خاص بالجزيرة: احتفت الأوساط الثقافية الإيطالية في عشر مدن بصدور كتاب يضم مختارات شعرية للشاعر والروائي إبراهيم نصر الله حيث أقيم خمسة عشر لقاء تم خلالها قراءة قصائد بالعربية من قبل الشاعر وبالإيطالية بمرافقة ممثلين وممثلات وبمصاحبة عازفين.
وقد قام بترجمة المختارات الصادرة عن دار كو إديزيوني في روما والتي جاءت في 230 صفحة الدكتور وسيم دهمش أستاذ الأدب العربي في جامعة كاليري بجزيرة سردينيا، واستخدمت الدار في تصميم الغلاف لوحة من أعمال الكاتب.
ومن بين المدن التي شملتها جولة نصرالله لتقديم الكتاب: روما، نابولي، كاليري، كربونيا، فلورنسا، ميلانو، وبارما. وأقيمت اللقاءات في جامعات ومكتبات عامة ومركز ثقافية في حين تم تقديم الديوان في مدينة بارما في كنيسة شيسا سانتا كرستينا بمرافقة عازف العود الفلسطيني بطرس بشارة والممثلة باربرا بيزيتي.
المختارات تضمنت مقدمة للدكتور دهمش وقصائد من مجموعات نصرالله الشعرية: الخيول على مشارف المدينة، المطر في الداخل، أناشيد الصباح، الفتى النهر والجنرال، حطب أخضر ومرايا الملائكة وديوان نصر الله الأخير (لو أنني كنت مايسترو) الذي صدر في مطلع هذا العام.
وقد جاء في تقديم الديوان: يُعدُّ إبراهيم نصرالله أحد أؤلئك الأدباء الذين لا يترددون في مجابهة المفاهيم الأدبية من خلال الكتابة الإبداعية. من هذا المنطلَق يُعدُّ شعره رائدًا في الشعريَّة العربية التي تجاوزت مرحلة الانطواء تحت لواء النزعة الدافعة لأَورَبة الأنواع الادبية، ففي قصائده اهتمام متجدِّد بالشكل كما بِلُبِّ المضمون، ما يستدعي التاريخ الأدبي العربي الثر كأداة لتغيير الواقع الشعري. وفي هذا الاستدعاء استعادة لأشكال ونماذج ومواضيع في بوتقة تجريبية رامية إلى الغوص في أعماق المسائل المجتمعية المعاصرة وعلى رأسها المسألة الاستعمارية وهي ما تزال راهنة في الحالة الفلسطينية.
تتكون الْمَشاهد في شعريَّة إبراهيم نصرالله من صور لأشياء كثيرة مثل الكراسي والنوافذ والدرج (أشياء) معتادة لكنها تمتلك مضمونًا من الأفكار وعالَمًا جوهريًّا يتجلّى عند توصيف الأشياء والشخوص في علاقة حميمة بينها وبينهم كي ترسم لنا مشهدًا آنيًّا، لحظةً يترمَّز فيها الألم والرقَّة بين الحلم والحقيقة.
وتحضر في قصائدَ نصرالله، سواء كانت جزءًا من مجموعة شعرية متكاملة أو قصائد منفردة، خيوط السرد المنتشرة المتوزِّعة المتلاقية في لُحمة تترسم فيها حبكة قصصية تنبت منها وتتبلَّور فيها الشخصيَّات والحكايات. تتآلف الكلمات وتجانب الواحدة الأخرى حتى تلامسها فيتكوَّنُ عقدها في علاقة رديفية تستدعي الظاهرة التي يتحدَّث عنها لوتمان وأوزبنسكي في معرض تناولهما لما يُسمَّى "الوعيَ الأسطوريَ" أو منطقَ ما قبل المنطق العقلاني الذي يؤسس علاقة وطيدة بين الشيء واسمه فيرتبطان بعروة وثقى لا انفصام لها. (الدرج) عند نصرالله يروي حكاية من يصعده ومن يهبطه، والنوافذ تحكي حكايتها وحكاية العالَم الذي تطلُّ عليه. تمثيل الحقيقة طموحُ الفنِّ الدائمُ ويتجلَّى هنا عبر سرد لا يخلو من الحوار.
هكذا يعود السؤال المعتادُ حول استطاعة الأدب تمثيل الحقيقة عبر الكلمة في اتصال مباشر ذي توتر عال مع إمكانيات الأدب نفسه، أو كما يقول نصرالله:
/وفي الوهم وهمٌ يُسمَّى الحقيقة/.
يذكر أن هذا هو الكتاب الثالث الذي يصدر بالإيطالية لصاحب (زمن الخيول البيضاء) و (شرفة رجل الثلج) وسواها من الأعمال الرواية والشعرية بعد روايته (براري الحمى) وروايته (مجرد 2 فقط).