يحظى الشعر الشعبي في البلاد العربية باهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام بكافة أشكالها. حيث أن الشعر الشعبي أصبح ذو مكانة عالية ومرموقة جعلت الشعراء الشعبيين في بعض البلاد العربية يتبوءون مكانة النجوم في الساحة الشعرية والشعبية هناك ..
وكل ذلك لم يكن وليد الصدفة أو الحظ ولكن هذا كله لأن الشعر الشعبي ذو عطر خاص وبريق وهاج يسحر كل من يستمع له ويقرأه .. فكيف لا ؟ وهو ينبع من عمق صحراءنا العربية ويستمد منها بساطته وجزالة ألفاظه وقوة معانيه . فالشعر ليس مجرد كلمات ووزن ... الشعر أكبر من هذا التعريف بكثير .. الشعر شعور شاعر يأخذك معه إلى الحد الذي تجد نفسك متوحداً مع كل ما يقول .. فمن منا لا يعرف شاعر الحب والوفاء الشاعر الفارس ذي الصيت الذائع الشيخ نمر بن عدوان . الذي أغنى الساحة الشعرية بقصائد تعد من أعظم وأجمل القصائد الغزلية التي قيلت في عصره . وغيره الكثير من الشعراء الكبار الذين نعتبرهم من قامات الشعر .
ومن هنا يلاحظ المتتبع لمسيرة الشعر الشعبي أن الشعراء الشعبيين لهم الدور الأكبر والتأثير المستمر على ذائقة العديد من الفنانين العرب.. - والذين لهم الفضل أيضاً في انتشار الشعر الشعبي على المستوى العربي - .
ولو اعتبرنا الفنان محمد عبده مثالاً لوجدنا أن أكثر من شاعر ساهم في ظهور هذا الفنان الكبير وطبعا على رأس هؤلاء الشاعر الغنائي الكبير ابراهيم خفاجي ولا ننسى الشاعر الكبير الأمير خالد الفيصل الذي حقق معه محمد عبده قفزة كبيرة ونجاحا كبيرا استفاد منه ابو نوره لسنوات طويلة ولا زال .
وإذا اعتبرنا أن الشعر الشعبي أو النبطي في الأردن يمر بمراحل تعتبر أفضل من سابقاتها حاليا ، فلا بد من الحديث إذن عن التجربة الخليجية المختلفة كليا عن تجربتنا . حيث أنه ومن باب الأنصاف لا بد من الإشارة هنا إلى الجهود المتميزة التي قامت وتقوم بها منطقة الخليج العربي بإثرائها للساحة الشعبية العربية بشعراء عمالقة جعلوا الشعر الشعبي هو همهم وغايتهم فأسسوا المنتديات الثقافية وأصدروا المجلات والعديد من المهرجانات التي أفرزت جيل من الشعراء العمالقة والشباب أسسوا قاعدة قوية ومتماسكة تَصَدر من خلالها وبفضلها الشاعر الشعبي قمم المهرجانات فكان فارسها الأوحد بلا منازع .. فمن منا ينكر فضل الشاعر الكبير خالد الفيصل أو بدر بن عبد المحسن أو حتى أسير الشوق أو طلال الرشيد ( رحمه الله ) أو سليمان المانع أو فهد عافت على الشعر الشعبي .. فهم ومع كل الاحترام لبعض أقرانهم من الشعراء الكبار . يعتبرون من أقوى الشعراء الذين أضفوا على الشعر الشعبي لمسة جمالية رائعة جعلت منه أي "الشعر الشعبي النبطي" .. أغنية على كل لسان .. فكيف لا وهم من أغنى ذائقتنا بجمال قصائدهم وروعة كلماتهم .. المليئة بالشعر .. الشعر الذي يحرك مشاعرنا ويهز مكنوناتنا الداخلية .. الشعر الذي نتعب من أجل البحث عنه ونشتاق كثيراً لمعانقته والتمتع به ... نعم فلقد أهدى إلينا شعراءنا الشعبيين الكثير من الحب والجمال عبر قصائد نابضة حية ... بحرارة الجمرة ... وشفافية السحاب وأتساع الحُلم نعم فلقد أصبحنا نتمتع ونستمتع بجمال قصائدهم ونصفق لها كثيراً ونرددها مراراً ولا أبالغ إذا قلت أننا نحفظ الكثير منها .
ولا بد من الإشارة هنا أن لعشاق الشعر الشعبي في الأردن تجربة متميزة وفريدة مع إحدى هذه القامات الطويلة وأحد الأعمدة البارزة في سماء الشعر الشعبي ليس على المستوى المحلي بل العربي . فالجميع يذكر استضافة الأمير الشاعر خالد الفيصل في أمسية رائعة في العام 1999م لا زالت عالقة في الأذهان ... حيث كان الشعر الشعبي في قمة الزهو والفخر بهذه الجموع الغفيرة والتي حضرت من شتى البلاد لكي ترى في أم عينها هذا الشاعر البدوي الذي سرق الأضواء من أقوى شعراء الكلمة الفصيحة وأسكن الكلمة النبطية قلب كل عاشق ومحب ... ووضع أسم الشاعر الشعبي في الطليعة ... وتكررت سلسلة التجارب الناجحة في الأردن مع الشاعر الكويتي الكبير طلال السعيد الذي قدم في أمسيته الرائعة صورة ولا أجمل عن الشعر النبطي .. وبعيداً عن نجاحات شعراءنا العرب في الأردن نجد أن صورة الشعر الشعبي في الأردن صورة لا زالت قاتمة وضبابيه أي غير متضحة المعالم .. على الرغم من أن الساحة الشعبية الأردنية تزخر بالأسماء التي لا تقل ألقاً وإبداعاً عن نظيرتها بالوطن العربي إلا أن القائمين على المنتديات الثقافية والمهرجانات وحتى الصحف والمجلات لا يبدون اهتماماً جيداً في الشعر الشعبي .. فنلاحظ أن الساحة الشعبية في الأردن لا يوجد بها سوى مهرجان واحد يعنى بالشعر الشعبي وهو [ مهرجان الخالدية ] وعلى الرغم من أن لهذا المهرجان سمعه طيبة محلياً وعربياً إلا أن ما يؤخذ عليه وعلى أدارته أنه يعتمد على أسماء شعرية معينه تتكرر في كل عام وبدون مبرر .... وإذا افترضنا أننا سنتجاوز هذه المسألة .. فالعتب الكبير يبقى على [ مهرجان جرش ] هذا المهرجان الذي يقدم كل شيء إلا الاهتمام بالشعر الشعبي !! فعلى الرغم من أن مهرجان جرش يستحوذ على سمعه عربية وعالمية إلا أن ما يثير تساؤلنا وغرابتنا هو الاستثناء المقصود للشعر الشعبي من فعاليات هذا المهرجان الكبير .
أضيف أخيراً أن مقالي هذا كتب في مرحلة سابقه كانت فيه الحالة الأدبية والشعرية في الأردن تعاني من الركود الذي يصل حد الكساد. ولكننا الأن في الأردن وفي الوطن العربي الكبير . نلاحظ أن الساحة الشعرية والأدبية تشهد طفرة كبيرة على أعلى المستويات من البرامج والمسابقات حيث أن الأعلام أصبح مفتوحاً وبدون قيود فكثرت الفضائيات المتخصصة بالموروث الشعبي والشعر وبرامج المسابقات الخاصة بالشعر وطبعا لا يوجد أشهر من برنامج " شاعر المليون " حالياً والكثير الكثير من البرامج والأمسيات الشعرية المميزة . التي تبث عبر الإذاعات والفضائيات المختلفة . ولكن لازال هنالك سؤال يراود نفسه ويتكرر وبشده. أين الشاعر الأردني من هذه الطفرة بمعنى هل استفاد من ظهوره الإعلامي المتواضع في برنامج "شاعر المليون " وهل استفاد من هذه الثورة والطفرة الإعلامية التي غزت العالم كله وأثرت وتأثرت بكل ما هو حولها ؟؟؟
سؤال أترك الأجابة عليه لكم ؟؟
وفي الختام .. إن الكتابة في موضوع جميل "كالشعر الشعبي" يطول ويطول ... ولا تكفيه مثل هذه العجالة أبداً .. فالشعر الشعبي ساحة غنية وغناءه بكل شيء جميل ... فتجدها مليئة بالحب والكراهيه ... والبعد واللقاء .. والفرح والدموع .. والحزن والسرور .. نعم ، فهي ساحة مليئة بكل هذه المتناقضات .. التي تسعد القارئ وتجعله يجد في الشعر الشعبي كل ما يريد ويرغب ... فعلى الرغم من أنه يحسب على بعض شعراءنا الشعبيين التزامهم بالتقليدية أو الطلسمه في بعض الأحيان إلا أن جماليات الشعر الرائع لا زالت تفرض نفسها وبقوة ... ولا زال الكثير .. الكثير في جعبة هذه الساحة الغناء .. والتي هي البيئة الملهمة لأقلام مبدعين وفنانين الشعر الشعبي ..
والى لقـــــــــاء ... بقلم : محمَّد الكـور شاعر أردني