جاء الاديب السوري حسيب كيالي (1921 – 1993 ) الى موسكو في اواخر الخمسينيات من القرن العشرين للعمل في دار " التقدم " للنشر حاملا معه ظرفه وخفة دمه وحذلقته في الكلام مما جعله فورا في مركز اهتمام " المجتمع العربي" المحلي وكذلك مجتمع المستعربين الروس. وكان ما ان يدخل غرفة العمل حتى يتحول جو السكون والركود الى موجة من الضحك والسخرية الطريفة. لكن حسيب الاديب كان فورا ينتقل من الهزل الى الجد حين يدور الكلام عن اللغة العربية وقدراتها في التعبير حتى عن اغرب الالفاظ الاجنبية. وبالرغم من انه كان يترجم الادب الروسي من الفرنسية الى العربية لأنه كان لا يجيد اللغة الروسية فقد كان يدرك برهافة في الحس خصوصية المجتمع الروسي وعقلية ونفسية الانسان الروسي. وقد اغنى المكتبة العربية بتراجم اعمال ليرمنتوف وبوشكين وتولستوي وغيرهم من الادباء الكلاسيكيين الروس . كما يعود اليه الفضل في تعريف القارئ العربي بنفائس الادب الفرنسي حين نشر كتابه " الادب الفرنسي في عصره الذهبي" في الخمسينيات.
وقد تزوج حسيب المستعربة الروسية ايليانورا بوبيلوفا وانجب منها ابنته المستعربة لاحقا اميمة. لكن فترة بقائه في موسكو لم تدم سوى ثلاثة اعوام حيث عاد الى دمشق . وسرعان ما تلقت زوجته الروسية نبأ زجه في السجن بسبب ميوله اليسارية ، ومن ثم منعه من مغادرة سورية لفترة طويلة كما ابلغها في رسائله. لكنه واصل نشاطه الادبي في وطنه لاحقا بنشر المجموعات القصصية والاعمال المسرحية والمسلسلات التلفزيونية. ومن ثم انتقل للأقامة في دبي واقامة جسر تواصل ادبي بين وطنه والامارات الخليجية. وتوفي ووري الذرى هناك في 6 يوليو/تموز عام 1993 .
يعتقد الدارسون لأبداع حسيب كيالي انه تأثر كثيرا بأعمال تشيخوف وجوجول وتولستوي وغيرهم من الادباء الروس واقتبس منهم اسلوب السخرية الرقيقة دون الغلو فيها واعتماد حياة بسطاء الناس وطرائف المجتمع الشعبي كاساس للمادة الادبية.
وقد كتب محمد كامل الخطيب في تقديمه للأعمال القصصية الكاملة لحسيب كيالي والتي قامت وزارة الثقافة السورية بجمعها وطباعتها في عام 2006 يقول:
"هي مهمة شاقة، كثيرة الأشواك، أن تكشف عن حقيقة بسطاء الناس عندنا، عن حقيقة جماهيرنا، قام بها حسيب على أكمل وجه، برشاقة عذبة، أما اللغة التي تناول بها هذا الموضوع الزخار، فقد جهد فيها، أن يقرب الشقة بين الفصحى القابعة بكل جلال في بطون الكتب، وبين الدارجة التي تحيا في كل مكان، وبذلك أغنى لغة الكتابة بذخيرة من الألفاظ ، بلغت بأبسط وصف أن تنقل أفكاره واضحة إلى القارئ..
عندما يذكر حسيب كيالي بين كتاب العربية يشار إليه على أنه واحد من مؤسسي فن القص في اللغة العربية وخاصة في سورية بوصفه رصيفاً، أو شريكاً لابراهيم عبد القادر المازني الذي يمكن أن يدعى بالكاتب – الأسلوب وربما كانا من أهم الكتاب في اللغة العربية اللذين يمكن لك أن تميز كتاباتهما دون توقيع.
حسيب كيالي أستاذ ومعلم وهو الوحيد في سورية الذي صنع مدرسة خاصة به وترك تلاميذ يعلنون كل يوم بأنهم "أبناء حسيب كيالي".
ولد في إدلب في شمال سورية عام 1921 وتوفي عام 1993.
تلقى تعليمه الابتدائي في إدلب والثانوي في حلب وتخرج في جامعة دمشق مجازاً في الحقوق. توفي في دبي عام 1993.
عمل في الترجمة والصحافة والإذاعة.
من مؤلفاته:
1- مع الناس – قصص بيروت 1952
2- أخبار من البلد – قصص ، بيروت 1954
3- مكاتيب الغرام – رواية ، بيروت 1956
4- الناسك والحصاد، مسرحية شعرية ، دمشق 1969
5- أجراس البنفسج الصغيرة – رواية ، بيروت 1970
6- رحلة جدارية – قصص ، دمشق 1971
7- من حكايات ابن العم – قصص 1992
8- نعيمة زعفران – رواية 1993
وأعمال كثيرة أخرى.
"على الكاتب أن يكلف نفسه مشقة الإفهام، وليس على القارئ أن يكلف نفسه مشقة حل الرموز والأحاجي. فالأدب كاللغة وسيلة من وسائل الاتصال بين الناس" هكذا قال الياس أبو شبكة منذ الثلاثينيات من القرن العشرين، وربما حتى الآن، والمهمة ما تزال المهمة ماثلة؛ كيف الوصول إلى مزيد من قدرة الاتصال بالناس، وأي تجريب أدبي- لغوي يمكن أن يؤدي هذا الهدف؟!
السؤال ما يزال مطروحاً، والإجابة عليه بمزيد من محاولات التجريب.
حسيب كيالي مثال لهذا التجريب، أو التجديد، فقد كانت لغة الناس اليومية، وبكل "فصاحتها" وكل طرق بيانها، وكل ما فيها من ظلال وعفوية وبراءة وخبث وسخرية وألم وتلميحات ذكية هو ما أضافه حسيب كيالي إلى القصة السورية القصيرة ولغتها تحديداً.
خلص حسيب كيالي السرد القصصي من بلاغته القديمة، والمشهد القصصي من دراميته وجديته وعبوسه ، واللغة من معاطفها البالية المترهلة، مثلما أدخل القصة القصيرة رحابة الحياة اليومية بناسها البسطاء، لكن الأذكياء على طريقتهم، والساخرين، لكن بلغتهم ولهجاتهم ومشكلاتهم، بعفويتهم ضحكهم النقي، بتحايلاتهم ومكرهم اللماح في السلوك والحديث، ولهذا فلا عجب أن يكون عنوانا مجموعتي حسيب كيالي الأوليتين "مع الناس" و "أخبار من البلد" فهكذا تصبح القصة عيشاً مع الناس، وإخباراً عن البلد الذين يحتاج إلى قلم، أو لسان، يخبر عنه.
إضافة إلى اللغة الشعبية ومعها، وربما من خلالها، قدم حسيب كيالي "السخرية" عيناً ينظر من خلالها إلى الواقع، والسخرية هي الجانب المرح من الإنسان، الجانب الذي يدرك الوجه الآخر للحياة، الوجه الذي يقول إن الحياة ليست مأساة فقط، بل ثمة جانب مرح لطيف يستحق الحياة والابتسام، السخرية والضحك يخففان من غلوائنا ومن عبوسنا، ويهدئان من مخاوفنا، مثلما يطامنان من غرورنا، وربما يكون هذا الجانب "السخرية" إلى جانب اللغة من أهم إضافات حسيب كيالي إلى الأدب القصصي العربي".