نجيب نصير
2009-09-07
هكذا وبدون أي وجل أو خجل ودون أن يرف له جفن ،يطلق المذيع اللوذعي من على منبر إحدى الفضائيات المشهورة (ألم تصبح "الماجنات والفنانات الساقطات" مثل أعلى للمرأة العربية؟؟!!) في إشارة إلى الإعلام العربي (أي كل قناة غير القناة التي يعمل بها هذا المذيع) يقوم بتخريب العقول والرؤى محولا المرأة إلى نسخة مشوهة عن المرأة الغربية المتحررة (جنسيا فقط!!!)،
طبعا لم يخطر في بال المذيع العتيد أن هكذا تهم يمكن المحاسبة عليها قانونيا , لكن الذكاء الفهلوي يجعل من صياغته للعبارات مسألة لا يطالها قانون خصوصا قوانيننا العربية، ولكن ما قاله هو أخطر (وعلى الصعيد التربوي تحديدا) أخطر بكثير من المسألة القانونية، فالمسألة هنا مسألة عقل، وبتجاوز العقلانية يتم التحريض عليها وعلى استخدام العقل، بحيث يتم استبدال المعيار العقلي بمعيار أخلاقي تهديدي ابتزازي، كيف نترك أعراضنا كي ترى الماجنات الساقطات مرفقا الفنانات أيضا على الشاشات ؟؟؟
طبعا الجواب عند المشاهد بأن يدعو على هذه القنوات (الإباحية) بالحريق أو الانهيار وهذا... أضعف الإيمان ، ويسألونك عن التحريض؟!!... هكذا يتم التحريض.... لأن الحكم بكل راحة ضمير على (بني أدمات) بالمجون والسقوط والفن (وهذه الأخيرة لها كلام آخر) هو دفع الناس لمحاسبتهن اذا كانت القوانين لا تستطيع ذلك ولسبب بسيط جدا، هو أن القوانين عليها احترام الحريات، وبما أن الدهماء تستطيع تعريف الحريات حسب المزاج عندها يمكن أطلاق كلمة ماجنات أو ساقطات على من يشاء، لأن الحرية ليست هكذا أو ان تعريف الحرية بالقانون خطأ شائع !!
طبعا لا ننسى تكرار سجع (التحرر والتحلل)، ليدخل المذيع اللوذعي الناس في دوامة الحط من القيم الحقوقية ، أو تفسيرها تفسيرا أخلاقيا تبسيطيا مشخصا معلنا حربا شعواء على كل ما يمت للحرية والعقلانية بصلة تحت حماية الدهاء الحكواتي أو تحت حماية القناة ومقدرتها المادية والإعلانية.
تبدو هكذا برامج وكأنها تعود بنا إلى المربع الاجتماعي الأول، وعلى المجتمعات العربية التي حققت انجازات حقوقية أو ثقافية أو أخلاقية، العودة إلى مربع الحقوق والأخلاق والثقافة التي تدعو إليها هذه القنوات وهؤلاء المذيعين، أي ما يمثل العودة إلى الصفر والمراوحة به حتى ينقشع عن العقل التحريضي الغبار. وعند انقشاع هذا الغبار لا يمكن الجزم اذا كان قد تبقى بني أدمين بل مجرد فزاعات أو دمى؟!!
لا أعتقد أن هناك حركة تقليد للمرأة الغربية في المجتمعات العربية، وإذا كان قصدنا على الناحية الجنسية فالدهاء الإنساني في مقابل القمع والمنع سوف يوصلنا إلى نتائج تدهشنا ، فالمسألة من هذه الناحية مسألة إعلان وإحصاء، ولكن المرأة العربية تعيش ظروف مجتمعها وتتعايش معها ، وتنتج من خلالها، أما اتخاذ (قرار) أن المرأة العربية تقلد الغربية (المؤثمة سلفا) فهو افتراء محض يدعو إلى محاسبتها بغير ذنب ، فهل اذا ركبت المرأة العربية مصعدا تصبح مقلدة (إذ لا مصاعد في التراث)؟
طبعا أصبحت مقلدة اذا ارتأى الفكر الذي يدعو إليه المذيع اللوذعي ذلك ، ويصبح بإمكان أي كان أن يعرف التقليد (لأنه يعرف الفرق بين التحرر والتحلل)، وقس على ذلك .
دعونا من القشور الخارجية ومظاهر المحطات الخداعة وانحيازها التي تقوم بتمسيج أمنياتنا، هناك خطورة حقيقية من الدعوات التحريضية المبسطة ليس تجاه المرأة فحسب بل ضد العقل نفسه، إذ لا يستوي أن تكون المرأة تحت ضغط إعادة المعايرة دائما بحيث يمكن أن تكون وبنفس نسبة الاحتمال (وبغض النظر عن الإجبار) مرة ماجنة ومرة ماجدة!
نجيب نصير، (الماجنات والماجدات) عن: سورية الغد، (9/2009