المرأة ليست أقل طموحاً من الرجل في الحياة الفكرية والاجتماعية ولكنها تكبت طموحها الفكري من أجل إرضاء الرجل سواء كان زوجاً أو أباً أو ولي أمر, وهي ليست أكثر من الرجل انشغالاً بالأمور الجنسية والعاطفية العكس هو الصحيح, فالزوج أكثر حساسية لكفاءته الجنسية ورغبته في إثباته هذه الكفاءة بشتى الطرق, أما المرأة فهي لا تهتم كثيراً بدورها الجنسي أو عدم إشباعها الجنسي. هذا ما توصلت إليه الدكتورة نوال السعداوي في كتابها "المرأة والصراع النفسي" الذي هدفت فيه إلى التعرف على الأسباب الحقيقية وراء ازدياد نسبة مرض العصاب بين النساء والفتيات المصريات المتعلمات وغير المتعلمات مستخدمة خبرتها كطبيبة وامرأة في الوصول إلى الأعماق العميقة لكل حالة. (لا بد من الإشارة بداية إلى أن العصاب كمرض نفسي كان يعتبر أحد التصنيفات للاضطرابات النفسية في الدليل التشخيصي الأول المعدل، ولكن في الدليل التشخيصي الرابع المعدل والمعتمد حالياً لا وجود للعصاب كتصنيف في الأمراض النفسية بل تم استبداله بتصنيفات أكثر دقة وهي اضطرابات القلق والاكتئاب والهستيريا). والعصاب كما عرفته د. نوال في كتابها: مرض نفسي قد لا يكون شديداً إلى الحد الذي يعطل المرأة عن عملها أو روتين حياتها اليومية, وقد لا يدفع المرأة إلى الذهاب لطبيب نفسي. وقد تعيش به المرأة وتموت من دون أن يدري من حولها أنها مصابة بالعصاب. بل دون أن تدري هي نفسها أنها مصابة بالعصاب, أو أسباب تلك الكآبة التي تشعر بها من حين إلى حين, أو أسباب ذلك الصداع المستمر في نصف رأسها, أو ذلك الخمول والرغبة في الكسل والنوم, أو ذلك الأرق في بعض الليالي, أو تلك الأحلام المزعجة التي تراها في نومها بعض الأحيان القليلة أو الكثيرة أو ذلك الإعراض عن الأكل أو الجنس أحيانا, أو ذلك النهم الشديد للأكل إلى حد الزيادة في الوزن بشكل ملفت للنظر, أو...أو...., عشرات الأعراض البسيطة أو الشديدة, المؤقتة أو الدائمة, لكنها في معظم الأحيان غير قاتلة, أو غير متعارضة مع الاستمرار في الحياة اليومية وروتينها. وفي عرض لأهم نتائج البحث وجدت د. نوال أن المرأة المتعلمة العاملة أكثر عرضة للإصابة بالعصاب من المرأة غير المتعلمة وغير العاملة وذلك بسبب ازدياد الصراعات في حياة المرأة المتعلمة الواعية بحقوقها حيث أن المجتمع لم يهيأ بعد لا اجتماعياً ولا أخلاقياً ولا تربوياً لدور المرأة المتعلمة العاملة فهو ما زال ينظر إليها كزوجة وأم, مهمتها الأساسية إنجاب الأطفال وتلبية رغبات الزوج أما عملها خارج المنزل فهو بهدف تخفيف الأعباء الاقتصادية على الزوج. إلا أن تعليم المرأة وعملها المأجور لعب دوراً هاماً في مساعدتها على رفض وضعها الأدنى في الأسرة ورفض التقاليد العتيقة التي تنظر إليها كوعاء لإنجاب وأداة للطاعة, والنظر إلى نفسها كإنسانة لها طموحها الفكري والنفسي فعندما يفرض عليها الزواج كوظيفة وحيدة في الحياة تشعر بالإحباط والنقص وعدم تحقيق ذاتها إلا أنها ترفض الاستسلام للتقاليد والنظم المفروضة وتواجهها بقوة وتمرد مما يقودها إلى مواجهات قاسية مع المجتمع تدفع بقضيتها خطوات للأمام ولكنها تدفع بالمقابل ثمن قاسياً من الناحية الصحية الجسدية والنفسية. فالأمراض العصابية التي تصيب المرأة ليست نتيجة وراثية أو نتيجة ضعف في الجهاز العصبي كما كان يعتقد الأطباء سابقاً بل إن سيطرة الزوج على الزوجة أو ضرب الأب لابنته, والتفرقة في المعاملة بين البنات والأولاد وإعداد البنت للزواج والخدمة بالبيت أكثر من إعدادها للعمل المنتج في المجتمع وبث صفات الأنوثة الخاطئة في نفسها من حيث الطاعة والهدوء والاستكانة وزجرها واتهامها بالاسترجال إذا أبدت شيئاً من قوة الشخصية أو الاستقلال في الرأي وحرمانها من حقها في إكمال تعليمها وتعرضها للتحرش والعنف الجنسي وتعرضها للاستغلال داخل المنزل وخارجه كل هذه العوامل تسبب لها العصاب أكثر مما تسببه الوراثة أو الكرموسومات. ولأن معظم أسباب العصاب ليست داخل رأس المرأة أو جسدها وإنما في المجتمع والأسرة والمدرسة والعمل فإن الحل لن يكون بالأقراص المهدئة والجلسات الكهربائية بل إن العلاج يكمن في إزالة الأسباب الحقيقية وإزالة التفرقة بين الجنسين وإزالة القيود والخوف الذي يجعل المرأة تكذب على نفسها والآخرين وتصبح عاجزة عن ممارسة الحب الصادق. المرأة العصابية يجب أن تكون فخورة بنفسها لأنها تخطو نحو الأمام تدرك بذكائها ما يفرض عليها من قيود لكنها ترفض الاستسلام للواقع كما تفعل المرأة المتكيفة مع قيودها, وعلى الرغم من معاناتها للقهر والتفرقة ترغب في الانطلاق والتساوي مع الرجل في الحرية الاجتماعية والشخصية وتسير بسلوكها نحو تحقيق هذا الهدف بنظرتها على ذاتها كإنسانة لها عقل وجسد قادرة على الإنتاج والاختيار حتى شريك حياتها تفرض عليه الشروط المتوافقة مع رغباتها وطموحها فإذا لم يلبي الرجل حاجاتها الفكرية والعاطفية الجسدية ترفضه, كذلك هي أكثر وعياً ورغبة في التحكم بجسدها وحملها وولادتها إذ أنها لا تحتاج على الأطفال من اجل تحقيق ذاتها بل تدرك أن كثرة الأطفال تمثل قيداً على وقتها وحريتها, ومن الناحية الجنسية هي اقل كبتا وأكثر جرأة كذلك أقل انشغالاً بالجنس لأن فكرها منشغل بأمور أخرى. إن المرأة الذكية الواعية هي التي ترفض أن يستعملها الرجل لذلك يزيد تمردها كلما زاد ذكاؤها وتعليمها لكن التمرد والرفض يسبب لمعظم النساء العصاب, أما القليلات القويات يحولن الرفض إلى ثورة إلى فعل حقيقي يرفع عنهن الظلم والاستغلال لذلك لا تصاب الثائرات بالعصاب. هذا أهم ما توصلت إليه الدكتورة نوال السعداوي في بحثها المرأة والصراع النفسي, إضافة إلى إغناء كتابها ببعض تجارب النساء العصابيات اللواتي قابلتهن أثناء بحثها. (د. نوال السعداوي, المرأة والصراع النفسي, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت, الطبعة الأولى، 1976)
صفاء ديوب، (كوني فخورة لأنك عصابية) خاص: نساء سورية