كنت أصادف أحيانا أخبارا متناثرة عن وجود وزراة للقوى العاملة والهجرة عندنا، ولم أفهم أبدا الصلة بين القوى العاملة والهجرة ؟ وظننت – خطأ بالطبع - أن دور الوزراة هو تشجيع القوى العاملة على الهجرة التي ارتفع تعدادها مؤخرا إلي نحو 5 ملايين نسمة. لكن صديقا مطلعا فسر لي الأمر قائلا : " القوى العاملة والهجرة شيئان لاعلاقة لهما ببعضهما البعض ، مثل الشاي واللبن ، لكن جرت العادة على دمجهما لاستحسان الذوق العام لهذا ". ولم أتابع بعد ذلك أخبار الوزارة لما يتطلبه ذلك من بحث مضن وعودة لمراجع ومخطوطات، إلي أن قرأت منذ أيام تحقيقا في المصري اليوم مع عائشة عبد الهادي التي شغلت منصب أمينة المرأة بالحزب الوطني ، وعضو مجلس الشورى وتولت عام 2006 وزارة القوى والهجرة ، مع أنها لم تحصل إلا على شهادة الإعدادية فقط . وبررت ذلك لنفسي بأن هذه ليست " بلد شهادات " كما كان يقول عادل إمام ، بل بلد " الشهامات " والإخلاص ، والسيدة الوزيرة مكافحة منذ أن دخلت العمل النقابي عام 1959 بشركة سيد للأدوية ، فقدمت لمصر الكثير من الخدمات ، وقدمت للسعودية الخادمات ، فأعلنت منذ عامين عن تعاقدها مع المملكة على توريد خادمات مصريات للعائلات هناك على أساس أن " خادم القوم سيدهم " . ومؤخرا في 4 نوفمبر هذا العام أثارت الوزيرة ضجة بمشهد شهير خلال مؤتمر الحزب الوطني، بالغت خلاله في التواضع لحد تقبيل الأيادي على أساس أن محمد عبد الوهاب أوصانا بقوله " بلاش تبوسني في عنيه " . وقد ذكرني بالوزيرة حديث أجرته معها " المصري اليوم " في العاشر من ديسمبر الحالي ، أكدت فيه وعيها الثاقب بمشاكل القوى العاملة في مصر حين صرحت بأنه : " لابد للفقراء أن يستريحوا حتى يتفرغوا للعمل السياسي " . وبذلك بينت إدراكها لمطلب الفقراء الأول والأساسي ألا وهو " التفرغ للعمل السياسي " . المشكلة أن عدد فقراء مصر الذين يتوقون للتفرغ للعمل السياسي وصل عام 2005 حسب تقرير التنمية الإنسانية للأمم المتحدة إلي 14 مليون ، مما قد يستدعي من الوزارة استحداث نظام " للتفرغ " السياسي على غرار" التفرغ " الأدبي بوزراة الثقافة . مشكلة الفقراء عندنا إذن هي الشوق للعمل السياسي الذي علمهم السهر ، وهي مشكلة الخمسة ملايين مصري الذين هاجروا للخارج بحثا عن عمل سياسي وليس كما قد يظن البعض بحثا عن لقمة خبز ، وهي أيضا مشكلة المتبطلين الذين بلغ عددهم نحو ستة ملايين فرد يهيمون على وجوههم بحثا عن " عمل " سياسي ! ، وهي مشكلة موظفي الضرائب الذين قاموا في أكتوبر منذ عامين بإضراب ضخم ، طالب خلاله 55 ألف موظف " بالعمل السياسي " . وبتصريحات عائشة عبد الهادي يتضح لنا مدى علاقة المسئولين بالواقع ، وإلمامهم بحقيقة المشكلات التي يعاني منها الناس ، ويتبين لنا تلك الهوة الشاسعة التي تفصل المسئولين عما يجري في الواقع الفعلي . ولسبب ما قفزت إلي ذهني قصة ماري أنطوانيت ملكة فرنسا قرينة لويس السادس عشر التي تزوجت الملك وهي في الرابعة عشرة من عمرها ، وكان التعليم ينقصها أيضا إلي حد أنها صرحت خلال أزمة اقتصادية طاحنة عام 1793 بقولها : " مادام الفقراء لا يجدون الخبز فلم لا يأكلون الكعك؟"! وقد سجل جان جاك روسو عبارتها هذه في كتابه " الاعتراف". ولم تفكر ماري أنطوانيت في خفض النفقات الحكومية ، أو في أي إجراء يمنح الفقراء بعضا من حقوقهم ، ولم يسمح لها وعيها المحدود إلا بالتساؤل " لم لا يأكلون الكعك ؟ " . والحق أن تصريحات عائشة عبد الهادي لا تنطوي على أي محاولة لحل مشكلات العمال على الأقل أولئك الذين وجدوا أنفسهم في الشارع بعد أن استجابت الحكومة لنصيحة صندوق النقد الدولي وطبقت برنامجا للخصخصة المكثفة للصناعات المصرية ، فواجهوا الخصخصة بموجة من الإضرابات الكبيرة . وفي خضم الأزمة لم تجد الوزيرة ما تقوله سوى : " ماداموا لا يجدون الخبز ، فلم لا يتفرغون للعمل السياسي ؟ ".