منذ ولادة الإنسان من بطن أمه يبدأ التقدم نحو الشيخوخة، فنحن جميعاً نتقدم بالعمر وفي حالة شيخوخة كامنة. لكن كل شخص يهرم ويشيخ بطريقة مغايرة للآخرين، فبعض الأشخاص المسنين يحافظون على قدرتهم على الاعتماد على أَنفسهم وعلى وضع حياتي ومعيشي مقبول حتى آخر يوم من حياتهم.وهكذا فإن عملية الشيخوخة تبدو عملية مختلفة بنظمها،بشدتها وبتوجهها وذلك بحسب كل شخص من الأشخاص. الشيخوخة بمعنى السنوات الأخيرة من العمر تنقسم إلى عدة مراحل فهنالك مثلاً المرحلة الثالثة من العمر والمرحلة الرابعة منه، وهناك من يتحدث حالياً عن المرحلة الخامسة من العمر، فمع التقدم الطبي والعلمي ازداد معدل عمر الفرد في بعض البلدان من 70عاماً إلى 80عاماً وذلك خلال قرن من الزمان أَي منذ بداية القرن العشرين حتى بداية القرن الواحد والعشرين. مع هذه الزيادة في معدلات الأعمار عموماً، وبحسب الدراسات الحديثة في علم الشيخوخة، فإن كل العاملين في حقل رعاية المسنين وخدمتهم يجدون أنفسهم حالياً أمام مسؤوليات ومهام كثيرة وشاملة وهامة تجاه تلك الفئة المسنة من المجتمع، إذ هي فئة هشة، متداعية، وضعيفة عموما. وهنا تبرز ضرورة التخلص من العقليات والمفاهيم القديمة والسلبية التي كانت تعتبر الشيخوخة مشروع موت والتوجه بأَسرع ما يمكن نحو آلية عمل مناسبة لتحويل الشيخوخة إلى "مشروع حياة" الآن سوف أعالج قبل كل شيء المظاهر الثلاثة للشيخوخة: - المظهر البيولوجي والفيزيولوجي. - المظهر العقلِي والنفسي. - المظهر الاجتماعي وقضية الوسط والمحيط. ثم أذكّر بحاجات الشخص المسن بشكل متسلسل الأَهمية حسب هرم "مسلو" وأنهي ببيان كيقية تحويل مرحلة الشيخوخة إلى مشروع حياة. أبدأ بنظرة سريعة وتعريف بسيط للشيخوخة:هي "تأثير الزمن على الكائن الحي يترجم بتغيرات شكلية ووظيفية" الهرم أو الشيخوخة هي المرحلة الأخيرة من الحياة، هي مرحلة خسارة وضياع،ضياع الدور الاجتماعي،ضياع امكانية الكسب المادي،ضياع وتفرق وخسارة الأهل والأصدقاء والأقارب،فهي إذن مرحلة خوف، يخاف الإنسان حينها على موقعه في السيادة، يخاف على أَمنه وعلى استقلاليته ويخشى أن يصبح تابعا للآخرين أو عالة عليهم. لهذا فإن الشيخوخة ليست عملية فيزيولوجية بيولوجية معزولة وصرفة و إنما تتفاعل دوماً وبشكل كبير وهام مع الشروط الاجتماعية والنفسية التي تتماشى معها. مظاهر الشيخوخة أولاً: المظهر البيولوجي والفِزيولوجِي: وهو ما يتعلق بالمتطلبات والضرورات المختلفة والمحيطية. تتناقص دوماً القدرات الحركية للشخص المسن ويشعر ببعض الانزعاج عند القيام بالحركة. فالضمور العضلي وتناقص سعة حركة المفاصل يؤديان إلى تحدد الحركة بشكل عام وهام. يضعف تنفس الشخص المسن، فالصفات الميكانيكية والحركية للرئتين تتأثر سلباً مع تقدم العمر وهذا يؤدي إلى نقص يقدر ب30% من القدرات الحيوية. إن نصف المتقدمين في السن لديهم مشكلة قلبِية متى بلغوا السبعين من العمر. يضعف بصر الشخصِ المسنِ ويضعف سمعه، أما وظائِف الكِلية لديه فتصاب بالوهن والكسل و20% من الطاعنين في السن لديهم اضطراب بالمصرّات (سلس بول) أما حاسة الذوق فتضعف عموماً وآخر ما يضعف هو تذوق الطعم الحُلو ولذا يميل المسن إلى تفضيل المأكولات حلوة الطعم. تضعف أيضاً حاسة الشم، أما عملية الهضم فتصبح عسرة فالميل لتناول الحلويات ونقص القدرة على المضغ يؤديان إلى مشاكل هضمية متنوعة مع ما ينجم عن ذلك من تعب ووهن واضطراب تغذية. كما أن الشخص المسن ضعيف من الناحية المناعية مما يؤدي به للإصابة بأمراض انتانية عديدة وأخيراً وليس آخراً فإن الدماغ يصاب أيضاً بالهرم فتظهر اضطرابات الذاكرة واضطرابات الملاحظة والانتباه والتركيز وهذا جزء لايتجزأ من الانهيار الفيزيولوجي والبيولوجي عموماً. ثانيا: المظهر العقلي والنفسي في الشيخوخة: مع تقدم السن فإن الوظائف الادراكية تصاب بالخلل والوظائف الادراكية هي احدى أهم وظائف الدماغ المسؤولة عن تحليل المعلومات الواصلة إلى الدماغ عبر طرق الحواس المختلفة. كما يضعف الذكاء التركيبي الذي تتطلب عملياته وجود شبكة عالية المواصفات ما بين الخلايا الدماغية التي يزيد عددها عن100مليار خلية حسب التقديرات، بسبب تناقص هذه الخلايا مع التقدم في العمر. أما اكتساب المعارف والمعلومات والخبرات، فهو أَمر يحافظ عليه الشخص المسن طويلاً. لكن الهرم الدماغي بالمعنى العضوي الفيزيولوجي ليس مسؤولاً بشكل كلي عن هذه الاضطرابات فالجهاز النفسي يجد نفسه أيضاً في حالة اختلال توازن عندما تواجهه صعوبات الحياة الناشئة عن الشيخوخة. وهكذا تصاب الحياة العاطفية أَيضاً بسبب غياب آليات الدفاع، فالخوف من الشيخوخة والقلق يؤديان ويزيدان من السلوك السلبي الانهزامي المثبط ويؤدي مجموع ذلك إلى الانطواء. تظهر اضطرابات المزاج أيضاً، فيصاب العقل بالحزن والآلام المعنوية فندخل هنا في حلقة معيبة مفرغة تزيد من ضعف ما يسمى - الوظائف الدماغية العليا - مؤديةً إلى الانحدار الفيزيولوجي العام. وهل تتلاشى الأحاسيس مع تقدم العمر ؟ ثالثا: المظهر الاجتماعي والمحيط: يشمل المظهر الاجتماعي المحيط المادي من جهة المحيط الإنساني من جهة أخرى. يلعب المحيط المادي دوراً في التأقلم ما بين الفرد والمحيط بشكلٍ عام. المحيط الإنساني يؤثر على الشخصية النفسية ويحيط بها ويضعها في مكانها ضمن سلسلة التفاعلات الانسانية الضرورية للتوازن الداخلي: وهنا يكمن دور العائلة أو المجموعات البشرية الصغيرة. تؤدي ممارسة العمل الانتاجي إلى التصاق الشخص بمجتمعه واندراجه فيه من الناحية الاجتماعية فهذه المعطيات تتغير إذن مع تقدم العمر فتؤدي الأحداث هذه إلى تزعزع الوجود الاجتماعي للشخص، وهكذا تفكك السنين الكيان الاجتماعي للشخص مما يؤدي إلى الإحساس بالعزلة والوحدة. عندما نقول العزلة نعني بأن هناك شخصاً مسناً لاأَحد يحسب حسابه - لا شخصاً يعيش بمفرده -. انطلاقاً مما سبق، هل علينا أن نتحدث عن العزلة العاطفية والشعور بعدم إفادة المجتمع، وهذا ما يشعر به أكثر المسنين. باختصار يمكن أن نقول أن الشيخوخة هي انخفاض في قدرات التأقلم عند الإنسان: أي انحدار العلاقة المتناغمة ما بين الوسط الداخلي المتداعي مع المحيط والخارجي. هذا الانحدار يعبر عنه بالانحدار الحيوي،النفسي، العقلي،وبالعزلة الاجتماعية والوحدة. كثيرة هي العوامل التي تؤثر على جذوة الحياة وتخفض من ضوئها وتؤدي إلى تداعي قدرة الشخص من الاعتماد على ذاته. وإذا ما اتصفت الحياة أساساً بالاعتماد على الذات فإنها تعطي هذا الاعتماد على الذات الوسائل اللازمة بفضل ما تبقى من قدرات وطاقات لدى الشخص، وهذا ما يسمى - الاعتماد على الذات المتبقي أو الكامن - وهكذا فإن الفرد يمارس عبر الاعتماد على النفس المتبقي أو الكامن نشاطه وفعاليته زيادةً ونقصاناً حسب الزمن وحسب ظروف صحته وحسب تقدمه في العمر معبراً بذلك عن ما يسمى--الاعتماد على النفس المعبر أو الاعتباري--. التأقلم و التناسب ما بين الاعتماد على النفس الكامن والاعتباري هو محصلة التأقلم، وعلى هذا التأقلم تتوقف الحياة. وعندما لايتحقق هذا التأقلم فإن الخروج من حلقة الاعتماد على النفس هو ما يؤدي إلى التراجع فالانزِلاق فالموت. حلقة الاعتماد على النفس الموت الحياة القدرات الاعتماد على النفس التأقلم الفعاليات والنشاطات البيولوجي الحيوي النفسي الاجتماعي ليس بالأمر أَن يشيخ الإنسان وهو في حالة من البهجة والسرور، فهذا ما ينبغي تحضيره واتخاذه كهدف يومي وبشكل مبكر في الحياة. فالاستعداد للشيخوخة ومرافقتها ضروريان ومن هنا عنوان المحاضرة - الشيخوخة مشروع حياة - يجب على الشخص المسن أن يتأقلم مع جسمه المصاب بالتداعي ومع واقعه الذي يتزايد به القلق وانطلاقاً من ذلك وإضافة لما سمعناه منذ البداية، يجب التعرف والاعتراف بحاجة وحاجات الشخص المسن والاستجابة لها. وهنا أذكر بحاجات الشخص المسن بالتسلسل وحسب الأهمية بحسب هرم [ مسلو ] هذا التسلسل ينقسم إلى خمسة درجات هرمية: أولاً: الحاجات الفيزيولوجية -الشفاء من أمراض الجسد. -الاحتفاظ بالطاقة الجسدية. -عدم التألم. مثال: تأمين الطعام والشراب، التنفس، النوم والخلود للراحة. ثانياً: الاطمئنَان والأمان: -التمكن من التعبير عن المخاوف. - ايجاد الثقة مع الطاقم المعالج. - الاحساس بمصداقية الآخرين. - الشعور بالطمأنينة. مثال: تحاشي الحوادث، تملك، منزل، امتلاك حقوق معينة ثالثاً: المحبة والشعور بالانتماء: -التكلم. - الاصغاء له وفهمه. - أن يكون الشخص المسن قادراً على المحبة ويشعر بمحبة الآخرين له. -أن يحدث الموت أو الوفاة بحضور شخص هام بالنسبة للشخص المسن. مثال: التواصل العلاقات الاجتماعية. رابعاً: عزة النفس واعتبارها: -الاحتفاظ بكرامة الشخص المسن بصرف النظر عن ضعفه. - المحافظة على اعتماده على ذاته. - تدعيم شعور الشخص المسن بأنه شخص طبيعي وبأنه إنسان بكل معنى الكلمة حتى النهاية. - أن يحتفظ الشخص المسن بهويته الشخصية بالمعنى المعنوي. مثال: احترام قيم ومعتقدات الشخص المسن.
يتبع