كما كنتُ أرث لون عيني، أطوالي ومقاساتي صفات وراثية كان يجب أن أتوارث طقوس السعادة وإلا وقعت في الخطيئة...
كان يجب أن يحدث شيء معين في الحياة استطيع من خلاله أن أكتشف بأي زلالٍ أعيش..
لا زلت على غير يقينٍ إذا كانت الدجاجة هي التي "أنجبت" بيضاً أم أن البيض توارث تاريخ الدجاجة..
قررتُ أن أنتهج شيئاً ما يخلصني من هذا التوتر الذي لا يفصل آحه عن محه سوى غشاء رقيق، ثم لا يفصل الحقيقية الأزلية عن معترك الحياة سوى قشرة رقيقة سرعان ما تتسكر..
أوليست حياتنا أشبه بالبيض، ترقد علينا الدنيا، ثم نفقس من تحت ركام الحضارة كائنات يملؤها زغب البراءة سرعان ما نتحول إلى دجاجات نحمل تاريخنا ببيضٍ تنعم بجوانيته كل الأسرار ، نبعد عنها مسافة قشور... ونحن إلى الأبد سنخوض جدلية الوجود بين الحقيقة والخطيئة..
مشاكلي مرهونة بالبيض، إذا ما تساقط شعري، اسأل عن أكل البيض، وإذا ما تناقصت قوة جسدي أسال عن أكل البيض، وإذا ما حملت للأجنة غذاءً اسأل عن أكل البيض.. وما من أحٍد يعرف أن لا علاقة لي بالبيض..
ولا أعرف إذا ما كان لحسن حظي أو لشقائي أن لعدم البيض في حياتي شؤونـًا..
والغريب كلما ابتعدت عن البيض اقترب إلي..
يطاردني بتركيبته الأصلية أو المتكررة المتكورة في أصناف تكونه على شاكلاته المركبة، فأحيانا يخيل إلي أن المركب الذي أمامي طاهرٌ للغاية، فسرعان ما تقترب شفاهي إليه أسد رمق بدايات جوعي لاكتشف فظاعة التكون المجبول ضمناً بالطهارة وببعض برش الليمون الذي يكفل لرائحة البيض أن تغفو على وسادة لا إدراكية شعوري...
وتزوجت...
لم أفكر كثيرًا كيف سأمارس حياتي، وظننت أن الأمر سيكون طبيعيًا كما لون عيني وبقية صفاتي الوراثية، لكن الحقيقة التي تتكاثف في ما بين الزلال والقشرة كانت كافية لتساؤلي...
بدوت كالبيضة ناصعة البياض صلبة، لكن أحدًا لم يعلم أني رخوة طرية ... والحياة في بداياتها أو انتهائها كفيلة أن تسلقنا، فنصبح أكثر قسوةً وصلابة...
مشاكلي كانت تنحصر بأتفه الأشياء، حين كنت أخفق كثيراً في أن أكون زوجة تورث ميثولوجيا البيض لدجاجات أخريات عبر سلالة نقية من الصفات الوراثية... وأتعثر بشبكة عنكبوت تصطادني في زوايا الحياة، حين أتمرغ بخيبتي.. وانتحب في أهم امتحانات كينونتي كزوجةٍ حين لا أجيد صنع أبسط الأشياء ألا وهو الأكل ...
ولما كنت أشكو همي إلى من حولي من دجاجاتٍ متمرساتٍ ماهراتٍ في الحفاظ على أقنانهن كن يتسارعن بتفقيس الحلول السحرية التي لم تكن تبعد كثيراً عن البيض...
قلن لي، الدجاجة الحكيمة هي تلك التي تحافظ على خمها كي تبقى على قيد التفقيس، وما عليها إلا أن تورث السعادة الأزلية بالحفاظ على تاريخ طقوس بداياتها..
ورغم أني لا أجيد صنع الأكل وليس لي في هذا الشهر منزل، أفاجأ بأحيانٍ ليست قليلة بزوجٍ جائعٍ في أصعب الأوقات، ولا يشتهي من الأكل سوى البيض أو ما له علاقة به عن قربٍ كان أو عن بعد، علماً انه يعلم أني على خلافٍ تاريخي معه حين تكون رفوف الثلاجة تسبح لله الواحد الأحد، عدا عن بقايا تراث دجاجة، لو باتت ليلتها فوق كائناتها البيضاء لما اصطكت بناتها في ثلاجاتي برداً وتسبيحاً وغفراناً لأراحتني معها إلى الأبد... فنحن لا نوفر البيض للأكل، بل لنكمل بهاء الثلاجة حين تزدان بكمال انتهاء الأشياء..
وكثيراً ما كان يستفز كينونتي ويفاجئني صبيحة يوم استراحتي ببيضٍ يتمنى أن يرى انتهاء سائله يتحول إلى أقراص عجة أو ما شابه، وهو على علمٍ تامٍ أنه اليوم الوحيد الذي استطيع أن أنام ساعات أضافية أسجلها لحساب أجندتي الصباحية..
لظروف حياتي وعملي، فاني أخلد للنوم منذ أن تشد العتمة خيوط الضوء وتحجبه بعباءة الليل.. فأبدو كدجاجات جدتي التي ترد قنها مبكراً...
ذات مرة كسر زوجي أحلامي البيضاء في عودته متأخرًا، وراح يطلب الليل ودًا في العشاء!!
بينما كنت في طريقي إلى المغارة، تلك التي تنتهي بقليلٍ من أرسطو وكثيرٍ من الضوء والمعرفة.. صحت به وقلت:
- أتوقظني من نومي لأفقـس لكَ بيضاً؟؟
ثم تحتدم المعركة وأعود إلى قني دجاجةً منتوفة الكرامة!!!
هل يجب أن اختصر أشلاء التوتر بالبيض الذي ينهك كرامتي ؟؟؟ وسعادة حياتي مرهونة بالبيض؟؟
تراني يا الله أخفقت في حمل أسراري الوراثية ؟؟ واني لم امتثل لطقوس السعادة؟؟
طقوس السعادة...
النساء قديماً كن يجهزن مخلوطاً سحرياً يصطبغن به ثلاثة أيام بلياليها قبل الزواج لا يستحممن منه إلا قبل موعد الزفاف بثلاث ساعات ... بماء نهر جارٍ من جبلٍ شاهقٍ يأتيه الماء من نبع السماء..
هذا المخلوط العجيب كفيل أن يجعل المرأة أكثر قوةً وتحملاً للمصاعب التي ستواجهها في حياتها وتستطيع أن تكوّن شيئاً خارقاً..
وتدخل في تركيبة المخلوط العجيب ثلاث بيضات من نسل ثلاث دجاجات عذراوات أصيلات، يضاف إليها ثلاث نقاط حامض ليمون من ثلاث حبات مختلفات، وثلاث حبات قرنفل وثلاث حبات خردل وثلاث نقاط زيت مستخرج من ثلاث حبات زيتونة لا شرقية ولا غربية ... وثلاث حفنات تراب لم تطأها قدم بشر، وثلاث نقاط ماءٍ من نبعٍ سرمدي نابضٍ في الأرض منذ أن تكونت!!
بشرط أن تتولى حراسة الفتاة ثلاث نساء نحيفات، طويلات، يقظات وماهرات...
تبدأ النساء بتعرية الفتاة وهي تتنفس سواد السماء وعيناها معلقتان بالنجوم، ويبدأن بفرش المخلوط فوق الجسد بشرط ألا تبقى مسامة واحدة دون أن تشهقه!!
على الفتاة حين تمسد ظهرها فوق أكف الأرض ألا تتحرك أبدًا، وألا تتكلم أبداً، وألا تتململ أبداً، وأن تمتثل لقوانين المخلوط.. فقط!!
وتترك ليجف على جسدها الغض، يحجبها قماش رقيق من العتمة ..
وهن فقط يبللن شفتيها بالماء القليل ويقرأن الكثير من التراتيل ترتقي بالفكر حد الله ...
وكل فتاة تخفق في اجتياز الثلاثة أيام مخطئة، ولن تنال السعادة الأبدية!!
ولما كان دوري تحت المخلوط العجيب، وأنا أبعد عن السعادة الأبدية مسافة ثلاثة أيام، رائحة البيض كادت تقتلني واشتهاء الماء كاد يقتلني لم أحتمل من الأيام سوى يومين كنت قد سموت بتفكيري إلى أبعد من نجم اليوم الثالث...
رفضت أن أمسد جسدي فوق القش، واتمعجن بالسائل العجيب يوماً إضافيـًا، وأن أدخل في عوالم تصلني بالسماء عبر بيضٍ وأشياء أخرى ...
سرعان ما هربت إلى النهر لأغتسل من أساطير البيض...
ولما تراءت صورتي في الماء!!
- ترى هل سيكون التزامي عبادة وعصياني خطيئة تسجل إلى تراث أبديتي ؟؟؟
فنحن نتداور في فلك من زلالٍ، تبدو الحقيقة على مقربةٍ منا إلا حينما تفقسها الحياة بيديها وتضعنا في سوائل أخرى ... نضاف عليها واليها لنصبح مركباً من حقيقة جديدة... خوضنا للحياة فيه فقس وسلق وتهشيم وأشياء أخرى... وحين تزدان أيامنا بالتجربة فتزيدنا صلابةً وننسلق بالمعرفة نكون أكثر قدرةً على إنجاب البيض لنعزز من سلالتنا الوراثية...
الانكسار..
فتحت عيني باكراً.. تململت في قني.. وقررت!!
أمسكت واحدةً بيدي... قلبتها وقلت في سري وأنا امرر الكلمات فوق أسناني..
أنت أيها البيض لن تهزمني!!
سأنالُ منكَ..
وسأكسر عنفوانك في المقلاة!!
وسأحرقك بالزيت!!
وسأسلقك بالماء!!
سأفقأ عينيك قبل أن يفقأ وجودي وأقلى في زيت المرارة، وأملح بالهم في مقلاةٍ لا ترحم أحدًا ...
سأتمتع برؤيتك تتقلى ألمًا وملوحةً، سألقنك درساً أن لا بيض ينتصر على دجاجة...
نهض زوجي من نومه مندهشاً بعدما اخترق نحيب البيض أنفه.... معتقداً في سره أنه انتصر علي بقليلٍ من الصراخ وكثيرٍ من البيض... وهو لا يعلم أني اهتديت إلى طريقة عجيبة للتعامل مع البيض!!
الإخفاق في توارث الفضيلة ليس شرطا حتمياً في استرسال الخطيئة، وأنا لا أعرف إذا كانت الحقيقة سبباً للخطيئة، أم أن الخطيئة سببًا للحياة!!
ربما الإخفاق في توارث كل أساطير الحضارة كفيلٌ بإنتاج فضيلة أخرى.. من نسل بيض..
ربما ...
ابتسمت بدهاء وأنا انظر إليه وهو بنهـمٍ يلتهم وجبة الفطور...
(باقة الغربية – المثلث)