الجفاف الذي أصاب نهر الفرات، وهو أحد أكثر أنهار العراق طغيانا على مر العصور، أسكت الشعراء عن التغني بهذا النهر الذي يمتد قاطعا مسافة تزيد على ألفي كلم من منبعه التركي مرورا بالأراضي السورية قبل أن يقطع الصحراء من شمال غرب العراق حتى يلتقي دجلة في مدينة القرنة شمال البصرة جنوبا. ولم تنجح المحادثات الثنائية والثلاثية والجماعية التي أجرتها مختلف الوفود العراقية في إقناع تركيا لإطلاق كميات كافية لمياه ألشفة والسقي إلى نهر الفرات الذي يسير في الأراضي العراقية لمسافة 1650 كلم، وذلك بسبب إقامتها العديد من السدود العملاقة داخل الجبال التي ينبع منها 97% من مياه النهر، بحسب المدير العام لدائرة السدود بوزارة الري العراقية عبد الحميد سعدون. وأضاف سعدون أنه ليس أمام العراق سوى اللجوء للمحاكم الدولية لتفعيل القانون الدولي الذي يحمل المسؤولية للدول المشاركة في الأنهار من حيث المنبع والمصب، وبما يمنع التعسف من طرف واحد.
وبدوره كشف الخبير المائي العراقي عقيل ناصر شلتاغ أن "إيران وتركيا تعملان حاليا على إقامة المزيد من السدود على الروافد التي تصب في نهر دجلة (تنبع أكثر من 75% من مياهه من الجبال التركية) والمتبقي من روافد إيرانية يجري تجفيفها تباعا" مشيرا إلى أن كل الجهود فشلت مع البلدين الجارين للتوصل إلى حلول لإنقاذ الريف العراقي من الانهيار بعد أن تحولت أكثر من 60% من أراضيه الصالحة للزراعة إلى أراض ملحية. وأكد شلتاغ أن العراق يتعرض لكارثة بيئية خطيرة، وعلى المجتمع الدولي أن يتدخل بشكل سريع وعاجل لإنقاذه. وتتصاعد وتيرة الغضب والاستنكار لدى سكان المدن والبلدات والأرياف التي تقع على ضفتي النهرين العريقين دجلة والفرات ضد كل من تركيا وإيران وسوريا، وهي الدول التي يمر منها النهران، قبل أن يلتقيا في القرنة ليتوحدا في شط العرب الذي تتعرض إحياؤه المائية إلى الهلاك بسبب ارتفاع نسبة الملوحة فيه بعد أن قطعت إيران روافدها التي تصب فيه والذي يسير لمسافة 160 كلم قبل أن يصب في الخليج العربي. ويقول علي خليف مذكور الذي يدير جمعية فلاحية في مدينة المشخاب التابعة لمحافظة النجف جنوب غرب بغداد إن المزارعين أصبحوا لا يستطيعون توفير مياه الشرب واحتياجات حيواناتهم، كما بدؤوا يتخلون عن زراعة الرز العنبر الذي يحتاج إلى سقيات ماء متعددة قبل أن يتم تعطيشه ليستكمل دورة نموه كي يحصل على رائحته الزكية المعروفة التي تميزه عن كل الأصناف في العالم. أما مربي الجاموس الحاج شنشول عليوي الذي يتنقل بقطعانه بين أهوار محافظتي الناصرية والعمارة جنوب العراق فيقول إن المربين يعيشون مشكلة مستعصية بعد أن جفت مساحات كبيرة من الأهوار التي كانت مصدر رزق لهم من خلال صيد السمك والطيور البرية إضافة إلى تربية قطعان الجاموس، مشيرا إلى أن الأمور تغيرت الآن وأصبحت مساحة الماء تتقلص بينما تزداد نسبة التصحر مما دفع العديد من مربي الجاموس للهجرة بعيدا عن الأهوار. وبينما يصمت الإيرانيون عن النداءات العراقية التي حذرت من مخاطر بيئية جراء القيام ببناء عشرات السدود مما تسبب في قطع الروافد التي تصب على طول الحدود المشتركة بين البلدين (1600 كلم طولا) فإن تركيا تعلن صراحة أنها ستقايض الماء بالنفط. وكان وزير التخطيط والتعاون الإنمائي العراقي علي بابان أطلق نداء استغاثة عندما حذر من وقوع كارثة ستصيب الاقتصاد العراقي بالشلل التام إذا استمر الحال كما هو عليه الآن، ودعا إلى اللجوء إلى تفعيل القانون الدولي وإشراك الأمم المتحدة لتنظيم حصول العراق على كميات كافية من المياه لإدامة الحياة البيئية التي طبعت حياة بلاد وادي الرافدين منذ آلاف السنين.