذِ حَمرا حاميَة
صورة في صحيفة
الصورةُ ليست واضِحَةً
تذكاريَّة
في الزاويةِ العلويَّة
لِصحيفَتِنا اليوميّة
جندٌ !! أطفالٌ لا أكثر
أبطالُ الحربِ الكونيّة
أربعةٌ كالحضنِ التفّوا قُربَ الخَندق
يبدو أنَّ الصورةَ قد أُخِذَت
قبلَ المَعركةِ الرَعناء
فالعشبُ الأخضرُ هفهافٌ لما يُحرَق
وسماءٌ كانت زرقاء
لا نَعرِفُ عَنهُم أو مِنهُم حتى الأسماء
لم تُعزَف أغنيةٌ لَهُمو
لم تُكتَب كُتبٌ باسمِهمو
وهُمو ، لا شكَّ هُمو
ابنٌ لأبٍ ما
تلميذُ معلمةٍ ما
كانوا مُنبَطحينَ على أرضِ المَعرَكَةِ
بِقُربِ الخَندَق
وحَياتِهمو ، كانت بالكادِ ابتدأت
يبدو انَّ الصورةَ قد أُخِذَت
قبلَ المَعَركةِ الرَعناء
فالعشبُ الأخضَرُ هفهافٌ لما يُحرَق
وسماءٌ كانت زَرقاء
لن نَقدِرَ يوماً أن نَنسى
هذا العامَ فليسَ لدينا في روسيا أبداً أقسى مِنه
أنّى سِرتَ بأيِ مَكان
تلقى بَصماتِ الشُهَداء
نُصُباً ، نُصُباَ ، وسْطَ رياح
لكأنَّ الأرضَ انفَتقت
وانتََصبت مِنها الأرواح
وهُمو ، مَن بالكادِ ابتدأوا العُمر
مدّوا الجسمَ غِطاء
فوقَ حياةِ الناسِ غِطاء
كي تبقى أعشابُ الأرض
خضراءَ ودوماً خَضراء
وَتظلَّ سماءٌ زرقاء
بشكل آخر لا
من كُتُبٍ أُولى لا تُنسى
علَّمني الصدقُ بِها دَرْسا
كيفَ أُفكِّرُ في الأشياءِ بِدونِ خِداع
وبشكلٍ آخرَ لن أتَمَكَنَ أو أنصاع
مِن أيدٍ أولى أهدَتني
ما مَعنى العُمر
في هيكلِ كُرَةٍ أرضيَّة
دائرةٌ تشطُبها أُخرى
وبِقُربِ هدوءِ الأبَديَّة
تبتدئُ الهاويةُ الكُبرى
من شفةٍ أُولى رَوَّتني جَبروتِ الحُب
عاشرتُ الأحمقَ والقاسي
ما كنتُ لهم إذ أحضُنُهم
لكن بِهِمو
أو عَبْرَهُمو
عانقتُ الحُب
مثلَ مَمَرٍ مجهولٍ
وكخاطِرَةٍ تحيا كالسِر
كطريدةِ صيادٍ علقَتْ بشباكِ الأسرْ
يتخبأَ فينا يَتنامى في كلِّ مَكان
إحساسُ التجربةِ البِكرْ
فليَستَيقِظ فينا فَجأة
كي نغدو أحياءً حَقا
ارهافُ الإحساسِ كمُقلَة
من كتبٍ أُولى
من أيدٍ أولى
أو ، مِن أوَّلِ ، أوَّلِ قُبلَة
أن تكوني امرأة
أن تَكوني امْرأة
ما الذي يَعنيهِ ذاك
أيُّ سِرٍّ في امْتِلاك
هاهيَ امرأةٌ ولكن
ليسَ تُبْصِرُها رُؤاك
ليسَ يَعنيكَ التَمَلي في المُحيا
هاهيَ امرأةٌ ولكن ليسَ تُبصِرُها رؤاك
غيرُ مُذنِب
من تُجافيهِ البَصيرَة
إنَّها تَدري بِماذا قَد تُثمَّن
عندَما تَغدو دواءً شافيا لا بدَّ مِنه
وهيَ إنْ جاءَت وثوقاً بِعِناد
كوباءٍ سوفَ تأتي ، مثلَ حربٍ وحِصار
أو إذا ألهتكَ عن عَمَلٍ مُهم
بِكَ تَمضي نَحو ما يَبقى أهم
نحوَ ذاتِك
وهوَ ما تبغيهِ انت
وهيَ إنْ يوماً تُغادِر
بِهُمومٍ مُحزِنَة
سوفَ تحمِلُ كلَّ شيءٍ ، كلَّ شيء
موقِنٌ أنتَ هُنا
أنكَ الأبقى سَتبقى
غيرَ أنَّكَ لم تَزَل بَعْدُ هُناك
وسْطَ قَبضَتِها الحَزينَة
مِثلَ مُفتاحٍ عديمِ الفائِدَة
سوفَ تُخفي دمعَها
وتُداري نفسَها وهماً يزيد
أهِ كم أنتَ سعيد
في غَشاوَتِكَ المُثارَة
وسعيدٌ في عَماك
دونَ تثمينِ الخَسارة