لجديدة: مثلت اسطنبول تاريخياً عاصمة ومركزاً ثقافياً لثلاث امبراطوريات تاريخية، وهي الرومانية الشرقية، والبيزنطية، والعثمانية. كما التقت على أراضيها ثلاث ديانات سماوية، والعديد من الحضارات العريقة المختلفة عبر مئات السنين والقرون، والتي تعايشت مع بعضها البعض في وئام وإتساق. وتُعتبر اسطنبول مدينة حيه، تنبض بالإثارة. لا تهدأ حركتها ولا ينام إيقاعها. ويعود تاريخها إلى أكثر من 3000 عام حسب ما هو مدوّن، ناهيك عمّا لم يُرصد ويُوثق بالكتابة. وتعود تسميتها إلى الأصل اليوناني، حيث عُرفت باسم “بوتسانتيون” و من ثم سمّيت ” قُسطانطينوبوليس” من قبل القيصر الروماني ” قُسطانطينوس” -330 بعد الميلاد- وبعد 1456م عُرفت باسم ” إسلامبول”، وتعود جذور الاسم إلى جملة “إسلامي بول أولان ير” وهو ما يعني المكان الذي يملأه الإسلام. وفي الرسوم العثمانية والأوروبية الغربية التي تعود إلى القرن السادس عشر الميلادي أُطلق على اسطنبول مسمى” قُنسطانطينوبل” وعلى المدينة القديمة فيها “اسطنبول”. أما في القرن 18 الميلادي فقد رُصد اسم اسطنبول على بعض العملات. وفي 1930م اُعتمد الاسم الرسمي، وهو ما يعرف الآن بـِ”اسطنبول”.
وتقع اسطنبول في غرب الجمهورية التركية، ويقطعها نهر “بوسبوروس”. والذي يمر بين ضفتين، مشكّلاً مضيقاً يصل بين البحر الأسود وبحر مرمرة. ويعتبر مضيق الدردنيل الحدود الجنوبية بين قارة آسيا وأوروبا. وهو ما يسمى في أوروبا ” بالقرن الذهبي”. وتتبع جزر الأمراء في الجنوب الشرقي اسطنبول أيضاً.
ويمكن تقسيم اسطنبول إلى ثلاث مناطق رئيسية، فجنوب الناحية الأوروبية تقع المدينة القديمة المعروفة بـِ “قُنسطانطينبول”، والمنطقة الثانية هي الواقعة شمال القرن الذهبي، وهو ما يمثل الجزء الأوروبي، ويقع فيه قصرآخر السلاطين العثمانيين، بالإضافة إلى فلل صيفية تعود إلى الأثرياء القدامى. أما المنطقة الثالثة فهي الواقعة في القسم الآسيوي، وهو ما كان عبارة عن مدن مستقلة، وأصبحت تتبع مقاطعة اسطنبول. واليوم هي عبارة عن أحياء يسكنها ثلث سكان المقاطعة.
وفي لمحة تاريخية سريعة عن اسطنبول؛ يستوقفنا التاريخ على أطلال سنة 660 (ق.م) حيث أسس اليونانيون من شعبي آرقوس وكورنت امبراطورية عظيمة، على نفس الأرض التي تُعرف اليوم باسطنبول. وقد اُختير ذلك الموقع نظراً لاستراتيجيته؛ حيث يربط بين بحر مرمرة والبحر الأسود كما تمت الإشارة، مما يجعل من هذه الامبراطورية مركزاً تجارياً وثقافياً.
وفي 513(ق.م) احتلها الملك الفارسي “داريوس الأول”، وظلت تحت نفوذه لمائتي عام. وفي 324 بعد الميلاد تم اتحاد الامبراطوريتين الرومانيتين الشرقية والغربية، وأصبحت اسطنبول جزءاً من الإمبراطورية الحديثة. وقد إستمرت عمارة اسطنبول عبر التاريخ إلى أن بدء عهد القيصر الروماني “يوستنيان الأول” والذي طوّر من عمارتها. وكان من أشهر آثاره المعمارية “معلم أياصوفيا”. وقد ظلت اسطنبول إلى أبريل 1204م من أعظم وأكبر المدن الأوروبية إلى أن دخلتها في ذلك التاريخ الجيوش الصليبية في إحدى حملاتها. وفي 1453م استعادها السلطان محمد الثاني من أيدي غزاتها ومحتليها. ومع مرور الوقت أعاد العثمانيون بناءها حتى أصبحت مركز قوتهم، وعجت بالكثير من المساجد، والجسور والمباني، والتي لا تزال قائمة حتى اليوم.
وبين الفترة 1912 -1913م ، وحيث خسرت الامبراطورية العثمانية الحرب العالمية الأولى، أفسدت القلاقل والفتن على العثمانيين الأمر، مما جعلهم يخسرون عاصمتهم بسبب حرب البلقان. وفي العام 1919م قاد مصطفى كمال أتاتورك حرب التحرير. وفي العام 1923م تظفر أنقرة بلقب عاصمة الجمهورية التركية الحديثة، وتحتفظ اسطنبول بمكانتها الثقافية والتجارية والتاريخية.
وتمثّل اسطنبول اليوم مزيجاً من الماضي والحاضر، القديم والجديد، التراث والحضارة. فبين البيوت التركية الخشبية تقع الأسواق التجارية، والتي تجاورها أيضاً البازارات القديمة، التي يعود تاريخها إلى العام 1660م ؛ حيث كانت في السابق أسواقاً للدواجن والملابس والبهارات والأطعمة. وتتشارك اسطنبول وبرشلونة وبرلين وجدة والرباط مع بعضهم البعض ضمن إطار اتفاقية “توأمت المدن” وهو ما يعني اتفاقية تقام بين مدينتين أو أكثر على المستوى البلدي للتمثيل المتبادل على أصعدة مختلفة. وتُعد المتاحف من أهم ما يميز اسطنبول، ومن أشهرها: “توب كابي صراي” أو ما يعرف بالباب العالي، ويمثل أحد قصور السلاطين العثمانيين. و”دولما بخشة” ومتحف الآثار، ومتحف الفنون الإسلامية والتركية، ومتحف الفنون الحديثة. ولازالت تحتفظ المدينة القديمة بالساحات والملاعب القديمة والأثرية مثل: “هيبودورم”. وتعتبر اسطنبول منذ العام 1985م من المدن المدرجة ضمن قائمة المدن الأثرية لدى اليونسكو.
ويعود تاريخ أقدم الجامعات في اسطنبول إلى العام 1435م، وهي ما تُعرف بجامعة اسطنبول، بالإضافة إلى عدد من الجامعات الشهيرة كجامعة التقنية، وجامعة تعليم اللغة الإنجليزية. كما أن بها مركز مرمرة، وهو أكبر مركز بحثي في تركيا ، يحوي مركزاً لأبحاث الطاقة، وعلوم البحار، وتقنية المعلومات، والكيمياء والبيئة، والتغذية، كما يتضمن حديقة تقنية كبيرة.
وقد أُعدت للاحتفال بهذه المناسبة في العام 2010م عدد من الاحتفاليات. منها ثلاث عروض أوبرا للموسيقار الفرنسي اللبناني الأصل أمين معلوف، كما وقد بنيت صالة عرض للاحتفالات بسعة 3000 مشاهد. وسوف يجتمع فنانون من كافة أوروبا للمشاركة في هذه الاحتفالية بما يبرز الحضارة القديمة الخاصة بالبلاد. وسوف يقام ضمن البرامج المجدولة مهرجان للأفلام، ومهرجان للعروض المرئية والتمثيلية، وعدد من المؤتمرات في مركز المعارض الدولي باسطنبول.
والجدير بالذكر أنه تم اُختيار مدينة اسطنبول من قبل لجنة شُكلت بالاتحاد الأوروبي كعاصمة للثقافة الأوروبية للعام 2010م