واشنطن—قد يعود تاريخ بعض أنظمة الطب التقليدي الى الوراء آلاف السنين لكن قلة من هذه الانظمة طورت الأساليب المتينة لإثبات السلامة والفعالية اللتين كانتا ركيزتي الطب الحديث المعاصر على مدى عدة قرون من الزمن.
ومن الأمثلة المأثورة عن الطب التقليدي الوخز بالأبر في الصين والطب اليورفيدي (او طب الحياة الذي يعتمد على الزيوت) في الهند، والطب النباتي وهو جزء هام من أساليب عديدة للطب التقليدي.
وقد ذكرت مديرة منظمة الصحة العالمية مارغريت تشان أن نظامي الطب التقليدي والغربي لا ينبغي ان يكونا مناقضين لبعضهما البعض. وكانت تشان تتحدث امام 1200 مشارك من 74 بلدا حضروا مؤتمر الطب التقليدي برعاية المنظمة في الفترة من 7-9 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
وتابعت تشان قائلة: "في إطار الرعاية الصحية الأساسية يمكن للنظامين الصحيين ان يلتحما معا في وئام مفيد مستخدمين أفضل خصائص كل نظام فيما يعوض كل منهما على نواقص معينة في النظام الآخر." وزادت بالقول ان ذلك "لن يتم بصورة مستقلة بل يجب اتخاذ قرارات سياسية مقصودة. لكن يمكن لذلك ان يتم بنجاح."
وتلجأ دول في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية الى الطب التقليدي لسد بعض من احتياجاتها الاساسية من الرعاية الصحية. وفي إفريقيا، تستخدم نسبة تصل حتى 80 في المئة من الناس للطب التقليدي للرعاية الصحية الأساسية. ومثل تلك الممارسات بدأت تجد طريقها الى الدول الصناعية حيث يطلق على ضروب مستمدة من الطب التقليدي اسم الطب البديل او المكمل.
إعلان بكين
وخلال المؤتمر الذي انعقد في الصين والذي رعته منظمة الصحة العالمية وشاركت في تنظيمه وزارة الصحة الصينية والإدارة الحكومية للطب التقليدي الصيني، ناقش المؤتمرون الذين ضموا مسؤولين حكوميين وممثلين عن 19 مركزا للطب التقليدي تابعة لمنظمة الصحة العالمية، ومنظمات غير حكومية وشركاء أساسيين، كما تبنوا إعلان بكين حول ترويج وتطوير الطب التقليدي.
ومن التوصيات التي تضمنها الإعلان المذكور:
وجوب احترام والحفاظ على معارف الطب التقليدي وعلاجاته و وممارساته.
وجوب ان تصوغ الحكومات نظما ومعايير كجزء من أنظمتها الصحية القومية بما يضمن الاستخدام المأمون للطب التقليدي.
وجوب أن تؤسس الحكومات أنظمة لترخيص اومنح إجازات للعاملين بالطب التقليدي.
وجوب تطوير الطب التقليدي على أسس الابحاث والإبتكار بما يتمشى مع الإستراتيجية العالمية وخطة العمل حول الصحة العامة والإبتكار والملكية الفكرية وهي الإستراتيجية التي تبنتها جمعية الصحة العامة في دورتها الحادية والستين في 2008.
وذكرت الدكتورة جانغ شياوروي إحدى المسؤولات عن تنظيم المؤتمر ومنسقة الطب التقليدي في دائرة الأدوية الضرورية والسياسات الصيدلانية في منظمة الصحة العالمية: "هذا العام (2008) يصادف الذكرى السنوية الستين للمنظمة الصحة العالمية والذكرى السنوية الثلاثين لإعلان ألما آتا الذي تبناه صندوق الطفولة العالمي (يونيسيف) ومنظمة الصحة العالمية في 1978. وأضافت المسؤولة: "إن إعلان ألما آتا يعتبر ذا أهمية للطب التقليدي. ورغم أن هذا مورس على مدى آلاف السنوات وحقق المشتغلون به إسهامات جلّى لصحة الإنسان فإن إعلان ألما آتا كان بمثابة أول إقرار بدور هذا النوع من الطب والمشتغلين به في الرعاية الصحية الأساسية من قبل منظمة الصحة العالمية ودولها الأعضاء."
ممارسات مأمونة
والطب التقليدي هو على العموم متوفر وزهيد الثمن ويستخدم على نطاق واسع في أجزاء من إفريقيا وآسيا واميركا اللاتينية. وبالنسبة لملايين الناس لا سيما اولئك الذي يقطنون الأرياف في البلدان النامية فإن العقاقير والعلاجات النباتية التي يقدمها محترفون تقليديون قد تكون الأصناف الوحيدة المتوفرة من الرعاية الصحية.
وفي الصين فإن المستحضرات النباتية التقليدية تمثل نسبة 30 الى 50 في المئة من إجمالي استهلاك العقاقير. وفي غانا ومالي ونيجيريا وزيمبابوي فإن العلاج الأولي لنسبة 60 في المئة من الصغار الذين يعانون من حمى مرتفعة جراء الملاريا هو بالعقاقير النباتية التي تقدم في المنزل.
وفي مدينتي سان فرانسيسكو ولندن وجمهورية جنوب إفريقيا تستخدم نسبة 75 في المئة من المصابين بالإيدز وفيروس نقص المناعة المكتسب وسائل الطب التقليدي.
وفي ولاية ماريلاند الأميركية، يمثل المركز القومي للطب البديل والمكمل وهو جزء من المؤسسات القومية للصحة واحدا من المراكز المتعاونة مع منظمة الصحة العالمية في مجال الطب التقليدي.
ومهمته هو تسخير العلوم الدقيقة لاستكشاف الممارسات العلاجية البديلة ، وتدريب الباحثين الطبيين في مجالي الطب المكمل والبديل وتوزيع ونشر معطيات الى المهنيين الطبيين وافراد الجمهور.
وأبلغ نائب مدير المركز المذكور جاك كيلين موقع أميركا دوت غوف: "نحن هنا في المركز نقول ان مهمتنا هي القيام بأبحاث حول الطب البديل وأن أي ممارسات يتبين أنها سليمة وفعالة ينبغي أن تصبح جزءا من الرعاية الصحية ومتوفرة لها أينما قد يكون مصدرها."
وطبقا لمنظمة الصحة العالمية ثبت ان الوخز بالأبر فعال في تخفيف الألم الناتج عن الجراحة والتقيوء خلال فترة الحمل ونتيجة العلاج الكيميائي، وألم الأضراس، وتكون له آثار جانبية طفيفة. كما يمكن لهذه الممارسة أن تخفف حالات الأرق والهلع.
ومنذ عام 1997 موّل المركز المذكور أبحاثا موسعة لغرض الترويج للفهم العلمي للوخز بالأبر. وقد تناولت بعض الدراسات الأخيرة التي رعاها المركز مسألة ما اذا كان الوخز بالأبر يفعل فعله في حالات صحية معينة مثل الألم المزمن في أسفل الظهر والصداع والتهاب المفاصل العظمية؛ وكيف قد يعمل الوخز بالأبر مثل ما يحدث في الدماغ خلال العلاج به؛ وسبل تحديد وفهم الخصائص العصبية الممكنة للنقاط التي يتم فيها الوخز وأساليب وادوات لتحسين نوعية أبحاث الوخز بالأبر.
وطبقا لمنظمة الصحة العالمية بإمكان رياضة اليوغا ان تخفف من أزمات الربو فيما يمكن لأساليب تمارين "تاي تشي" الرياضية الصينية ان تساعد المسنين على تخفيف خشيتهم من الوقوع فيما يمكن للطب التقليدي ان يكون له تأثير على الأمراض المعدية.
وعلى سبيل المثال فإن العلاج النباتي الصيني المعروف بـArtemisia annua والمستخدم بالصين على مدى ألفي عام تقريبا تبين انه ناجع ضد أصناف ملاريا مقاومة للعقاقير ويمكن أن يحقق اختراقا في منع وقوع زهاء مليون حالة وفاة سنويا، غالبيتها بين الأطفال، نتيجة لحالات فتاكة من الملاريا—استنادا لمنظمة الصحة العالمية.
والعلاجات التقليدية هي إيجابيات تاريخية أصبحت ذات علاقة أكبر في ضوء عولمة أنماط عيش غير صحية والظاهرة الحضرية السريعة وغير المخطط لها سلفا والشيخوخة كما ذكرت تشان. وتتجلّى هذه التبعات العالمية للصحة في زيادة الأمراض المزمنة في العالم قاطبة مثل أمراض القلب والسرطان والسكري.
ثم خلصت تشان إلى القول: "بالنسبة لهذه الأمراض وحالات مرضية كثيرة غيرها فان الطب التقليدي يقدم الكثير في نواحي الوقاية والراحة والمواساة والرعاية."
للمزيد عن هذا الموضوع راجع الموقع الخاص بالطب التقليدي لمنظمة الصحة العالمية وموقع المركز القومي للطب المتمم والبديل على الشبكة العنكبوتيه