أجمل وأكثرها توصيفاُ لحالة الحب إن كان له حالة! أغنية "شيء غريب حبك يا حبيبي..." للفنانة جوليا بطرس. وعلى ما يبدو أنه ليس حبها فقط هو الغريب - أيا يكن المقصود بحبها - وإنما الحب بكل أطيافه وطبيعته وتكوينه غريب، خاصة عندما يثير كتلة من الأحاسيس والمشاعر النبيلة المشحونة بالحب والحنان، بين اثنين أحبا واختارا بعضهما بغير قرار. فهو لا يخضع لأية انتماءات وتقاليد أو أنظمة وقوانين تشرعه أو لا تشرعه. لذا يوصف بالجنون الذي يشكل جوهره وروعته، ويجعله غريب بجهله لآداب دخول القلوب التي هي منازل لمن نحب، حيث يدخلها دون إستأذان. فيبكي العيون فرحا أو شوقا... وينسي المرء أحلامه الوردية وتصوراته المسبقة عن الحبيب / الحبيبة،معلناً عن أحلاماً جديدة مع من أحب.... ويبتدع معايير للجمال خاصة بالحبيب، قد لا يسبق لمتذوقين الجمال أن صنفوها ضمن معاييرهم أو عرفوها... وتطرب الأذن لسماع كلمة أحبكَ / أحبكِ علماً أنها ليست المرة الأولى التي قد تكون سمعتها لكنها الأولى التي أحست بها وأدركت معناها الحقيقي ورغبت بقائلها حبيباً....وبهذا يصبح ذاك المجنون المدعو الحب، حكيم الزمان وسيده يسدل على الأعين وشاحاً مطرزاً بأطياف السعادة والأمل وحب الحياة ويجعل من مسكنيه أطفالاً يحبون اللعب، وطيوراً تجيد الطيران في سماء عاصفة.... فكلنا عرف الحب والحب عرفه، فهو يأتينا جميعاً دون أن ينتظر منا القبول أو الرفض، دون أن يميز بين أبيض وأسود وبين غني وفقير ومؤمن وكافر وبين دين وأخر.... وكيف له أن يميز وهو مجنون وغريب في اختياره لمستضيفيه؟! ووفقاً لما هو متعارف عليه شرعاً وقانوناً لا تأخذ أفعال وكلام المجنون بالحسبان وبالتالي لا يحاسب عليها. إذاً فكيف لنا أن نحكم عليه بالإعدام عندما لا يراعي الانتماءات المذهبية والطائفية،ونطلب المغفرة لأهله "إن لم تكن الرحمة على أرواحهم" ما دام هكذا؟ ومن هنا يطول الكلام عن الحب ويبقى قليلاً مهما طال، وتطول معه مأساة شبابنا ذكوراً وإناثاً لعدم إيجاد فهماً حقيقياً من قبل أوساط المجتمع لحقيقة هذا النوع من الحب، وبالتالي مواجهته لممانعة ورفض شديدين. فبحسب رأي أهل التقوى "أهل التحليل والتحريم" إثم كبير وإن كان صادقاً فليحرم الصدق عندها، فالمهم أنه محرم!. وعن ما يمكن أن يسببه هذا التحريم من معاناة لهؤلاء الشباب ومشاكل نفسية وانعكاسات سلبية على مسار حياتهم العملية وآلية تفكيرهم وردات فعلهم، وما قد ينجم في نفوسهم من حقد وكراهية على مذهب معين دون آخر نظراً لعدم القبول بحبهم، وتوارث هذا الحقد عبر الأجيال القادمة. فكل هذا لا يأخذ أدنى حيز من اهتمامهم، فما عليهم فعله، هو أن يحللوا ويحرموا وإن كان بعيداً عن كل ما يقتضيه المنطق وجوهر عقيدة الإيمان. فتصلبت قلوب وعقول آبائنا وشيوخنا ومشرعين، على هؤلاء الشبان الذين قد يكونون، أبنائهم/أحفادهم / أخوتهم/ أصدقائهم وحالهم في هذا الحب المتهم بالكفر والمصنف في قائمة المحرمات. مما أدى لتراتبية معينة من الأفكار والمعتقدات والعلاقات السائدة في المجتمع، سئمها الزمن لطول امتدادها عبر الأجيال وهم لم يسئموها، بل ما زالوا مكبلين بقيود فكرية بالية تمنعهم من فهم حقيقة الأحاسيس النبيلة التي قد يحملها شاب / شابة اتجاه الأخر بغض النظر عن مذهبه أو طائفته. فلماذا هذا كله، هل هو تحسباً من غضب الله ؟ فكيف هذا وقوله سبحانه : { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً{،هذا وقد روي عن رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه قال : “المؤمن مألفة، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف”....أم هذا للحفاظ على نقاء وصفاء طوائفنا الدينية كل منها على حده، على فرض أن هناك طوائف تفوق أخرى إيماناً وتقوى؟ ولكن جميعها بني على جوهر الإسلام ومقوماته، وإلهٍ واحد، ونقلاً عن لسان نبي واحد. وما المسائل الفقهية المختلف عليها إلا شعاعاً فكرياً يغني الدين الإسلامي، ولنا جميعاً حرية التنور به أو لا، وبالتالي فهي اجتهادات لم تخرج عن التشريع الإسلامي وإنما اختلافها جاء نتيجة لفهم النصوص وتفسيرها بطرق مختلفة...أم الأمر ضرب من ضروب التحزب الفكري والتخريب الاجتماعي، والتشدد في التعصب لنعود مرة أخرى لمقولة الجاهلية : “كذاب ربيعة أفضل من صادق مضر"؟ فبهذا نعتبر أنفسنا مؤمنين ومبتغين لرضا الخالق،ونطمح لأن نبني حضارات ونصون شعوب عمادها ومحياها في شبابها،الذين يشكل استقراهم النفسي والعاطفي عاملاً هاماً لا بل أساسياً في رفع نتاجهم الفكري، أم ماذا؟. وبما أنه ما من شاب / شابة اختار مذهبه أو طائفته بملء إرادته وحريته، فليعوض عن هذا بحرية الحب بعيداً عن أي تأطير مذهبي أو طائفي معين له. فالحب بالأساس لا دين له ولا هوية، فهو إله القلوب وشيطان العقول.
خلود الشيباني، (يكفّرون الحب.. وهم بحقيقة الإيمان جهلة!) خاص: نساء سورية