يحكى ان أحد الفلاحين كان يستيقظ باكرا في الصيف للعمل في حقله المجاور لمنزله وعندما يشتد الحر يقصد منزله لتناول شيئا من الطعام والاستسلام لقيلولة، ليعود بعد انقضاء الهاجرة لمزاولة عمله في الحقل. عندما عاد في أحد الأيام إلى البيت لم يكن في وسعه الإغفاء لضجيج أولاده وأولاد الجيران، ولم يسعفه انتهارهم. فكر قليلا ثم نهض وخاطب الأولاد قائلا:
نسيت أن أخبركم أن في القرية القريبة، يقيمون اليوم احتفالا بزواج الإبن الوحيد لشيخ القرية ويقدمون الحلوى والشراب اللذيذ لكل الحاضرين.
تراكض الأولاد نحو القرية المجاورة وساد الهدوء البيت فألقى صاحبنا رأسه على الوسادة ليخلد للراحة وقبل أن يغمض له جفن، قال في نفسه:
هل من الحكمة أن أخلد للنوم، وفي القرية القريبة يقدمون الحلوى والشراب اللذيذ للرائح والغادي؟
نهض مسرعا ويمم شطر القرية القريبة لينال نصيبا من الحلوى والشراب!
عندما أقرأ عن الاحتفالات والمهرجانات التي تقيمها الأحزاب العربية بعد الانتخابات، أتذكر قصة ذلك الفلاح التي رواها لنا الأستاذ عندما كنا ندرس «أنظمة الرقابة والتحكم» في الجامعة.
إنه خداع الذات وخداع الآخرين، ونحن من أمرنا في نارين:
إذا كان المبادرون لتلك الاحتفالات يعتقدون حقا أنهم حققوا انتصارا باهرا يستحق الاحتفال، فهذه مصيبة، وإذا كانوا يعلمون أنهم يدعون للاحتفال بانتصار من نسج خيالهم، فهذا هو التضليل بعينه، ولذلك، فالمصيبة أعظم، كما يقول الشاعر محمد الهلالي:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة
أو كنت تدري فالمصيبة أعظم
من ينعم النظر في نتائج الانتخابات الأخيرة للكنيست ويقابلها بانتخابات سنة 2009 تنجلي له الحقائق التالية:
عدد الأصوات الصالحة في انتخابات 2009 كان 3373490
عدد الأصوات الصالحة في انتخابات 2013 كان 3792742
بحساب بسيط نجد أن عدد الأصوات الصالحة ازداد بنسبة 12.42٪
عدد الأصوات التي حصلت عليها القوائم العربية كانت كالتالي:
الموحدة، سنة 2009: 113954 صوت. سنة 2013: 138450 صوت
الجبهة، سنة 2009: 112130 صوت. سنة 2013: 113494 صوت
التجمع، سنة 2009: 83739 صوت. سنة 2013: 97030 صوت
أي أن نسبة الزيادة الحقيقية في الأصوات التي حصلت عليها القوائم المذكورة أعلاه كانت كالتالي:
الموحدة ارتفعت من 3.34٪ إلى 3.65٪ بزيادة قدرها 0.31٪
الجبهة انخفضت من 3.32٪ إلى 2.99٪ بانخفاض قدره 0.33٪
التجمع ارتفعت من 2.48٪ إلى 2.56٪ بارتفاع قدره 0.08٪
أي أن عدد المصوتين للموحدة ارتفع بواحد وثلاثين صوتا لكل عشرة آلاف صوت فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن عدد الأصوات العربية لا يزيد كثيرا عن عشرين في المائة من عدد الأصوات ونسبة المصوتين العرب أقل فهذا يعني أن الارتفاع لم يتجاوز خمسة عشر صوتا من كل ألف صوت من الأصوات الصالحة، أما الجبهة فقد خسرت عددا من الأصوات يقرب من عدد الأصوات التي أضافتها لنفسها الموحدة. أما التجمع فقد كسب ما يقرب من خمسة أو ستة أصوات من كل ألف صوت من الأصوات العربية. من الجدير بالذكر أن هذه الأرقام قد تختلف اختلافا طفيفا لأن الجبهة تحصل على عدد من الأصوات اليهودية.
لا شك أن الجبهة كانت الخاسر الأكبر ولذلك فمن واجب قيادتها أن تحاسب نفسها وأن تستخلص العبر من هذه النتائج، أما الموحدة والتجمع فهما أيضا بحاجة ماسة لقراءة النتائج قراءة صحيحة لأن هذه الزيادة الطفيفة لا تعتبر نصرا عظيما بأي معيار من المعايير، وكذلك هو الأمر في ما يتعلق بالموحدة.
أرقام أخرى تسترعي الأهتمام وهي:
نسبة المصوتين العرب التي لم تتجاوز 57٪ ، وهذا يعني أن الثقة في المرشحين العرب قد تدنّت، أي أن المرشحين العرب، في نظر 43٪ من أصحاب حق التصويت العرب، لا يعيرون رغبات الجماهير العربية الاهتمام الذي تستحقه، كما أن هذا لا يعني أن جميع الذين صوّتوا كانوا راضين عن الوضع القائم، لأن ما من شك أن على بعضهم ينطبق القول: «مكرهٌ أخوك لا بطل».
نسبة الأصوات العربية التي حصلت عليها القوائم والأحزاب العربية في انتخابات سنة 2009 كانت 82٪ ، وقد انخفضت إلى 77٪ في انتخابات 2013 ، وهذا أمر في غاية الخطورة ويبدو أنه لم، ولن يحظى بالاهتمام المناسب، مع العلم أن الكاسب الأكبر من ذلك كانت أحزاب اليمين.
نسبة المصوتين العرب في النقب كانت 46٪ رغم وجود مرشحين من النقب في القوائم العربية، ورغم ما يعانيه عرب النقب من جور ومن إهمال، فهل من تعليل لهذه الأرقام المقلقة؟
لا يستطيع أحد أن ينكر أن معظم النواب العرب يقومون بعملهم بإخلاص ولهم مواقف مشرفة في عديد من القضايا التي تقض مضاجع العرب في إسرائيل، ولهم أيضا إنجازات مشرفة يحمدون عليها، ولكن هذا لا يعفيهم من دراسة نتائج الانتخابات دراسة موضوعية ونقد ذاتي صارم، مع إصغاء لنقد المخلصين ليأتي بعد ذلك استخلاص العبر ووضع برامج عمل، والسهر على تنفيذها خلال الأعوام المقبلة، لكي ينالوا ثقة الجمهور الذي عزف عن التصويت لأنه لم يكن راضيا عن التشرذم السائد حاليا.
يجب أن يظل الرقم 43٪ ، أي نسبة العرب الذين أحجموا عن التصويت، كابوسا يقض مضاجعهم في الزمن الآتي.