بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلي على محمد و آل محمد قامت الحضارة الإنسانية منذ بداية الخلق و حتى يومنا هذا على أساس المجتمعات. فالمجتمع هو المجمع الذي يضم الأفراد مع بعضهم البعض, الأمر الذي يساعد الأفراد على التعاون المثمر بينهم. هذا التعاون "المثمر" هو الذي يدفع الحضارة إلى الأمام و يعطيها الدفع اللازم للتقدم. فإذا رجعنا إلى الماضي, و إلى حضارة المصر القديمة –على سبيل المثال– فهي كانت تتكون من مجموعة من المجتمعات التي ضمت الأفراد, الأمر الذي عزز التعاون بين الأفراد ناتجاً بذلك التقدم الحضاري.
إذا أُريدَ التبسيط في إيضاح حقيقة المجتمع فيمكنني القول أن المدينة التجارية تتكون من ملايين الدكاكين. هذه الدكاكين إذا بنيت بشكل فردي متفرق فإن خدمتها التجارية للمدينة تكون ضعيفة, فالشاري يضيع في البحث عن بضاعته و الحركة التجارية في المدينة تتراجع. يأتي الحل ببناء أسواق تكون مجاميع للدكاكين بحيث تسهل على الشاري البحث عن بضاعته و بذلك تتعزز الحركة التجارية في المدينة. الأسواق المختلفة في المدينة تبني مع بعضها البعض الحياة التجارية في المدينة. الفرد في تأثيره للحضارة يماثل هذا المثال. فإذا أخذنا الفرد على أنه دكان, فإنه –أي الفرد- يضيع دون مجمّع سوقي له, و هو المجتمع. و المجتمعات المختلفة تكون المدينة المتكاملة و هي الحضارة.
تركيزنا في هذا البحث هو عن المجتمع و تركيبته, لأن هذه التركيبة تؤثر على إنتاجه, و بالتالي تتأثر إنتاجية المجتمع. ففساد الدكاكين –كما في المثال السابق- يؤدي إلى فساد الحركة التجارية في المدينة, لذا لا بد من الحذر على أن يكون أفراد المجتمع غير فاسدين كيما يكون المجتمع مثمر. و حتى يكون المجتمع مثمر لا بد من وجود فئة بنّائة فيه حتى يرتقي إلى مستوى التقدم الحضاري.
إن المجتمع الصحيح البنية لا بد من أن يتكون من أفراد صحيحي البنية, و أعني بذلك أفراداً مثمرين. فماذا أقصد بالأفراد المثمرين؟
الناس في تفاعلهم مع المجتمع عل ثلاثة أصناف:
صنف العبء الصنف الآلي الصنف المثمر
أولاً: صنف العبء: و هو الصنف الذي يأخذ من المجتمع وقته و ماله في التعلم و التقدم. فإذا كبر جلس عاطلاً لا يفيد المجتمع بشيءٍ. فهو بذلك أضاع جهد المجتمع و كان عبئاً عليه. فمثلاً: شابٌ ترعرع في عائلةٍ كريمة أنفق من مالها للتعلم في أفضل المدارس و الجامعات, فإذا هو كبر جلس ينفق مال أبيه دون عملٍ يفيد به المجتمع. مثل أسرة هذا الشاب مثل التاجر ينفق على تجارةٍ 2000 ريالٍ ليجدي منه 1000 ريالٍ أو لا شيء. و مثل هؤلاء الأفراد يجرّون المجتمع إلى الخلف و إلى الهلاك.
ثانياً: الصنف الآلي: و هو الصنف الذي ينتج بقدر ما يصرف من طاقات المجتمع. فالشاب الذي يترعرع في المجتمع و يتعلم من علومه, فإذا كبر أنتج بقدر ما تعلمه, فهو قد تعلم الهندسة و عمل مهندساً يخدم مجتمعه بذلك. مثل هذا الشاب كمثل التاجر إذا استثمر 1000 ريال ليجني منه 1000. هذا الصنف يساعد المجتمع على الاستمرار لا التقدم, هو كالوقود للمجتمع. لكن هذه الفئة لا تسمح للإنتاج الحضاري أو التقدم الحضاري. عندما أتحدث عن الصنف الآلي, لا أقصد بأن هذا الإنسان لا يثمر مطلقاً في حياته, فلعله ابتكر طريقةً لحل مشكلة ما, و لكن إذا ما نظنا إلى الأمر من زاويةٍ أكبر, فهو لم يقدم للمجتمه ما يدفعه إلى التقدم و الرقي. مثلاً: فلان مهندس و يعمل في شركةٍ ما. أثناء حياته العملية ابتكر طرقاً لحل معضلات هندسية في عمله, و طوّر طرقاً لتسهيل التخطيط الهندسي, و لكنه لم يخبر أحداّ من المجتمع بذلك, و مات و يخرج ثمار حياته. أما زيد فهو طبيب, تعلم عقداً من الزمان كيف يكون طبيباً, فإذا تعلم قام ليكتشف طرقاً علاجية جديدة, و لم يقف عند هذا الحد, بل واصل ليدون ما اكتشفه عن عالم الطب حتى يستفيد غيره من ما اكتشفه
ثالثاً: الصنف المثمر: و قد سميته بالمثمر لأنه كالشجرة, إذا غذيتها بالأساسيات البسيطة, صارت تنتج لك فواكه و خضروات من مواد معقدة, فهي بذلك تثمر لك. الفرد المثمر في المجتمه يشبه هذه الشجرة, فهو يتعلم من المجتمع أساسيات العلم, ليقوم في المستقبل بتطوير ما تعلمه و تعليمه للجيل اللحق. و إذا ما قارنت هذا الصنف بمثال التاجر, فهو التجارة التي يُسثمر فيها 1000 و يُجنى منها 2000 ريال. هذه الفئة هي التي تدفع البشرية إلى التقدم الحضاري و هي التي أوصلت البشرية إلى ما وصلت إليه في يومنا الحالي.
أعزائي, لقد أعطينا فضلاً كبيراً بأن أنعم الله علينا أن نكون من العقول التي ذهبت تجوب العالم طلباً للعلم, فهلا نستغل هذه النعمة التي أنعمها الله علينا و أن نعود إلى وطننا نبني به المجتمع الذي يخدم أبناء البلد و يحقق حاجة البلد بنا. أعزائي فلنكون أفراداً مثمرين, لا يكون ما تعلمناه سواءً في الجامعة أو من خبرة الحياة في الغربة حكراً على أنفسنا, بل علينا أن نفيد به أكبر قدرٍ من المجتمع العماني, فنكون بذلك ساعدنا على الرقي للمجتمع و تكون لنا يداً في بناء عمان!