كان جسدي الواهن ما يزال يحاول التماسك بعد فشل المحاولة الثالثة لإنجاب طفل عن طريق التلقيح الصناعي. أنزلت قدميّ عن السرير وهممت بالسير إلى الردهة حيث يجلس زوجي, لكنه أسرع نحوي, أمسك يدي وطلب مني الجلوس. " أريد أن أتحدث معكِ" كانت نبرته حزينة لكنها حازمة, أخافني وجهه المتكدر فجلستُ صامتة أنتظر كلماته. " أنتِ تعلمين أننا منذ تزوجنا قبل 10 سنوات ونحن نحاول.. أعلم أن العذاب كان من نصيبكِ أكثر.. رغم أني سبب الفشل الذي وصلنا إليه. كنتُ دائماً أرفض الاستسلام لمشكلتي وأعطي لنفسي ولعائلتنا أملاً جديداً بأن تصبح عائلة حقيقية يزينها أطفال, لعلي أصبح أباً. الآن عزيزتي وصلتُ إلى نهاية الطريق.. لن نحاول مجدداً, لن تتعرضي للتجربة مرةً أخرى, ولن أسمح لنفسي أن أجعلكِ تتألمين أكثر. أنتِ أمٌ بالفطرة وعليكِ إيجاد أمومتكِ, أدرك كم تعني للأنثى هذه المهمة الربانية.لذلك فقد أخذت قراري.. أنتِ حرّة في أن تختاري طريقاً آخر, إن شئتِ سأطلقكِ.. حبيبتي أنتِ تعلمين سبب كلماتي هذه فلا تغضبي مني ,القرار الآن لكِ أنتِ وليس عندي مشكلة فيما تختارين." وقف بسرعة كـأنه أنهى للتو خطاباً تاريخياً.. خرج من الغرفة ثم من المنزل, رحلَ لا أدري إلى أين وتركني وسط دوامتي, أصارع كلماته, "أنتِ حرة" هذه العبارة مثل سكينٍ غرزها في صدري دون أن يعلم. كم تصبحُ الحرية مرفوضة عندما تأتي من شخصٍ نحبه جداً ويريد أن يحررنا منه, إنها أشبه بعقدٍ من الماس يخنقنا.. يسرق روحنا . لا أعلم هل أنا غاضبةٌ منه أم عليه, هو يظنُ أنه أعطاني حريتي, لكنه جرحني باقتراحه وآلمني ألماً يفوق تلك المحاولات الأربعة الفاشلة. المرأة تتمسك بالأشخاص والأشياء التي حولها أكثر من الرجل لأنها تترك معظم مسيرة حياتها تحت قيادة العاطفة خاصةً عندما يتعلق الأمر بمن تحب. لو كنتَ مكاني قد ترحل, لكني لا أستطيع لأني أشعر بخسارة قلبي إن فعلت. لعل الرجل أكثر شجاعةً باتخاذ القرار العاقل لكني لا أحسدهم على ذلك فهم غالباً ما يخسرون الكثير مقابل قراراتهم الحاسمة.. وأنا لا أريد أن أخسرك لأني اعتدت على محبتي لكَ وأصبحتُ أسيرتها. آه.. يزداد ألمي فجأة فأشعر بمغصٍ يقطع رحمي.. رحمي الفارغ من جنينٍ تمنيته. أتعلم لماذا أحارب من أجله؟ لأنني أريده منكَ أنت.. قطعةٌ من جسدكَ وروحكَ تنمو في جسدي أنا حتى ولو تمّ تلقيحها خارجاً لكنه في النهاية ابنكَ أو ابنتكَ. الأمومة هي أهم تجربة تعيشها المرأة في حياتها والطفل هو فرحها الحقيقي الدائم الذي تسرقه من الحياة الصعبة لتحارب به كل الضغوط النفسية التي تتعرض لها, لكن عندما تعشق حقاً فإنها لا تتمنى الأمومة سوى من ذاك الرجل الذي تحب, هو فحسب . وقد كتبَ لي أن أعشق, فإن كانت أمومتي الثمن سأدفعه. كثيراتٌ أصبحن أمهات لكنهن لم يعشن حباً حقيقياً. لا يمكن للمرء أن يحصل على الكثير من الحياة لأنها تريد أن تعدل بين البشر فتعطي لكلٍ نصيبه وقدره في الدنيا. وأنتَ نصيبي أيها القاسي.. تود أن تعطيني حريتي وتقول "ليس عندي مشكلة", وما تلك الدمعة التي لمحتها تغسل عينيك الجميلتين قبل أن تهرب من أمامي؟ لا أريد أن أصدقكَ لأنني إن فعلت سأنتقم منك بعدم محاولة الإنجاب مجدداً. اقتربتُ من المغسلة متألمة أمسك أحشائي, فتحت الصنبور لأغسل وجهي فسمعت صوت الباب الخارجي يغلق. لقد عاد.. لم يطل غيابه, استدرت فرأيت في احمرار عينيه أكبر دليلٍ على حبه, لم أتكلم.. ارتميت في حضنه وضممته بشوق.. سقطت دموعي على كتفه .. همست في أذنه "أحبكَ, ولا أحب تلك الحرية الأسيرة التي تريدني أن أحصل عليها, فلتذهب الحرية إلى الجحيم.. معك أنتَ أحب أن أعيش في سجنٍ أبدي."
د. لين غرير، زاوية "بين السطور"، (طفل الأنبوب) خاص: نساء سورية