بقلم الدكتور هشام الخياط
هل مؤسستك معالج أم قرص صلب؟ سؤال نطرحه مع نهاية عام وبداية عام جديد ونتمنى للجميع أعياداً مجيدة نحتفل فيها بالتجدد والانطلاق نحو فضاءات أكثر دينامية وأكثر استجابة وأكثر تنافسية.
على عكس ما يظهر من عنوان المقالة، لن يكون الحديث عن المعلوماتية والتقانة ولكن سيتم الحديث عن الإدارة والمؤسسات بالاستفادة من العلوم الأخرى وأهمها تقانة المعلومات. وعند الحديث عن المؤسسات نذكر عاملين أساسيين وهما الهيكلية والثقافة، فبينما يشير الأول إلى البنية التنظيمية والتراتبية يشير الآخر إلى سلوك المؤسسة واستجابتها لبيئة العمل المحيطة. وتختلف المؤسسات "المنظمات" من مؤسسة لأخرى فنرى مؤسسات تراتبية عمودية تتبع النهج التقليدي والمتمثل بالهرمية وهناك مؤسسات منبسطة وهناك مؤسسات عنقودية إلى ما هنالك من أشكال أما الثقافة السائدة فهناك مؤسسات شفافة وهناك مؤسسات منغلقة وهناك مؤسسات شافة ومازلنا نتحدث عن ألوان محددة. ولكن مع تطور التحديات الدولية والتحديات الداخلية والانتقال من المنافسة إلى التنافسية ودخول العامل التقاني والعامل البشري والمسؤولية الاجتماعية في تصنيف المؤسسات انتقلنا إلى فضاءات جديدة وبدأنا الحديث عن مؤسسات مسؤولة اجتماعيا وأخرى غير مسؤولة ومؤسسات عالية التقانة وأخرى عالية التكثيف في قوة العمل وبدأنا الحديث عن شركات ذات تنافسية عالية وأخرى متوسطة وأخرى ضعيفة التنافسية. والحديث عن التقانة يقودنا إلى الحديث عن الشركات الابتكارية عالية الاستجابة والتكيف وبالتالي عالية التنافسية والتي تتصف بمواصفات المعالج Processor أي التي تتعامل مع الكم الهائل من المتغيرات والتحديات كمدخلات تصيغ على أساسها خياراتها الاستراتيجية والتشغيلية وبالتالي تحافظ على مستوى مقبول من التكيف والبقاء. وهناك شركات مازالت تتعامل مع كامل هذه التغيرات كقرص صلب Hard Disk فتخزن ماتستطيع وتحذف مالا تستطيع وبالتالي تتسم بقدرات تكيف محدودة وقابلية للانهيار أكثر من غيرها. إن المؤسسات التي تتصرف كقرص صلب تمر بين الفينة والأخرى بمرحلة إعادة التهيئة Format وبالتالي تفقد الكثير من ذاكرتها المؤسساتية وتجاربها السابقة كما تحتاج أيضا وبشكل متكرر إلى عمليات إزالة التجزئة Defragmentation ولكنها لاتميز بين الغث والسمين من الملفات فالمعيار هنا القدرة الاستيعابية لا القدرة على المعالجة، وكثيراً ما تسيء التصرف عند التعامل مع ملف كبير فإما أن تلغيه أو تجزئه أو تضغطه وبالتالي تقتصر المعالجة على تكييف هذا الملف أيضاً تبعاً للقدرة الاستيعابية وليس القدرة على المعالجة وهذا الملف قد يكون قرارا استراتيجيا أو استثماريا أو تعاطيا مع الموارد البشرية والتقانية والمعرفية في الشركة. وعند استعراض المؤسسات في بيئة الأعمال لدينا نرى الكثير من المؤسسات التي تنهج نهج القرص الصلب وتترك لمؤسسات أخرى مقدراتها لأنها تمتلك مزايا المعالج. وهذا التصنيف ليس حكرا على القطاع الخاص بل هناك مؤسسات حكومية وأخرى أهلية ضمن هذين التصنيفين وبالتالي فإن تنافسية اقتصادنا مهددة بتزايد عدد تلك التي تتصرف كقرص صلب لأننا نربط العجلات المتحركة إلى تروس صدئة. وعند الحديث عن التطوير والإصلاح يتبادر إلى الخاطر مباشرة مصطلح "زيادة القدرة الاستيعابية" ولا أظن أن هذه وجهة صحيحة فنحن نتوجه من قرص صلب صغير إلى آخر أكبر سعة ولكن الوجهة السليمة تكون في "بناء القدرات" وأية قدرات نعني بلا شك نقصد "قدرات المعالجة" والتي تنضوي على التحليل والمحاكمة والتنتيج وذلك في إطارات زمنية مناسبة من حيث المدة والفعالية والاستباقية. وبعيداً عن الأكاديمية والتفاصيل التقانية .. هل مؤسستك معالج أم قرص صلب؟ سؤال نطرحه مع نهاية عام وبداية عام جديد ونتمنى للجميع أعياداً مجيدة نحتفل فيها بالتجدد والانطلاق نحو فضاءات أكثر دينامية وأكثر استجابة وأكثر تنافسية.